سياسة عربية

أطفال الضفة الغربية يُقتلون بمعدل غير مسبوق برصاص الاحتلال.. شهيد كل يومين

استشهد 171 طفلا فلسطينيا وأصيب أكثر من 1000 في الضفة الغربية خلال 13 شهرا- جيتي
أدى تصاعد العدوان الإسرائيلي على الصفة الغربية منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلى استشهاد 171 طفلا فلسطينيا، وهو ما يعادل قتل طفل كل يومين تقريبا، وفقا لبيانات الأمم المتحدة، وذلك إضافة إلى إصابة أكثر من 1000 آخرين.

وجاء في تقرير لصحيفة "الغارديان" أن محمد كان يبلغ من العمر 12 عاما، وهو مراهق مولع بكرة القدم، قضى أيامه يحلم بمسيرة في الملعب وقضى دقائقه الأخيرة في التدرب على مهارات الكرة.

في حين كان غسان يبلغ من العمر 14 عاما، وهو مراهق هادئ وكريم كان يقوم بخدمة الأقارب المسنين، مع شقيق محب يبلغ من العمر ست سنوات كان يلتصق به مثل الظل.

وأضاف التقرير أن الصبيين استشهدا برصاص جنود إسرائيليين هذا الصيف، وسط ارتفاع غير مسبوق في الهجمات على الأطفال في الضفة الغربية المحتلة وشرق مدينة القدس.

وأوضح أن "الضحية الأصغر كانت فتاة تبلغ من العمر أربع سنوات، قُتلت بالرصاص عندما كانت هي ووالدتها جالستين في سيارة أجرة بالقرب من نقطة تفتيش في كانون الثاني/ يناير".

وذكر أنه رسميا لا توجد حرب في الضفة الغربية المحتلة، وقد طغى عدد الشهداء في غزة على الخسائر هناك، لكن الأطفال يقتلون بأعداد أكبر من أي وقت مضى منذ استولى جيش الاحتلال على المنطقة عام 1967.

وأكد المتحدث باسم اليونيسف في فلسطين، جوناثان كريكس، أنه "خلال العام الماضي، كان هناك زيادة مقلقة للغاية في عدد الأطفال الذين قتلوا في أعمال عنف مرتبطة بالصراع في الضفة الغربية، ونحن نرى بالفعل أن هذا الاتجاه مستمر.. تريد اليونيسف دق ناقوس الخطر، بأن الأطفال يُقتلون ويُصابون بجروح خطيرة بشكل منتظم، ومعظمهم بالذخيرة الحية".

يذكر أن الأمم المتحدة لا تحصي سوى الضحايا الأطفال الذين تم التحقق من أسمائهم وأعمارهم وسبب وفاتهم، بينما لم يتم توجيه اتهامات لأي جندي بشأن أي من عمليات إطلاق النار، ولم يتطرق جيش الاحتلال بشكل مباشر إلى زيادة عدد الضحايا من الأطفال عندما تم الاتصال به للتعليق من قبل الصحيفة البريطانية.

وزعم جيش الاحتلال في بيان أن الأطفال في الضفة الغربية المحتلة "غالبا ما يشاركون في أعمال شغب حيث يتم إلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف والمتفجرات، وحتى في الأنشطة الإرهابية ضد قوات الأمن والمواطنين الإسرائيليين".

وأضاف أنه عندما يستشهد فلسطيني، لا يفتح الجيش تحقيقا جنائيا إذا لم يكن هناك اشتباه واضح في ارتكاب الجنود لـ"مخالفات"، أو عندما كان الهدف يشارك في "نشاط له طبيعة قتالية واضحة".

وحولت حنين حوشية (37 عاما)، غرفة معيشتها الصغيرة إلى نوع من المزار المؤقت لابنها، محمد مراد أحمد حوشية، الذي خرج لممارسة كرة القدم قبل أسبوع من عيد ميلاده الثالث عشر في أواخر حزيران/ يونيو ولم يعد إلى المنزل أبدا.

وتوجد أحذية كرة القدم أسفل صورة مؤطرة ومكعب روبيك ونموذج طائرة فاز بها بأعلى الدرجات في الصف الثالث، ولم يسافر قط في طائرة حقيقية.

بجانبها، قفازات حارس المرمى متقاطعة بشكل أنيق فوق قميص ريال مدريد الثمين، ويظهر ذلك في مقاطع فيديو روتين اللياقة البدنية في حسابه على  منصة "تيك توك" حيث تتلاشى أحلامه المبهجة بالمجد على أرض الملعب في مرحلة ما بعد المراهقة.

وأُطلق النار على محمد بعد ظهر يوم 14 حزيران/ يونيو، على بعد حوالي 50 مترا من منزله على حافة مخيم للاجئين في جنوب شرقي رام الله.

