ملفات وتقارير

هل ينخرط النظام السوري في مخطط "تحجيم إيران"؟

تباينت الآراء حول قدرة نظام الأسد في تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا- إكس
أثارت الأنباء التي كشفتها صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، عن مساع من الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة لتحجيم نفوذ إيران في سوريا، بالتعاون مع رئيس النظام السوري بشار الأسد؛ تساؤلات حول قدرة النظام على الحد من نفوذ حليفته طهران.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، أن تل أبيب وواشنطن تريدان مساعدة النظام في منع إيران من الاستمرار في إمداد "حزب الله" اللبناني، عبر الحدود السورية، مؤكدة أن "الأسد قد يدعم منع إيران من إمداد حزب الله عبر سوريا؛ لأنه أصبح مستاء من الوجود الإيراني في العاصمة دمشق".

وذكرت مصادر "واشنطن بوست"، أن "الإدارة الأمريكية مستعدة لمنح بشار الأسد بعض الفوائد إذا تمكن من إيقاف تدفق الأسلحة إلى "حزب الله"، موضحة أن "إدارة بايدن تبدو راغبة في تحقيق بعض المصالح للأسد، فيما لو قبلَ المضي في هذا الطريق".

ولم يصدر تعليق رسمي من أي طرف، على الأنباء التي ذكرتها الصحيفة الأمريكية.

هل بمقدور النظام تحجيم إيران؟
الباحث والخبير بالشأن الإيراني، نبيل العتوم، يقول؛ إنه على الرغم من أن النظام السوري برئاسة بشار الأسد، قد يتلقى دعما ماديا وسياسيا إذا انخرط في أي تعاون لتحجيم إيران، إلا أن قدرته الفعلية على الحد من النفوذ الإيراني تبقى محل شك.

ويوضح لـ"عربي21" أن لدى إيران النفوذ العسكري والاقتصادي الواسع في سوريا، الذي يشمل قواعد عسكرية، ومليشيات محلية تابعة، وتعاونا سياسيا طويل الأمد، وهو ما يجعل أي تقليص لهذا النفوذ يتطلب قرارات استراتيجية صعبة، قد لا يمتلك النظام السوري القدرة أو الإرادة على اتخاذها.


في الاتجاه ذاته، يشكك الباحث المختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي، بقدرة النظام السوري، ويقول لـ"عربي21": "حتى روسيا لم تستطع ضبط المليشيات الإيرانية، بدلالة وجود الأخيرة بمحاذاة الحدود السورية مع الأردن ومع الجولان المحتل، رغم تعهد موسكو سابقا بإبعاد المجموعات الإيرانية عن الحدود لمسافة عشرات الكيلومترات".

ووفق النعيمي، فإن انخرط النظام في مخطط تحجيم إيران في سوريا، يعني فتح باب الاغتيالات التي قد تستهدف شخصيات من ضمن دائرته الضيقة، وخاصة أن طهران حددت دور النظام بدعم "محور المقاومة" سياسيا.

النظام متمسك بتحالفه مع إيران
وبالبناء على ما سبق، يستبعد النعيمي أن يكون لدى النظام أي توجه حقيقي للانفكاك عن إيران، التي ربطت الدولة السورية بعشرات الاتفاقيات الاقتصادية والتعليمية والسياسية، ويلفت إلى "انتشار المليشيات الموالية لإيران في مختلف مناطق سوريا".

على النسق ذاته، يؤكد نبيل العتوم أن النظام السوري يعتمد بشكل كبير على الدعم الإيراني، خاصة بعد سنوات الحرب التي أضعفت بنيته التحتية وعلاقاته الدولية، ويقول: "إيران كانت من الداعمين الأساسيين للنظام السوري، وفقدان هذا الدعم أو تضييقه قد يشكل تهديدا للنظام في ظل عدم وجود بديل قوي، ومن هنا، قد يكون النظام متمسكا بالحفاظ على علاقاته مع إيران"، ويستدرك: "لكن ربما يقبل بتقليص محدود لبعض الأنشطة الإيرانية، بهدف تعزيز علاقاته مع الدول العربية وتحقيق بعض الانفتاح الدولي".

بهذا المعنى، لا يستبعد العتوم أن يفرض النظام رقابة أو بعض القيود على الأنشطة العسكرية الإيرانية، أو الحد من حرية حركة المليشيات التابعة لإيران في المناطق الاستراتيجية، مضيفا: "قد تكون هناك أيضا إجراءات محدودة ضد المنشآت الإيرانية، وذلك بالتنسيق مع الأطراف العربية والدولية لتقديم بدائل اقتصادية، ولكن دون القطيعة الكاملة مع إيران".


ويكمل قائلا: "بالعموم تظل هذه الاستراتيجية معقدة، إذ تتطلب توافقات داخلية وإقليمية دقيقة؛ نظرا لتشابك المصالح السياسية والاقتصادية في سوريا، والواقع أن النظام قد يتخذ خطوات بسيطة، ولكن من غير المرجح أن يكون بمقدوره تحجيم النفوذ الإيراني بشكل كامل".

مصلحة مضاعفة
من جهته، يتحدث الكاتب والباحث بالشأن الإيراني عمار جلو، عن "مصلحة مضاعفة" للنظام في تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، ويقول لـ"عربي21"؛ إن "النظام ممتعض من وجود هذا العدد الكبير من المليشيات الإيرانية في مناطق سيطرته، وخصوصا أنها تسبب الحرج الدبلوماسي والسياسي له، لجهة استهدافها من الاحتلال ومن الولايات المتحدة".

واعتبر أن التقليل من وجود المليشيات غير المنضبطة يخدم النظام كذلك لجهة المطالب العربية، المتعلقة بتجارة وتهريب المخدرات.

أما بخصوص قدرة النظام على تحجيم المليشيات، يقول جلو؛ إن النظام يستطيع بكل تأكيد ذلك، فهو بالحد الأدنى يستطيع تسريب المعلومات عن وجودها ونشاطها في سوريا، وكذلك يستطيع أن يطالب إيران بعد شكرها على مساندتها له في "الحرب"، بسحب وجودها العسكري.

من جهة أخرى، لا يمكن إغفال قدرة النظام السوري في مجال المناورة السياسية، بحيث يمكن أن يُظهر النظام استجابة للخطة "الأمريكية- الإسرائيلية"، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، من دون أن ينفذ المطلوب منه، كما هو الحال مع المطالب العربية منه، قبل إعادته إلى جامعة الدول العربية، وفق قراءات أخرى.

يذكر أن بعض الأوساط الإيرانية كانت قد عبرت عن غضبها، من مواقف النظام السوري "الخجولة" من التصعيد الحالي الذي تشهده المنطقة.