ملفات وتقارير

"اتحاد العرجاني" يطلق حزبا ينافس "مستقبل وطن".. هل يبدل السيسي ذراعه السياسي؟

يزداد نفوذ العرجاني المقرب من السيسي في الواقع المصري- يوتيوب
في مفاجأة كبيرة، ظهر في الشارع السياسي المصري حزبان أحدهما تابع للسلطات المصرية، ويطل من واجهته رئيس "اتحاد قبائل سيناء"، و"اتحاد القبائل المصرية والعربية"، لرجل الأعمال إبراهيم العرجاني المقرب من رأس النظام عبدالفتاح السيسي، فيما يقول الحزب الثاني إنه ليبرالي مناهض للإسلاميين، لكنه أيضا قريب من السلطات الحاكمة.

مصر التي تواجه منذ عام 2013، غلقا للمجال العام وتضييقا على عمل السياسيين والجمعيات الأهلية والأحزاب وتفريغا لها من أدوارها السياسية والمجتمعية وتعاملا أمنيا مع سياسييها وفق رصد حقوقي، بها نحو 120 حزبا بعضهم تحت التأسيس ينتظر قرار لجنة شؤون الأحزاب باعتماده رسميا، لكنه ووفق موقع الهيئة العامة للاستعلامات هناك نحو 87 حزبا مقننا.

"حزب العرجاني"
الثلاثاء الماضي، وبأحد فنادق شرق القاهرة ظهر الحزب الأول ليحمل اسم "اتحاد مصر الوطني"، مع تشكيل مجلس رئاسي له من 5 شخصيات سياسية، إلى جانب وزراء ومحافظين سابقين وبرلمانيين حاليين وشخصيات عامة، فيما يعيد للواجهة مجددا رئيس مجلس النواب المصري السابق المختفي عن الواجهة لنحو 4 سنوات علي عبد العال.

"اتحاد مصر الوطني"، الذي يأتي على غرار اسم الاتحاد المثير للجدل الذي يقوده العرجاني، والذي لم تتضح بعد أدواره في التشكيل الحزبي الجديد، يضم إلى جانبه 4 وزراء سابقين للإسكان، والزراعة، والتضامن، والتنمية المحلية، خرج منهم 3 من تشكيل حكومة مصطفى مدبولي الحالية في الصيف الماضي.

وهم: عاصم الجزار (2019- 2024) والرئيس الحالي لمجلس إدارة شركة نيوم المصرية التابعة لـ"العرجاني جروب"، والسيد القصير (2020- 2024)، ونيفين القباج (2019- 2024)، وعادل لبيب (2013- 2015).

يضم المولود الجديد أحد قيادات الطرق الصوفية وهو السيد الإدريسي، شيخ الطريقة الأحمدية الإدريسية، وذلك على غرار ضم منافسه الأقدم في السلطة والذراع السياسي للنظام حزب "مستقبل وطن"، شيخ مشايخ الطرق الصوفية عبد الهادي القصبي ممثل الهيئة البرلمانية للحزب بمجلس النواب، ورئيس "ائتلاف دعم مصر" في انتخابات 2020.

وبحسب مواقع محلية، ضم الحزب الجديد نوابا في البرلمان الحالي، وبينهم ومجدي مرشد، وهشام مجدي، ومارغريت عازر، وعاطف مخاليف، وسليمان وهدان، إلى جانب عضو مجلس النواب عن مرسى مطروح والقيادي باتحاد القبائل المصرية والعربية أحمد رسلان.

"ليبرالي معارض للإسلاميين"
وفي مفاجأة ثانية، اعتمدت لجنة شؤون الأحزاب قرارات عودة حزب "الوعي" للحياة السياسية بعد سنوات من التجميد، والذي جرى تأسيسه عام 2011، برئاسة المهندس محمود طاهر رئيس النادي الأهلي السابق.

لكن حزب "الوعي" يعود الآن برئاسة عضو مجلس الشعب السابق عام 2012، وعضو الحوار الوطني في مصر باسل عادل، وذلك مع إعلان انضمام أعضاء "كتلة الحوار" التي تشكلت في 23 أيار/ مايو الماضي، للمشاركة في الحوار الوطني المدعوم من السيسي، للنسخة الثانية من الحزب.

