منح استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، يحيى
السنوار، دافعا معنويا لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو، إلا أن النجاح المزعوم الذى يسوقه الاحتلال وضع نتنياهو تحت ضغط من عائلات الأسرى المطالبين باتفاق تبادل الأسري.
ونشرت مجلة
"
فورين بوليسي" مقالا لكل من دانييل كورتزر، السفير الأمريكي السابق لدى
مصر وإسرائيل وآرون ديفيد ميلر، الزميل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، قالا فيه
إنه بالنظر إلى الوراء على مدار العام الماضي، من الصعب أن نرى الآن كيف أدى قائد حماس
ومهندس عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى تغيير مسار
الصراع بين إسرائيل وحماس في غزة بشكل أساسي.
وأضاف المقال أنه
لا يوجد ما يشير إلى أن من يحل محل السنوار سيكون لديه الشرعية أو الرغبة أو
القدرة على متابعة نهج أكثر تهدئة، ناهيك عن التصالح، أو
التراجع عما سار عليه السنوار، مشيرا إلى أن نتنياهو - يرسل إشارات واضحة بأنه عازم
على مضاعفة الجهود، وليس التراجع.
وذكر المقال أنه
من المحزن أن الإلحاح الوحيد لوقف الحرب يبدو موجودا في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي تدق
ساعتها بشكل مفهوم أسرع بكثير من ساعة إسرائيل أو حماس.
وأضاف المقال أنه
في الوقت نفسه، من المرجح أن تؤدي الأحداث في الشمال، في لبنان، والضربة
الإسرائيلية المتوقعة ضد إيران إلى تعقيد التركيز على غزة، وفي الوقت الحالي، لا
يستطيع أحد أن يتنبأ بشكل موثوق بمن قد يحل محل السنوار، أو كيف سيتم إعادة تنظيم
حماس وقيادتها في أعقاب وفاته.
وتابع المقال أن
اغتيال الزعيم السياسي للجماعة، إسماعيل هنية، في تموز/ يوليو والإعلان السريع
نسبيا بعد ذلك من قبل مجلس شورى حماس، بتعيين السنوار كزعيم أعلى لحماس، يشير إلى
أن حماس لديها مصلحة في إظهار دليل على الحياة بسرعة.
وأضاف المقال أن
تقارير أشارت إلى أن نائب السنوار،
خليل الحية، سوف يبرز كزعيم بارز، حيث ولد
الحية في غزة، ومثّل السنوار في مفاوضات وقف إطلاق النار والأسرى، وهو ما من شأنه
أن يمنحه بوضوح أفضلية على المنافسين الآخرين في سباق الزعامة.
أشار المقال إلى
أنه من المرجح أن يكون للقيادة المفترضة رأسان - أحدهما يقود المنظمة داخل غزة
والآخر يمثلها خارجها.
أردف المقال أن
مسألة من سيقود تثير السؤال المركزي حول ما إذا كانت حماس ستتخذ اتجاها جديدا بشكل
كبير في أعقاب وفاة السنوار، ومن غير المستغرب أن تكون التصريحات المبكرة بعد وفاة
السنوار قاسية، ولا تعكس أي تغيير في السياسة، حيق قال الحية من قطر: "نحن
نواصل مسار حماس"، مضيفا أن شروط السنوار لوقف إطلاق النار لن يتم المساومة
عليها، بما في ذلك الانسحاب الإسرائيلي من غزة وعودة السجناء الفلسطينيين.
وتابع المقال أن
الحية ذكر في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس نُشرت في نيسان/ أبريل، أكد الحية أن
حماس قد توافق على هدنة لمدة خمس سنوات مع إسرائيل، وقال إن الجماعة ستحل جناحها
العسكري وتصبح حزبا سياسيا إذا تم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على طول حدود عام
1967.
وقال المقال لو
كانت تتأثر بالاغتيالات الإسرائيلية، لكانت حماس قد اختفت منذ فترة طويلة، ولكن
على مدى السنوات الأربعين الماضية، غرست جذورا دينية واجتماعية واقتصادية عميقة
هناك، إن غياب خطة للحكم والأمن بعد الحرب في صالح حماس، فالسلطة الفلسطينية ضعيفة
وفاسدة.
