نشرت
صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحفية فرناز فصيحي، تناولت فيه سياسة
إيران المستقبلية في ظل المتغيرات الأخيرة.
وقالت فصيحي؛ إن إيران أرسلت مسؤولا رفيع المستوى إلى بيروت في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر لحث
حزب الله على قبول وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه تقريبا، التقى سفير إيران لدى الأمم المتحدة بإيلون ماسك، في محاولة للتقارب مع الدائرة الداخلية للرئيس المنتخب دونالد ترامب. وفي يوم الجمعة، ستعقد محادثات في جنيف مع الدول الأوروبية حول مجموعة من القضايا، بما في ذلك برنامجها النووي.
وذكرت كاتبة التقرير أن كل هذه الدبلوماسية الأخيرة، تمثل تغييرا حادا في اللهجة منذ أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، عندما كانت إيران تستعد لشن هجوم انتقامي كبير على إسرائيل، حيث حذر نائب قائد الحرس الثوري الإسلامي، "لم نترك عدوانا دون رد في 40 عاما".
وأضاف التقرير، أن التحول الإيراني من الكلام القاسي إلى نبرة أكثر تصالحية في غضون أسابيع قليلة، له جذوره في التطورات في الداخل والخارج.
وقال خمسة مسؤولين إيرانيين، أحدهم عضو في الحرس الثوري، ومسؤولان سابقان؛ إن قرار إعادة ضبط السياسة كان مدفوعا بفوز ترامب في انتخابات 5 تشرين الثاني/ نوفمبر، مع مخاوف بشأن زعيم لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، سعى في ولايته الأولى إلى سياسة "الضغط الأقصى" على إيران.
وبين التقرير أن القرار كان مدفوعا أيضا بضرب إسرائيل لحزب الله في
لبنان - أقرب وأهم حلفاء إيران المتشددين - والأزمات الاقتصادية في الداخل، حيث انخفضت العملة بشكل مطرد مقابل الدولار، ويلوح نقص الطاقة في الأفق مع اقتراب الشتاء.
وقال المسؤولون الإيرانيون الحاليون المطلعون على التخطيط؛ إن هذه التحديات مجتمعة أجبرت إيران على إعادة ضبط نهجها، إلى نهج نزع فتيل التوترات. واشترط المسؤولون عدم الكشف عن هويتهم؛ لأنهم غير مخولين بالتحدث علنا، مما قد يعرضهم للخطر.
وأضاف المسؤولون، أن إيران علقت خططها لضرب إسرائيل بعد انتخاب ترامب؛ لأنها لا تريد تفاقم التوترات مع الإدارة القادمة، التي كانت بالفعل تصطف مع مرشحين للوزراء معادين لإيران وداعمين قويين لإسرائيل، ومع ذلك، قال المسؤولون؛ إن خطط ترامب المعلنة لإنهاء الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا نالت استحسان إيران، وفقا للصحيفة.
وقبل إجراء الانتخابات الأمريكية، أرسلت إيران رسالة إلى إدارة بايدن، مفادها أنها على عكس ادعاءات بعض مسؤولي الاستخبارات الأمريكية، لا تخطط لاغتيال ترامب.
من جانبه قال وزير الخارجية عباس عراقجي يوم الأربعاء؛ إن إيران ترحب بالهدنة بين حزب الله وإسرائيل، مضيفا أن "طهران تحتفظ بحقها في الرد على الضربات الجوية الإسرائيلية على إيران الشهر الماضي، لكنها ستأخذ في الاعتبار التطورات الإقليمية مثل وقف إطلاق النار في لبنان".
وفق رأي سنام وكيل، مديرة قسم الشرق الأوسط في تشاتام هاوس، وهي مجموعة بحثية بريطانية، يبدو من الواضح أن إيران تستجيب للتغيرات القادمة في واشنطن، فضلا عن المشهد الجيوسياسي المحلي والإقليمي المتغير الذي تواجهه الآن.
وقالت وكيل: "لقد جاء كل شيء معا، والتحول في اللهجة يتعلق بحماية مصالح إيران".
وأشار التقرير إلى أن النظام الإيراني الغامض، والحكم المليء بالتنافسات الفئوية، يمكن أن يؤدي في بعض الأحيان إلى رسائل مختلطة للجمهور الخارجي واختلافات داخلية حادة، على الرغم من أن المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، لديه دائما الكلمة الأخيرة.
وتوفي الرئيس إبراهيم رئيسي هذا العام وانتخب المعتدل مسعود بيزيشكيان في تموز/ يوليو ليحل محله، بتفويض لإحداث بعض الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والتعامل مع الغرب. يتمتع بيزيشكيان بقدر كبير من السلطة على السياسة الداخلية وبعض النفوذ في الشؤون الخارجية.
وبعد أيام قليلة من الانتخابات الأمريكية، التقى سفير إيران لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرفاني، بماسك، رجل الأعمال الملياردير الذي يحظى باهتمام ترامب، في مقر إقامة السفير في نيويورك لمناقشة تخفيف التوترات مع إدارة ترامب القادمة. ووصف مسؤولان إيرانيان الاجتماع بأنه واعد. وفي إيران، ابتهجت الفصائل الإصلاحية والوسطية بهذه الأخبار.
ووفقا للصحيفة؛ فإن المحافظين انتقدوا السفير ووصفوه بالخائن، في إشارة إلى نوع الصراع الداخلي الذي تواجهه الحكومة بشأن التعامل مع أي شخص في فلك ترامب، الذي خرج من الاتفاق النووي مع إيران في عام 2018، وفرض عقوبات صارمة على البلاد، وأمر بقتل الجنرال البارز قاسم سليماني في عام 2020.
