تستمر الأزمة
السورية في التحول إلى واحدة من أكثر الأزمات تعقيدًا في منطقة الشرق الأوسط، حيث
تشهد تدخلات دولية وإقليمية متعددة تؤثر بشكل كبير على مسار الحرب، فبعد أكثر من عشر سنوات من النزاع، لا يزال
الوضع الميداني يتغير بشكل مستمر، مع بروز لاعبين جدد على الساحة السياسية
والعسكرية.
وشهدت الساحة
السورية تحركات كبيرة من قبل قوات
المعارضة السورية التي أظهرت قدرة على تحقيق
تقدم ملحوظ في بعض المناطق، في الأيام الأخيرة، تمكّن مقاتلو المعارضة من شن هجوم
مفاجئ على مدينة حلب والسيطرة عليها، التي كانت واحدة من أكبر معاقل النظام
السوري.
ويعد هذا الهجوم
هو الأوسع منذ 2016 وعلى الرغم
من قوة دعم النظام من قبل روسيا وإيران، إلا أن هذه المرة يبدو أن قوات النظام لم
تكن قادرة على الصمود أمام الهجوم المفاجئ، بل هناك تقارير تشير إلى تراجع سريع
لقوات النظام من بعض المواقع الاستراتيجية، وهو ما أتاح للمقاتلين المعارضة التقدم
في المناطق المحيطة بالمدينة.
تشتت حلفاء
النظام السوري
وتزامن هذا
الهجوم مع حالة من التشتت في صفوف حلفاء النظام، بما في ذلك جماعات مدعومة من
إيران مثل حزب الله اللبناني، التي كانت مشغولة في صراعات أخرى على جبهات مختلفة
في ظل حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة، كما تأتي هذه التطورات في وقت تركز روسيا
على حربها مع أوكرانيا
وشهدت العلاقات
بين
النظام السوري وداعميه، وخاصة روسيا وإيران، تطورات ملحوظة، مع تحركات
دبلوماسية جديدة من بعض الدول العربية مثل الإمارات والسعودية التي تسعى لتقريب
وجهات النظر بين النظام السوري والدول العربية.
من جهة أخرى، لا
يزال التواجد الأمريكي والتركي على الساحة ومستمرًا، خاصة في شمال وشرق سوريا، حيث
تدعم الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية لمكافحة الإرهاب، بينما تواصل
تركيا
جهودها ضد الأكراد وتنظيمات أخرى، وسط هذا التداخل، تظل القوى الكبرى تسعى للتأثير
في موازين الحرب لتأمين مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، في ظل هذه التحولات تثير
تساؤلات حول مستقبل النزاع السوري القوي التي تستطيع تغير المعادلة.
الداعمون
الرئيسيون للنظام السوري
تعد
روسيا من
أكبر الداعمين لنظام بشار الأسد، حيث تقدم له دعمًا عسكريًا مباشرًا يتمثل في
القصف الجوي ووجود عسكري ثابت في سوريا، عبر قواعدها العسكرية مثل قاعدة
"حميميم" الجوية و"طرطوس" البحرية.
ويعكس هذا
الوجود العسكري رغبة موسكو في تعزيز نفوذها في المنطقة، وهو جزء من استراتيجيتها
الجيوسياسية، وتعمل روسيا أيضًا على تشكيل حلول سياسية مع الأطراف الدولية الأخرى،
بما في ذلك تركيا، في محاولة لتحقيق تسوية توائم مصالحها، ويتجاوز دعمها للنظام
الجانب العسكري، إذ تعمل موسكو على الحفاظ على وجود سياسي للأسد في محافل الأمم
المتحدة ومنظمات أخرى.
إيران
وتقدم إيران
دعماً شاملاً للنظام السوري عبر توفير الأسلحة والتمويل. التواجد الإيراني في
سوريا يتمثل في دعم الميليشيات الشيعية المرتبطة بها، مثل "حزب الله"
اللبناني و"لواء فاطميون" الأفغاني.
وتعتبر إيران
سوريا حليفًا استراتيجيًا في إطار سياساتها الإقليمية الرامية لتعزيز نفوذها في
المنطقة، وهذا الدعم العسكري واللوجستي يمكن أن يغير معادلة القوى في المنطقة،
ويُعزز من قدرة النظام السوري على مواجهة المعارضة، كما تسعي إيران أيضًا لتحقيق
أهدافها الخاصة بإنشاء "الهلال الشيعي" الذي يمتد من طهران إلى بيروت.
وبمجرد إعلان
المعارضة السورية التوسع والسيطرة على مناطق سيطرة النظام قام وزير الخارجية
الإيراني عباس عراقجي، بزيارة دمشق والتقي برئيس النظام السوري بشار الأسد لمناقشة
"العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية".