كان في ملعب في الحي عندما اجتاح جنود إسرائيليون المنطقة، يطاردون رجلا صدم سيارة مسروقة بنقطة تفتيش وأصاب جنديا.

كانت حنين قد أخبرت ابنها بالعودة مباشرة إلى المنزل إذا رأى جنودا في الشارع، ويبدو أن محمد أصيب برصاصة أثناء محاولته العودة إلى والدته.

ويظهر مقطع فيديو يلتقط لحظات قبل وبعد الهجوم المميت وهو يندفع في شارع فارغ، والجنود في أحد طرفيه. تتحرك الكاميرا بعيدا قبل أن يصاب، ثم تتأرجح للخلف لتُظهره ملقى على الرصيف، ويكافح لفترة وجيزة للوقوف، ثم ينهار.

يظهر مقطع لاحق الطفل البالغ من العمر 12 عاما ينزف في منتصف الشارع الخالي. وقال شهود عيان إن القوات الإسرائيلية منعت المسعفين من الاقتراب لمدة 20 دقيقة.

يقول المستجيبون والناشطون إن رجال الإنقاذ يُمنعون بانتظام من الوصول إلى الأطفال الذين تطلق عليهم القوات الإسرائيلية النار لفترات طويلة من الزمن.

وزعم جيش الاحتلال أنه لم يمنع المسعفين من الوصول إلى الفلسطينيين المصابين لكنه حد من تحركاتهم أثناء العمليات العسكرية، "لضمان سلامة فرق الإنقاذ"، قائلا إن محمد البالغ من العمر 12 عاما شارك في "أعمال شغب عنيفة"، وفتح الجنود النار لتفريق الحشد، على الرغم من عدم ظهور أي شخص في مقطع الفيديو لإطلاق النار عليه.

وأضاف الجيش عن ذلك أن "ظروف القضية قيد التحقيق".

واستشهد محمد في المستشفى بعد ثمانية أيام من إطلاق النار، متأثرا بإصابات ناجمة عن جرح طلق ناري واحد في بطنه.

وقالت حنين: "لقد أمضينا 12 عاما في تربية طفلنا. كان قد بدأ للتو في النمو وأنهوا حياته".

وكانت الهجمات الإسرائيلية على الأطفال الفلسطينيين الذين نشأوا في الضفة الغربية المحتلة قد بلغت ذروتها في عام 2002، خلال الانتفاضة الثانية، عندما استشهد 85 طفلا، وفقا لبيانات منظمة حقوق الإنسان "بتسيلم".

وكانت وتيرة القتل في العام منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ضعف هذا المستوى، وأصيب الأغلبية بالذخيرة الحية، وغالبا برصاصة واحدة في الرأس أو الجذع، بينما قتل آخرون بمسيّرات وغارات جوية.

وقالت الأمم المتحدة إن طفلين إسرائيليين قُتلا في أعمال عنف مرتبطة بالصراع في المنطقة خلال تلك الفترة.

يريد والد محمد، مراد حوشية، محاكمة الجندي الذي أطلق النار على ابنه، لكنه لا يستطيع حتى المرور عبر نقاط التفتيش إلى "إسرائيل" لتقديم قضية.

قال: "ابني بريء. هذا قمع مطلق. تخيل لو كان الأمر على العكس. إذا سمعوا للتو أن شخصا ما يريد إيذاء أحد أطفالهم، فماذا سيفعلون؟".

ويعكس شعور مراد بأن القوات الإسرائيلية يمكنها قتل أطفال مثل ابنه في الضفة الغربية المحتلة مع الإفلات من العقاب تقريبا واقعا حيث تكون فيه التحقيقات غير عادية، والملاحقات القضائية استثنائية، وفقا لمنظمة الدفاع عن الأطفال الدولية – فلسطين (DCIP)، المنظمة الفلسطينية الوحيدة لحقوق الإنسان التي تركز بشكل خاص على حقوق الطفل.

قال عايد أبو قطيش، مدير المساءلة في منظمة الدفاع عن الأطفال الدولية - فلسطين: "القضية الأكثر أهمية هي الافتقار إلى المساءلة. في جميع الحالات تقريبا، لا تفتح إسرائيل تحقيقا، إلا عندما تكون هناك تغطية إعلامية".

وأضاف أبو قطيش "لكن حتى تلك التحقيقات لا تؤدي إلى شيء. فعلى مدى 10 سنوات، كانت هناك حالة واحدة فقط حيث حاسبت السلطات الإسرائيلية جنديا على قتل طفل".

وفي عام 2018، أُدين بن ديري بقتل الشاب نديم نوارة البالغ من العمر 17 عاما أثناء احتجاج عند حاجز بيتونيا. ووجدت المحكمة أنه لم يشكل أي تهديد للجنود في ذلك الوقت. وحُكم على ديري بالسجن تسعة أشهر ولكن أُطلق سراحه قبل شهرين من الموعد المحدد.