وفي مواجهة ردود الفعل العنيفة بشأن الاجتماع مع ماسك، أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية نفيا بعد ثلاثة أيام من حدوثه. وفي الأسبوع الماضي، بعد أن انتقدت وكالة تابعة للأمم المتحدة إيران لمنعها المراقبة الدولية لبرنامجها النووي، ردت طهران بتحدّ قائلة إنها تعمل على تسريع البرنامج، بينما أصرت أيضا على أنها "مستعدة للمشاركة المثمرة".
وقال العديد من كبار المسؤولين الإيرانيين علنا؛ إن إيران منفتحة على المفاوضات مع إدارة ترامب لحل القضايا النووية والإقليمية. وهذا في حد ذاته تحول عن موقف إيران خلال إدارة ترامب الأولى، بأنها لن تتفاوض مع واشنطن، وأن سياساتها الإقليمية وتطوير الأسلحة هي عملها الخاص تماما.
وقال سيد حسين موسويان، الدبلوماسي الإيراني السابق والمفاوض النووي الذي يعمل الآن باحثا في شؤون الشرق الأوسط والنووي في جامعة برينستون، في إشارة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي: "تطبق إيران الآن ضبط النفس؛ لإعطاء ترامب فرصة لمعرفة ما إذا كان بإمكانه إنهاء حرب غزة واحتواء نتنياهو. إذا حدث هذا، فسوف يفتح الطريق أمام مفاوضات أكثر شمولا بين طهران وواشنطن".
وأوضح التقرير، أنه "لمدة تزيد عن 13 شهرا بعد هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 على إسرائيل، أصرت إيران والقوات المتحالفة معها في لبنان وسوريا واليمن والعراق، على أنها لن توقف الهجمات على إسرائيل طالما كانت إسرائيل في حالة حرب في غزة".
وأشارت إلى أن الخسائر المدمرة التي تكبدها حزب الله كانت تقلق إيران، التي تمارس نفوذا كبيرا على الجماعة اللبنانية. كما أفادت وسائل الإعلام الإيرانية بارتفاع الاستياء بين أكثر من مليون نازح شيعي لبناني، الذين نظروا إلى إيران باعتبارها حاميتهم وراعيتهم.
وفي تقييم غير عادي وجريء، قال مهدي أفرا، المدير المحافظ لمركز أبحاث في جامعة باقر العلوم، وهي مؤسسة إسلامية؛ إن إيران قللت من تقدير القوة العسكرية لإسرائيل، وأن الحرب مع إسرائيل ليست "لعبة على بلاي ستيشن".
وقال خلال حلقة نقاشية في الجامعة: "اتصل بنا أصدقاؤنا من سوريا وقالوا؛ إن اللاجئين الشيعة اللبنانيين الذين يدعمون حزب الله يشتموننا من أعلى إلى أسفل، أولا إيران، ثم الآخرون. نحن نتعامل مع الحرب على أنها مزحة".
وأرسل خامنئي، الذي أظهر درجة من البراغماتية عندما بدا بقاء النظام الإيراني في خطر، مستشارا كبيرا، علي لاريجاني، وهو سياسي وسطي مخضرم، إلى بيروت في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر.
ونقل لاريجاني رسالة من آية الله إلى قادة حزب الله، وفقا لمسؤولين إيرانيين: لقد حان الوقت لقبول وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، وستساعد إيران حزب الله في إعادة البناء وإعادة التسليح، بحسب التقرير.
وبعد أقل من 48 ساعة، أعلن لبنان عن اختراق في المفاوضات: حيث وافق حزب الله على إبقاء قواته بعيدا عن الحدود الإسرائيلية، وهو الشرط الذي رفضه في السابق باعتباره غير مقبول.
وفي الوقت نفسه، واجه المسؤولون الإيرانيون أزمات متصاعدة في الاقتصاد والطاقة. وأعلنت الحكومة عن انقطاع التيار الكهربائي لمدة ساعتين يوميا، مما أثار غضب الرأي العام واتهامات من المنتقدين بأن صراعاتها الإقليمية مكلفة للغاية بالنسبة للإيرانيين العاديين.
وقال الرئيس بيزشكيان، الذي وعد بالانخراط مع العالم لرفع العقوبات وتحسين الاقتصاد، في اجتماع مع مسؤولين في قطاع الطاقة الأسبوع الماضي؛ إنه يحتاج إلى "إخبار الجمهور بصراحة عن وضع الطاقة". وقال؛ إن البنية الأساسية للطاقة في إيران لا تستطيع تلبية احتياجاتها من الطاقة.
وأضافت طهران، أنها سترسل الدبلوماسي المخضرم والمفاوض النووي السابق ماجد تخت رافانجي للقاء يوم الجمعة مع مسؤولين من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهي الدول التي رعت، إلى جانب الولايات المتحدة، الانتقادات الموجهة إلى البرنامج النووي الإيراني.
وفي مقابلة هاتفية من طهران، قال ناصر إيماني، وهو محلل مقرب من الحكومة: "لا شك أن هناك رغبة حقيقية بين كبار المسؤولين والمواطنين العاديين في إيران في إنهاء التوترات مع الغرب والتوصل إلى اتفاق. ولا يُنظَر إلى التعاون مع الغرب باعتباره هزيمة، بل يُنظَر إليه باعتباره دبلوماسية معاملاتية، ويمكن القيام بذلك من موقع قوة".