وتحدث عراقجي
حول أهداف زيارته إلى دمشق، قائلا: سنذهب إلى دمشق لنؤكد أن الشعب الإيراني لن
ينسى أصدقاء الأوقات الصعبة، والجمهورية الإسلامية ترفض أي تغيير في الحدود،
والتدخل والاحتلال الأجنبي، وانتشار الإرهاب، واستخدام العنف ضد الحكومات الوطنية
والعدوان على الشعوب".
العراق
والميليشيات الشيعية
ويلعب العراق
دورًا داعمًا في تأمين الخطوط اللوجستية بين إيران وسوريا عبر الميليشيات الشيعية،
وهذه الميليشيات، التي تشارك في القتال إلى جانب قوات النظام السوري، تسهم بشكل
كبير في تعزيز قدرة النظام على السيطرة على بعض المناطق، وخاصة في جنوب سوريا، قرب
الحدود مع إسرائيل والأردن.
وهذا التعاون
بين إيران والعراق وسوريا يشكل جزءًا من استراتيجية إقليمية أوسع تهدف إلى توسيع
دائرة النفوذ الشيعي في المنطقة.
وكانت وكالة
رويترز، قد نقلت عن مصادر سورية وعراقية أن مئات المقاتلين التابعين لفصائل عراقية
مدعومة من إيران عبروا إلى سوريا الليلة الماضية لدعم الحكومة في مواجهة جماعات
معارضة سيطرت على حلب الأسبوع الماضي.
وقال مصدران
أمنيان عراقيان إن ما لا يقل عن 300 مسلح، معظمهم من منظمة بدر وحركة النجباء،
عبروا مساء الأحد من طريق ترابي لتجنب المعبر الحدودي الرسمي، فيما دعت كتائب حزب
الله في العراق، مساء الاثنين، الحكومة العراقية إلى إرسال قوات عسكرية رسمية إلى
سوريا.
الإمارات
تبنت الإمارات
مؤخرًا سياسة تطبيع مع النظام السوري، حيث ساهمت في عودة سوريا إلى جامعة الدول
العربية بعد سنوات من العزلة، وتأمل الإمارات أن يكون هذا التطبيع جزءًا من
استقرار المنطقة، وتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية في سوريا.
وعادت الإمارات،للتقارب مع النظام السوري ضمن سياسة تهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي، وكبح النفوذ الإيراني، وتعزيز حضورها الاقتصادي في سوريا بعد الحرب، وتمثل إعادة العلاقات الدبلوماسية، وفتح السفارات، واستئناف التعاون الاقتصادي مؤشرات رئيسية لهذا الاتجاه، وتسعي الإمارات لدعم النظام كجزء من رؤيتها لإعادة تشكيل النظام الإقليمي بعد عقد من الاضطرابات
ومع بداية
التصعيد في سوريا تلقى رئيس النظام السوري بشار الأسد اتصالا هاتفيا من نظيره
الإماراتي محمد بن زايد وقالت الرئاسة في بيان، إن "الأسد شدد خلال الاتصال
على أن سورية مستمرة في الدفاع عن استقرارها ووحدة أراضيها في وجه كل الإرهابيين
وداعميهم، وهي قادرة وبمساعدة حلفائها وأصدقائها على دحرهم والقضاء عليهم مهما
اشتدت هجماتهم الإرهابية".
وتابعت أن
"الشيخ محمد بن زايد أكد خلال الاتصال وقوف بلاده مع الدولة السورية ودعمها
في محاربة الإرهاب وبسط سيادتها ووحدة أراضيها واستقرارها".
الداعمون
الرئيسيون للمعارضة السورية
كانت
الولايات
المتحدة من أوائل الدول التي دعمت المعارضة السورية، خصوصًا من خلال دعم قوات
سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال سوريا.
واستمر الدعم
الأمريكي للمعارضة في شكل مساعدات عسكرية ولوجستية، وخصوصًا ضد تنظيم
"داعش"، بينما يقتصر دعمها على الميليشيات الكردية في الغالب، إلا أن
الولايات المتحدة لا تزال تشن ضربات جوية ضد الميليشيات الإيرانية المرتبطة بنظام
الأسد، وتركز السياسة الأمريكية بشكل رئيسي على تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة.
تركيا
تدعم تركيا بشكل
رئيسي المعارضة السورية، وتعمل على توجيه دعمها نحو فصائل الجيش السوري الحر التي
تقاتل في الشمال السوري، وتعتبر تركيا الأكراد، وخاصة وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)،
تهديدًا لأمنها القومي، وتستهدفها بشكل مستمر في عملياتها العسكرية عبر الحدود.
وإلى جانب ذلك،
تركيا تسعى لتوحيد المعارضة في محاولة لتحقيق تسوية سياسية في المستقبل، مع الحفاظ
على مصالحها الأمنية والاقتصادية.