يسعى الحزب وفق بيانه الأول إلى "إعادة الروح لليبرالية التي استهدفتها طويلا تيارات الإسلام السياسي بالتشويه مدة عقود"، ما عده البعض رسالة من الحزب الجديد إلى رأس النظام بدعمه في مواجهة تيار الإسلام السياسي.

"أجواء ظهور الحزبين.. وتساؤلات"
ظهور حزب "اتحاد مصر الوطني"، وعودة حزب "الوعي"، يسبق انتخابات تشريعية مقررة في مصر للبرلمان بغرفتيه مجلس النواب (596 مقعدا) والشيوخ (300 عضو) في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، وفق ما هو مقرر، ويسعى الحزب الجديد إلى حصد 30 بالمئة من مقاعد البرلمان التي تجري بالانتخاب الفردي والقائمة الحزبية أو بالتعيين.

تساؤلات كثيرة أثيرت عن أسباب تدشين النظام المصري كيانا حزبيا جديدا، ينافس ذراعه السياسي "مستقبل وطن" الذي قام منذ تدشين المخابرات المصرية له عام 2014، وعلى مدار 10 سنوات بدعم النظام في الانتخابات الرئاسية أعوام 2014، و2018، وفي التعديلات الدستورية 2019، وتقديم خدماته عبر البرلمان بتمرير مئات القوانين المثيرة للجدل والمجحفة بحق ملايين المصريين، وفق مراقبين.

كما توجس مراقبون من دور العرجاني في هذا الحزب، معربين عن مخاوفهم بشأن احتمالات أن يأخذ الحزب شكل اتحاد القبائل العربية الذي يمتلك ميليشيات عسكرية مسلحة في شمال سيناء.

كما يثار التساؤل عن أسباب ظهور هذا الحزب الآن، وبعد نحو 4 أشهر من إقالة السيسي في آب/ أغسطس الماضي، رئيس المخابرات السابق عباس كامل، وفريقه، فيما تكهن البعض بوجود جبهة جديدة تتشكل أو سمح السيسي بتشكيلها لكي تأكل التشكيلات والكتل السياسية السابقة التي صنعها عباس كامل.

وعلى غرار الحزب "الوطني الديمقراطي"، الذي أسسه الرئيس أنور السادات في 31 تموز/ يوليو 1978، والذي حكم البلاد مدة 33 عاما، وتم حله رسميا عقب ثورة كانون الثاني/يناير في 16 نيسان/ إبريل 2011، جاء اسم حزب "مستقبل وطن" الذي يمتلك 315 مقعدا بمجلس النواب المنتخب في 2020، ثم جاء حزب "اتحاد مصر الوطني"، مستخدما ذات الاسم.

فيما يرى مراقبون أن الوارد الجديد على الشارع المصري ورغم غياب أدوار أحزاب المعارضة تماما يأتي في توقيت صعب وقد يواجه أزمة في الحصول على الشعبية التي فشل "مستقبل وطن" في صناعتها لسنوات رغم ما ناله من دعم وما لديه من إمكانيات، بفعل الفقر والغلاء والأزمات الاقتصادية، والسياسية، والأمنية، والمجتمعية.

لكن البعض أشار إلى احتمال أن يكون الأمر في إطار سعي السيسي، لتشكيل حواضن شعبية جديدة، تمهيدا لتغييرات يود إحداثها قبل انتهاء ولايته الحالية رسميا في 2030، والتي بانتهائها ليس له الحق في الترشح مجددا لرئاسة مصر.

"خلط الأوراق"
أحد قيادات أمانة حزب "مستقبل وطن"، في إحدى مدن محافظة الشرقية، أكد في حديثه لـ"عربي21"، على حجم "انزعاجهم الكبير" داخل الحزب مع الإعلان عن الحزب الجديد.

وعلق بالقول إن "ظهور حزب فيه العرجاني كفيل بخلط الكثير من الأوراق، وإثارة الغبار في الأجواء داخل الحزب، ونقض العديد من الاتفاقات داخل مستقبل وطن، وفقدان الثقة في قيادات الحزب".

وأوضح أنه "منذ انتهاء الانتخابات البرلمانية السابقة في 2020، يجري ترتيب أوراق كل دائرة بمعرفة قيادات حزب مستقبل وطن مع الجهات الأمنية المشرفة على هذا الملف".