من ناحية اخري ذكر
المقال أن دوافع نتنياهو طيلة الحرب مزيجا من الأمن القومي والمصالح السياسية. ولم
يكن أمام إسرائيل خيار سوى الرد بقوة على حماس. ولكن شدة الرد الإسرائيلي والهجوم
المطول على المجتمع الغزّي خدما أيضا الاحتياجات السياسية لنتنياهو. فقد سمحت له
الحرب بتغيير الموضوع بثلاث طرق على الأقل.
وأنهت الحرب
المظاهرات ضد الجهود التي بذلها ائتلاف نتنياهو لتمرير مجموعة من التغييرات
القضائية التي كانت لتقوض استقلال القضاء. ومع استدعاء جنود الاحتياط للقتال وفشل
الخدمات الحكومية في عدد من المجالات الحرجة، ركزت الحرب عقول الإسرائيليين على
إعادة المجتمع ليقف على قدميه.
ثانيا، أثارت
نجاحات حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر شبح لجنة تحقيق قد تجد نتنياهو
مسؤولا عن الإشراف على سياسة تعزيز حماس على حساب السلطة الفلسطينية.
ثالثا، لو لم
تهاجم حماس، لكانت محاكمات نتنياهو بتهمة الفساد قد ظلت سيفا معلقا فوق رأس رئيس
الوزراء. وفي زمن الحرب، أصبحت محاكمات الفساد في مرتبة ثانوية.
مع وفاة
السنوار، يواجه نتنياهو خيارا لم يضطر إلى اتخاذه حتى الآن. فمن ناحية أخرى وفاة
السنوار جعلت نتنياهو في ورطة حيث ينمو الضغط داخل إسرائيل من أجل التوصل إلى
اتفاق لإعادة الأسرى الذين تحتجزهم حماس، ومن ناحية أخرى، ولأن نتنياهو لم يحدد
هدفا قابلا للتحقيق، فسوف يميل إلى مواصلة الحرب، وإضعاف حماس، والتمسك بغزة.
وعلى هذا، فإن
وفاة السنوار تمنح نتنياهو دفعة سياسية، ولكن ليس أكثر من ذلك، فحماس لا تزال على
قيد الحياة وتقاتل وتطلق الصواريخ. وإسرائيل ليست قريبة من إعلان نصر حاسم فقد
اتخذ القتال في غزة طابع التمرد المطول أو التمرد المضاد الذي سيستمر في تقليص
قدرات حماس، ولكن على حساب أرواح الإسرائيليين والفلسطينيين.
وأضاف المقال أن
نتنياهو ليس أقرب الآن إلى التفكير في نهاية المطاف التي تنطوي على الانسحاب
الإسرائيلي مما كان عليه قبل وفاة السنوار.
كما أظهر العام
الماضي بشكل مأساوي، فإن ما يحدث في غزة لا يبقى في غزة، وإن العمليات الإسرائيلية
في لبنان والهجوم الإسرائيلي الوشيك ضد إيران ردا على إطلاق طهران 180 صاروخا
باليستيا على إسرائيل في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر لا يبشر بالخير فيما يتصل
بإحراز تقدم في التوصل إلى اتفاق بشأن احتجاز الرهائن أو وقف إطلاق النار في غزة.
وأشار المقال أن
البعض كان يأمل أن يؤدي الهجوم المدمر على حزب الله واغتيال حسن نصر الله إلى كسر
محور المقاومة بطريقة أو بأخرى، وإضعاف الصلة بين حزب الله ولبنان بشكل كبير،
وإقناع قيادة حماس بأنها تقاتل الآن بمفردها. لقد مات نصر الله، لكن حزب الله لا
يزال على قيد الحياة وقادرا على تقديم المقاومة على الأرض في جنوب لبنان وعن طريق
إطلاق المسيّرات والصواريخ ضد إسرائيل.
وذكر المقال أن نتنياهو لا
يجد أي مشكلة في مواصلة القتال في لبنان طالما أن معدل الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي
محدود ولا توجد عمليات اختطاف لجنود إسرائيليين ــ وهو خوف جدي وحقيقي. وتحظى
الحرب ضد حزب الله بدعم أكبر كثيرا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية والجمهور
مقارنة باستمرار الحرب في غزة.