الدول الأوروبية
دعمت بعض الدول
الأوروبية، مثل فرنسا والمملكة المتحدة، السورية في مجالات مختلفة، بما في ذلك
تقديم المساعدات الإنسانية، إضافة إلى دعم بعض المجموعات السياسية المسلحة ضد
النظام السوري. كما تعارض هذه الدول تعزيز النفوذ الإيراني في سوريا.
وكانت حكومات
الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، قد أصدرت بيانا مشتركا دعت
خلاله الدول الأربع إلى "خفض التصعيد" في سوريا، في وقت تشهد فيه مناطق
حلب وإدلب هجمات عنيفة تهدد الوضع الأمني والإنساني.
وبحسب البيان
الذي نشره مكتب المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية في 29 تشرين الثاني/
نوفمبر 2024، شدد على ضرورة حماية المدنيين والبنية التحتية من التصعيد العسكري
المستمر، ودعا إلى الحد من النزوح وتعطيل وصول المساعدات الإنسانية.
ودعا البيان
الذي أصدرته الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بشكل واضح إلى "خفض
التصعيد" في سوريا، محذرًا من أن التصعيد الحالي يعزز الحاجة الملحة إلى حل
سياسي للصراع.
الداعمون الجدد
الذين دخلوا المعادلة
دول الخليج
العربي
تغيرت مواقف بعض الدول الخليجية، مثل الإمارات
والسعودية، من المعارضة للنظام السوري إلى محاولة تطبيع العلاقات مع دمشق، وهذا
التطور يعكس رغبة هذه الدول في تقليل تأثير إيران في المنطقة، والعمل على استقرار
الوضع في سوريا من خلال الضغط على الأسد للقبول بحل سياسي، ويُظهر هذا التحول
الدبلوماسي أن هذه الدول تسعى لإعادة سوريا إلى محيطها العربي بعد سنوات من العزلة.
من يستطيع تغيير
معادلة الحرب؟
روسيا وتركيا
تمثل العلاقة
بين روسيا وتركيا في سوريا محورية في تحديد مصير الصراع، التقارب بين البلدين في
الآونة الأخيرة، رغم التباين في مواقفهما، قد يؤدي إلى تحولات هامة على الساحة
السورية، روسيا، عبر تأثيرها على النظام السوري، وتركيا، عبر دعمها للمعارضة، يمكن
أن تقودا جهودًا لتسوية النزاع في حال توصلا إلى اتفاق بينهما.
إيران
لا شك أن الدور
الإيراني في سوريا له تأثير كبير، وإذا قررت إيران زيادة تواجدها العسكري أو إذا
شنت عمليات عسكرية أوسع ضد معاقل المعارضة، يمكن أن تغيّر هذه الخطوة ميزان القوى
على الأرض لصالح النظام السوري.
الولايات
المتحدة
سياسة الولايات
المتحدة في سوريا تظل عنصرًا حاسمًا في تحديد موازين القوى. إذا قررت واشنطن تغيير
استراتيجيتها العسكرية أو تعزيز دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، فإن ذلك قد يؤثر
بشكل كبير على الوضع العسكري في شمال وشرق سوريا.
توازنات معقدة
تعكش العلاقات
بين الإمارات وتركيا في سياق دعم الأطراف المتنازعة في سوريا، توازنًا معقدًا بين
التنافس والتعاون، مدفوعًا بمصالح جيوسياسية واقتصادية.
بينما تدعم
الإمارات النظام السوري برئاسة بشار الأسد، تقدم تركيا دعمها للمعارضة السورية،
بما في ذلك فصائل مدعومة في شمال سوريا.
تقاطع المصالح
الإماراتية-التركية
رغم تناقض
المواقف، بدأت الإمارات وتركيا منذ عام 2021 في تحسين العلاقات الثنائية. هذا
التقارب قد يؤثر على مواقفهما في سوريا. فالبلدان يدركان أهمية استقرار المنطقة
لتمكين استثماراتهما الاقتصادية، وقد يؤدي هذا إلى تقليل حدّة التنافس المباشر
بينهما في الساحة السورية.
السيناريوهات
المحتملة
تحول نحو
التفاهم التدريجي: قد تتفق الإمارات وتركيا على دعم حل سياسي في سوريا مع تنازلات
متبادلة تضمن مصالح كل منهما، مع تقاسم النفوذ في المناطق الشمالية والجنوبية.
تجمد المواقف:
قد تستمر الدولتان في دعم الأطراف المتصارعة، لكن دون تصعيد التوترات الثنائية، مع
تركيزهما على قضايا أكثر إلحاحًا مثل التطبيع الإقليمي والتعاون الاقتصادي.
صراع غير مباشر:
في حالة تصاعد الخلافات حول قضايا أخرى مثل ليبيا أو شرق المتوسط، قد ينعكس ذلك
على الساحة السورية، مما يزيد من دعم كل دولة لحلفائها المحليين.