وبين أن "هناك رجال أعمال دفعوا تبرعات بمبالغ يصل بعضها لـ20 مليون جنيه للحزب مقابل وعود بوضعهم على قوائم مستقبل وطن، وهناك من دفع تبرعات لحزب حماة الوطن لذات الغرض".

ولفت إلى أنه "بظهور حزب العرجاني على الساحة، والسماح بتشكيله قبل عام من الانتخابات، فإن الدولة قد تكون قد رفعت يدها بعض الشيء عن مستقبل وطن، وتعد الحزب الجديد لأدواره، وهنا ستدخل شخصيات جديدة حلبة المنافسة وتقلل من حظوظ مستقبل وطن أو تأكل منها".

وقال إن "المبعدين من مستقبل وطن لأسباب كثيرة طيلة 4 سنوات منها كثرة المنافسين الأقوياء والقادرين على دفع التبرعات؛ هم من سيستفيدون بشدة من الحزب الجديد، بالذهاب إليه والترشح على قوائمه، بعدما فقدوا مقاعدهم في مستقبل وطن".

وفي نهاية حديثه أكد أنه "منذ أمس، وهناك أفراح في بيوت وأحزان في بيوت أخرى يترقب أصحابها نتيجة ما دفعوه على مدار 4 سنوات لمستقبل وطن للحصول على مكان في قوائمه".

"شبهة طائفية بالمخالفة للدستور"
وفي رؤيته، قال السياسي المصري مجدي حمدان موسى، لـ"عربي21": "هناك أحداث كثيرة ومتوالية في الشارع السياسي المصري، وهناك أحزاب كثيرة متصارعة حول حجز مقاعد البرلمان المقبل من الآن، وهناك حزب عاد للحياة، وحزب آخر جديد يتم تشكيله".

ويعتقد القيادي في حزب "المحافظين"، أن "الحزب الذي يجري تأسيسه حاليا قد يكون مخالفا للدستور لأنه لا يتم تأسيس الأحزاب على شكل طائفي أو ديني"، مبينا أن "هذه طائفة اسمها القبائل العربية، وأعتقد أن تأسيس حزب على هذا النهج يعد باطلا بطلانا مطلقا بحسب الدستور".

ويرى موسى، أن ظهور الحزب الجديد يجري في إطار المنافسة الحزبية، مشيرا إلى أن "الناس تتجهز من الآن للانتخابات المقبلة٬ فقد بدأوا يعدون، ويتكاتفون، وهذا ينضم إلى هذا، وهذا يكلم هذا، وهناك أمور يجب التأكيد عليها بغض النظر عن أن هناك كيانات قامت وأخرى ماتت".

وأشار إلى أننا "خلال الحوار الوطني ناقشنا الاستحقاقات الدستورية القادمة، وأكدت المعارضة المدنية فيه على رفضها التام لفكرة القوائم المطلقة التي تضم 100 مرشح، ورفعنا الأمر للمستشار السياسي للرئيس حينما كان يقود الحوار الوطني".

وأنهى حديثه بالقول: "ومن المفترض أنه رفع الأمر للرئيس، وأن تكون هناك قوائم نسبية وقوائم مطلقة غير مغلقة، وتكون هناك انتخابات فردية، وحتى الآن الشكل العام غير واضح بالمرة".

وكان للكاتب الصحفي جمال سلطان، في حديثه لـ"عربي21"، رؤية وقراءة للحدث، حيث قال: "منذ أن صدر القرار الغامض من السيسي بعزل اللواء عباس كامل من منصبه كرئيس للمخابرات العامة المصرية والفريق المعاون له وهناك سلسلة من الأحداث الغريبة تحدث".

وأضاف: "بل إن موقف عزل عباس كامل، في حد ذاته كان مفاجئا، كونه كان أقرب شخصية عسكرية وأمنية للسيسي، وبئر أسراره وصندوقه الأسود".

وتابع: "أيضا مسألة التغييرات الكبيرة والجذرية في المنظومة الإعلامية التي تتبع النظام، والتي أسسها اللواء عباس كامل، واستبدال فريق الإشراف عليها ورجالها".

وواصل: "كذلك مسألة لافتة جدا؛ وهي الكشف عن عمليات فساد كبيرة جدا واسعة النطاق واختلاسات ضخمة جدا داخل المؤسسات والمنابر الإعلامية التي تديرها المخابرات".