في غياب هدف
سياسي يمكن تحقيقه وإحساس واضح بالظروف التي قد تنهي القتال، تصبح الحروب أعمال
انتقام أو ثأر. وهي تؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة وتدمير مادي ومعاناة إنسانية،
لكنها نادرا ما تحل المشكلة الأساسية. إن الشرق الأوسط ــ والحرب الحالية في غزة
ــ هو مختبر حي يثبت عبث الحروب التي تفتقر إلى نتيجة سياسية واقعية وقابلة
للتحقيق. إن اغتيال القيادات ليس بديلا عن الهدف السياسي.
في أعقاب وفاة
السنوار، دارت مناقشات عامة كثيرة حول الفرصة التي تتيحها هذه الحرب لتحرير الأسرى
وتهدئة الحرب في غزة. والحماس مفهوم، لكن التفاؤل محير. ومن الصعب أن نستنتج أن
الظروف الحالية التي تواجهها إدارة بايدن حامل بالاحتمالات. وإذا أثبتت الإدارة
عدم رغبتها في ممارسة ضغوط كبيرة حتى الآن لإبرام صفقة، فسوف يكون احتمال قيامها
بذلك أقل قبل أسابيع فقط من انتخابات الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر.
وذكر المقال أنه
ومن الناحية الواقعية، لن تقبل إسرائيل أي اقتراح أمريكي يمنح حماس إحساسا بالنصر؛
وعلى هذا فإن الصفقة الأصلية المكونة من ثلاث مراحل والتي عرضت على حماس مئات
السجناء الفلسطينيين أصبحت خارج الطاولة.
وهناك تقارير
تفيد بأن اقتراحا بالإفراج المحدود عن الرهائن مقابل وقف إطلاق النار لمدة أسبوعين
قيد المناقشة. وسوف يكون هذا أمرا صعبا. وربما تقدم الولايات المتحدة أيضا اقتراحا
معدلا "الكل مقابل الكل" ـ أي اقتراح توافق فيه حماس على إطلاق سراح كل
الرهائن المتبقين، أحياء وأمواتا، وتوافق إسرائيل على وقف إطلاق نار ممتد للغاية.
وفي هذه الصفقة، تكسب إسرائيل الرهائن؛ وتكسب حماس الوقت لإعادة تنظيم صفوفها
وإعادة تسليح نفسها.
ولكن بالنسبة
لنتنياهو وحماس، من غير المرجح أن ينجح هذا البديل الذي يعتمد على مبدأ الكل مقابل
الكل. يريد نتنياهو تدمير حماس كمنظمة وضمان عدم عودتها إلى الظهور؛ ولن يرغب في
اتفاق يسمح لحماس بإعادة تسليح نفسها. وتريد حماس انسحاب إسرائيل، ولن تقبل ترتيبا
لا يضمن هذه النتيجة وعودة أعداد كبيرة من السجناء الفلسطينيين.
وتابع المقال أن
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يعمل على خطة شاملة واسعة النطاق لتحقيق
الاستقرار في غزة بقوة دولية، ومشاركة الإمارات والسلطة الفلسطينية، وأفق سياسي
مرتبط بحل الدولتين. ولكن في الوقت الحالي، فإن هذه المجموعة من الأفكار هي مجرد
طموح، ليس أكثر.
تقترب إدارة
بايدن من نهاية ولايتها متورطة في صراعات بين قوى أصغر تتعارض مصالحها مع مصالحها،
ولكنها تشرك الإدارة بخيارات قليلة لفك تشابك الفوضى. في ظل السياسة الداخلية
المحاصرة، والانتخابات الرئاسية الحاسمة، والصراع الوشيك بين إسرائيل وإيران، من
الصعب أن نتخيل في الأسابيع المقبلة أي مخرجات دبلوماسية أو فرص قد تؤدي إلى نزع
فتيل صراع يتكشف على جبهات متعددة.
وفي أفضل
الأحوال، تستطيع الإدارة أن تحاول إدارة هذه الصراعات واحتوائها وردعها، وربما
العمل على منع تفاقمها بحلول نهاية العام. وسوف تضطر الدبلوماسية الجادة إلى
الانتظار ليوم آخر ــ وبالنسبة للقادة الإقليميين الذين يرون قيمة في العمل مع
واشنطن، وليس ضدها، والذين حسبوا لأسباب خاصة بهم أن الوقت قد حان لتهدئة الصراعات
وربما حتى اتخاذ الخيارات الصعبة اللازمة لحلها.