لقد أمضى وقتا أقل لقتل طفل فلسطيني من الوقت الذي يقضيه العديد من الأطفال الفلسطينيين لإلقاء الحجارة على جنود إسرائيليين.

وأكد التقرير أن "السعي لتحقيق العدالة في النظام الإسرائيلي للأطفال الفلسطينيين الذين يقتلهم الإسرائيليون أمر صعب للغاية لدرجة أن DCIP تركز الآن على العمل الكئيب المتمثل في توثيق الضحايا من الأطفال بدلا من ذلك".

وقال أبو قطيش: "تم إنشاء المنظمة للدفاع عن الأطفال داخل النظام القانوني الإسرائيلي وفي مرحلة ما توصلنا إلى استنتاج مفاده أنه من المستحيل تحقيق العدالة من خلال نظام العدالة العسكرية، لذلك بدأنا في جمع الأدلة".

ويعد موقعهم على الإنترنت كتالوجا للحياة التي انتهت مبكرا، مع حالات منشورة مدعومة بأدلة بما في ذلك السجلات الطبية وتقارير الشهود وشهادات الوفاة.

ويمكن لسلام زهران الوقوف بجانب نباتات الياسمين على شرفتها والتطلع إلى المدرسة التي درس فيها ابنها غسان، وخلفها إلى الطريق الذي وقف عليه الجنود الإسرائيليون عندما أطلقوا النار على الصبي البالغ من العمر 14 عاما، وفي المسافة البعيدة إلى أبراج تل أبيب المتلألئة في الشمس على حافة البحر الأبيض المتوسط.

وفي مكان ما بين تلك الأبراج يقع مقر جيش الاحتلال، الذي يراه الفلسطينيون هنا ولكنه بعيد وغير قابل للمساءلة مثل السراب.

لم تحاول سلام حتى تقديم تقرير للشرطة عن الرجال الذين أطلقوا النار على ثلاثة صبية يلعبون بين أشجار التين واللوز على مشارف القرية في التاسع من تموز/ يوليو.

وقالت: "من المستحيل تقديم شكاوى ضد هذا النوع من النظام. لن يكون هناك أي عدالة لنا. لم يسمح الجنود حتى لأحد بالمجيء لإنقاذه".

ورأى أحد سكان القرية الجنود يطلقون النار على الصبية الثلاثة وهرع لمساعدتهم. تم احتجازه لمدة 10 دقائق.

وقال الرجل الذي طلب عدم ذكر اسمه: "في كل مرة حاولت فيها الاقتراب من الصبي، كان الجيش يطلق النار في الهواء. في كل خطوة نخطوها، كانوا يطلقون النار. لا أعتقد أنهم أرادوا إطلاق النار علينا، ولكن من المؤكد أنهم لم يريدوا منا إنقاذ الصبي".

وكان المراهق على قيد الحياة عندما وصل إليه الرجل في النهاية لكنه فقد وعيه بعد ذلك بوقت قصير.

واعترف جيش الاحتلال بإطلاق النار على الفتى البالغ من العمر 14 عاما، والذي وصفه المتحدث باسمه بأنه "إرهابي ملثم (قام) بإلقاء الحجارة على المركبات الإسرائيلية". وقال الرجل الذي قدم الإسعافات الأولية لغسان إنه لم ير قناعا.

وقال الجيش في بيان: "رد جندي موجود في مكان الحادث بإطلاق النار على الإرهابيين، ما أدى إلى إصابة أحدهم. إن الادعاء بأن الإرهابي توفي متأثرا بجراحه معترف به".

في صباحه الأخير، استيقظ غسان مبكرا، وأعد القهوة لأمه وساعدها في الغسيل قبل أن تتوجه إلى العمل في رام الله.

وأصبحت الحياة أكثر صعوبة في قريتهم دير أبو مشعل منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كما هي الحال في معظم أنحاء الضفة الغربية، حيث تم إغلاق الطريق الرئيسي من قبل القوات الإسرائيلية، لذا فإن الدخول أو الخروج يتطلب 20 دقيقة من القيادة على مسار ترابي عبر بساتين الزيتون.

وكانت سلام تفكر في الانتقال إلى مكان أقرب إلى عملها لتقصير التنقل اليومي، لكنها اعتقدت بأن المشكلة الرئيسية للعائلة كانت اللوجستيات، وليس الأمن، حيث لا تقع القرية النائمة بالقرب من مستوطنة إسرائيلية ولم تكن قط نقطة اشتعال للاشتباكات.

وقالت سلام: "اعتقدت أننا في أمان. حاولت إبعاد أطفالي عن كل العنف والمعاناة، لكن الأمر وصل إلينا".