ويرى أنه "يأتي في هذا السياق أيضا، مسألة الإعلان عن حزب جديد يؤسسه سمسار الحزب الجديد إبراهيم العرجاني، الذي ظهر مؤخرا في صيغة غامضة جدا، وفي تحالف مع النظام، الذي يصدره في المجالس ويعمل على تنمية صورته وتحويله إلى رجل أعمال بعدما كان مجرد مهرب مخدرات وبضائع، وسجين سابق، وخاطف للجنود والضباط المصريين، في تحول سريع".

ويعتقد مؤسس صحيفة "المصريون"، أن تصدير العرجاني للمشهد السياسي المصري "ليس اجتهادا من العرجاني، نفسه، ولكنها تكليفات له صدرت من المطبخ الأمني الذي أعد هذه الطبخة للحزب الجديد".

وأكد أن "هذه الطبخة تكشف أن الأحزاب القائمة التي أسستها المخابرات المصرية مثل مستقبل وطن، قد تطوى صفحتها قريبا"، واصفا الأمر بأنه "غريب جدا لأن مجموعة مستقبل وطن، تتفانى في خدمة النظام"، متسائلا: "فماذا حدث لكي يغيرها ويصنع لها بدائل؟".

وفي نهاية حديثه، يعتقد سلطان، أن "هذه السلسلة من الأحداث المرتبطة والمتصلة إنما تعود في مجملها إلى الحدث الرئيس الجوهري وهو التغيير الكبير الحاصل في جهاز المخابرات العامة المصرية".

وفاز حزب "مستقبل وطن" بأغلبية المقاعد المُخصصة لنظام القائمة المُغلقة بانتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) وعددها 145 مقعدا بجانب 171 مقعدا بنظام الفردي.

وينص دستور 2014، على أنه للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية، عبر إخطار ينظمه القانون، لكنه "لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي، أو قيام أحزاب سياسية على أساس ديني، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو جغرافي".

وفي السياق، يحظر القانون (149 لسنة 2019)، على الجمعيات الأهلية "ممارسة أي نشاط سياسي أو اقتصادي وتجاري".

"هل قصّر مستقبل وطن؟"
الأمر نال الكثير من اهتمام المصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ووصف رئيس تحرير صحيفة الأهرام الأسبق عبدالناصر سلامة الأمر بأنه "حزب جديد، بوجوه قديمة، على أسس قبلية"، متسائلا: هل قصّر حزب مستقبل وطن، أم أن هناك شيئا آخر؟

وقال الناشط والسياسي هشام قاسم، إن محاولات تجديد النظام، سواء التعيينات بالمناصب، أو الحزب المزعوم، أغلب الكوادر من مخازن النظام، ومخازن نظام مبارك.

وقال أستاذ الإعلام السياسي، ناصر فرغل، إن "الأحزاب والتنظيمات والائتلافات والتكتلات أو التجمعات السياسية والاجتماعية التي تولد من رحم السلطة مصيرها المحتوم، الزوال"، ملمحا إلى أن اتحاد القبائل العربية ليس بكيان قانوني.



وأشار إلى غياب الشخصيات الأكاديمية والخبراء في العمل السياسي والشعبي في الحزب الجديد والتي كان يزخر بها الحزب الوطني الديمقراطي سابقا، داعيا الحزب لإعلان أهدافه وسياساته ومواقفه من القضايا المحلية والدولية ورؤيته للمستقبل.

وتوقع الكاتب الصحفي سليم عزوز، هرولة أعضاء من حزب "مستقبل وطن" إلى "حزب السلطة الجديد"، قائلا: "10 سنوات لم تكف ليتعلموا أن السياسة صنعة، وأن الأحزاب لا تنشأ بقرار من السلطة"، مبينا أنها تقوم على "مشروع سياسي"، موجها سؤاله للسلطة: "ما هو مشروعكم؟".

وأشار الخبير في تكنولوجيا المعلومات عصام لالا، إلى تجمع حزب مصر الوطني الجديد في أحد فنادق القاهرة، مؤكدا أنه لو كان هذا التجمع لرموز مدنية لها ثقل وفكر تنويري كان سيحدث استنفار وتعقب ورعب أمني لمنع وجود تكتل مدني يستطيع الاستحواذ على نسبة معتبرة من البرلمان تعيد التوازن للحياة السياسية وتمهد الطريق لمرشح رئاسي مدني قوي في 2030.