ملفات وتقارير

من السجن بالعراق إلى القيادة في الشمال السوري.. محطات مهمة في حياة الجولاني

الجولاني حول هيئة تحرير الشام إلى قوة منضبطة بشكل غير مسبوق -إكس
أصبح أبو محمد الجولاني الذي يتزعم "هيئة تحرير الشام"، شخصية محورية في المشهد السوري المعقد بعد تصدر اسمه خلال الأيام الأخيرة إثر الهجوم المباغت الذي نفذته فصائل المعارضة السورية ضد النظام.

أصبح الجولاني، الذي بدأ مسيرته في الجهاد في العراق، رمزا للانفصال عن الأجندات الجهادية العابرة للحدود، كما تحول إلى لاعب سياسي يسعى لفرض رؤيته الخاصة بسوريا.

وبدلا من أن يكون مجرد قائد لفرع تابع لتنظيم القاعدة، أصبح هو وقادة الهيئة يركزون على القضايا المحلية، ويناضلون من أجل حماية "سوريا المستقبلية" بعيدا عن التدخلات الخارجية.

عام 2003، كان أبو محمد الجولاني أحد المجندين الذين انضموا إلى الجهاد ضد الغزو الأمريكي للعراق، وركب حافلة متجهة إلى بغداد ليشارك في معركة تصد للغزو الأمريكي.

وبعد سنوات من التجارب العسكرية والسياسية، وخاصة في السجون الأمريكية، عاد الجولاني إلى سوريا في عام 2011 ليصبح أحد أبرز القادة العسكريين في الحرب السورية. اليوم، يشهد العالم تحولا دراماتيكيا في مسار هذا الرجل الذي يقود هيئة تحرير الشام، التي فرضت نفسها كقوة محورية في الشمال السوري.

وأبرز تقرير نشر في صحيفة "وول ستريت جورنال"، التحول الذي حدث في شخصية الجولاني إذ يمثل واحدا من أكثر التحولات إثارة في تاريخ الحروب في الشرق الأوسط.

وبعد أن كان تابعا لتنظيم القاعدة، أصبح قائدا يختلف تمامًا في أيديولوجيته عن الجماعات الجهادية الأخرى. ورغم أن الكثيرين لا يزالون يعتقدون أن الجولاني شخصية متطرفة، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تحولًا في استراتيجياته وأفكاره، خصوصًا عندما انفصل عن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في عام 2012 وقطع علاقاته مع تنظيم القاعدة في عام 2016. هذا الانفصال سمح له بتكوين هيئة تحرير الشام، وهي جماعة مختلفة تماما عن التنظيمات الأخرى التي تعتمد على الجهاد العالمي والتوسع عبر الحدود.

وأحد الجوانب الأكثر إثارة في صعود الجولاني هو الطريقة التي حول بها هيئة تحرير الشام إلى قوة منضبطة بشكل غير مسبوق، فهو لم يقتصر على محاربة النظام السوري فقط، بل قام بتوجيه الهيئة لتصبح حركة تدير مناطق بأيدٍ سورية، وليس مجرد ذراع جهادية عالمية.

ويحاول الجولاني أن يظهر كقائد يسعى لبناء دولة على أسس سياسية قوية، بعيدًا عن الإرهاب والتشدد الديني، بل يروج لأيديولوجية تركز على قضية سوريا بشكل خاص.



في حديثه عن هذا التغيير، يصف الجولاني هيئة تحرير الشام بأنها لا تمتلك أهدافًا خارجية أو عابرة للحدود كما كانت الحال مع التنظيمات الجهادية في السابق. كان هدفه الرئيسي هو التركيز على سورية فقط، والعمل على إرساء حكم محلي يختلف تمامًا عن الحكومات الجهادية التي تم تأسيسها في أماكن أخرى مثل أفغانستان أو العراق.

وتجلى هذا التوجه في مجموعة من القرارات، أبرزها تبني العلم السوري السابق، وهو العلم الذي كان سائدًا في فترة ما قبل حكم البعث. هذا التحول يُعد بمثابة رسالة إلى السوريين والعالم بأن الهيئة لم تعد تسعى لإقامة دولة إسلامية بالشكل الذي كان يروج له تنظيم الدولة الإسلامية.

على الرغم من ذلك، يظل الجولاني شخصية غامضة، فالتحول الذي مر به من القائد الجهادي إلى شخصية سياسية يخفي وراءه نوايا غامضة، لا أحد يمكنه التأكد مما إذا كانت تلك التحولات حقيقية أم أنها مجرد تكتيك سياسي للظهور بمظهر المعتدل أمام القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة، التي ما زالت تصنف هيئة تحرير الشام على أنها منظمة إرهابية.

وفي هذا السياق، يرى الكثير من الخبراء أن الجولاني قد يكون قد أظهر نوعا من التقية، وهو مصطلح يستخدم للإشارة إلى التكتيكات التي يتبعها بعض القادة في إخفاء نواياهم الحقيقية في فترات معينة من الزمن.



ورغم التعديلات الظاهرة في سلوكه، مثل رفض تطبيق بعض القيود الدينية القاسية على السكان، إلا أن هيئة تحرير الشام لا تزال تُتهم بممارسات قمعية ضد المعارضين السياسيين والنشطاء. فالاتهامات بتعذيب المعتقلين والقبض على الصحفيين المنتقدين لا تزال تلاحق الهيئة، رغم أن الجولاني ينفي تلك الادعاءات.

ومن جهة أخرى، يعد وجود مقاتلين أجانب ضمن صفوف الهيئة – منهم الشيشانيون والأويغور – مسألة مثيرة للقلق على الساحة الدولية، نظرًا للروابط المحتملة التي قد تشكلها هذه الجماعات مع جماعات أخرى في مناطق مختلفة من العالم.

وفيما يتعلق بتصريحات الجولاني حول الأقليات، يمكن القول إنه حتى مع تأكيداته بحماية المسيحيين والشيعة في المناطق التي يسيطر عليها، يظل الكثيرون في تلك المناطق حذرين من نواياه الحقيقية. ففي حلب، التي شهدت السيطرة عليها من قبل هيئة تحرير الشام، كان هناك تقارير تشير إلى أن الجولاني أعطى تعليمات للمقاتلين بعدم التعرض للمواطنين المسيحيين، بل والسماح لهم بالاحتفال بعيد الميلاد.



لكن على الرغم من هذه التصريحات، فإن الواقع على الأرض قد يختلف عن تلك الوعود، حيث لا يمكن ضمان عدم وجود انتهاكات من بعض الأفراد داخل الهيئة.

وبالنظر إلى تطور الأحداث في سوريا، فإن الجولاني يبدو كأحد الأسماء التي قد تشكل تحديًا حقيقيًا للأسد وحلفائه، خاصة مع الصراع الطويل المستمر في البلاد. سعيه لبناء دولة مستمرة في الصمود رغم الضغوط الدولية، بالإضافة إلى قدرته على إدارة المناطق التي يسيطر عليها بقبضة من حديد، قد يجعله أحد أبرز اللاعبين في المعادلة السورية في المستقبل.