باعت دار
مزادات "
سوثبي" (Sotheby's Important Watches) في نيويورك، الجمعة،
ساعة ذهبية من نوع "رولكس داي ديت" أو "رولكس بريزيدنت"، كانت مملوكة للرئيس
المصري الأسبق جمال
عبدالناصر، وذلك بقيمة 840 ألف دولار ( نحو 42 مليون جنيه مصري)، وذلك بعد أن تضاعف سعرها 14 مرة إذ كانت مقدرة بداية بما بين 30 و60 ألف دولار.
الساعة بيعت في رابع أقدم دار مزادات بالعالم، لصالح جمال خالد جمال عبدالناصر، الحفيد الأكبر للزعيم المصري الذي حكم مصر في الفترة (1954- 1970)، والتي كان قد أهداها لجده، الرئيس الراحل أنور السادات، عام 1963، فيما حرص ناصر على ارتدائها بجميع مقابلاته الرسمية والشعبية والعائلية حتى وفاته عام 1970.
ووفق ما عرضته الدار من صور دعائية للساعة فإنها ظهرت في معصم عبد الناصر الأيسر في صور خاصة به منفردا، وثانية وهو يمارس هوايته في لعب الشطرنج، وثالثة في مقر الإذاعة المصرية، ورابعة مع جنود الجيش المصري على جبهة القتال.
وظهرت الساعة في معصم عبد الناصر أيضا، حين كان بصحبة زعماء عرب منهم الأمير السعودي فيصل بن عبد العزيز قبل توليه الحكم، وزعماء أفارقة منهم رئيس تنزانيا جوليوس نيريري، وفي مناسبات عائلية مع زوجته تحية كاظم ونجله خالد وحفيده جمال الذي عرض الساعة للبيع.
وباعت الدار الساعة عبر مزاد مباشر في مدينة نيويورك الساعة العاشرة صباح الجمعة 6 كانون الأول/ ديسمبر الجاري بتوقيت شرق أمريكا، لصالح حفيد عبدالناصر أيضا، مجموعة من طوابع البريد المصرية من عام 1960 إلى 1977.
تفاصيل الساعة
وكما عرضت دار "سوثبي" فإن ساعة عبدالناصر ساعة يد أوتوماتيكية من الذهب الأصفر مع التاريخ واليوم باللغة العربية، من نوع "رولكس داي ديت" صنعت عام 1956، ويمتلكها ويرتديها عبدالناصر، من عام 1963، وهي من الذهب الأصفر عيار 18 قيراط، ومنقوش عليها اسم أنور السادات، وتاريخ الإهداء 26 أيلول/ سبتمبر 1963 باللغة العربية.
وصلت الدار رسالة موقعة من جمال خالد جمال عبدالناصر، موضحا كيفية تملكه للساعة، موضحا أن والده حصل عليها من جدته تحية كاظم بعد وفاة جده كونه الابن الأكبر، وأنه قبل بضع سنوات من وفاة والده خالد عبدالناصر في أيلول/ سبتمبر 2011، أراه الساعة لأول مرة وأعطاها له.
وقالت الدار إن الساعة تميزت بكونها أول ساعة تعرض اليوم والتاريخ بالكامل على الميناء، تم تصنيعها على طريقة رولكس النموذجية، من كتلة صلبة من الذهب في علبة أويستر قوية مقاومة للماء، وأنها كانت مفضلة لدى قادة الصناعة والمشاهير والرؤساء، وتُعرف باسم "رولكس بريزيدنت".
يزيد أهمية تلك الساعة كونها مهداة إلى عبدالناصر من السادات صديقه، وخليفته، كونها الساعة الأهم في ذلك الزمن والتي كانت تمثل رمز القوة والهيبة بين زعماء العالم.
ويظل عبدالناصر والسادات من أكثر رؤساء مصر في العصر الحديث إثارة للجدل بمواقفهما وما جرى في عهديهما من أحداث ومعارك حربية بمواجهة الكيان الإسرائيلي المحتل.
الرجلان الذين جاء أولهما من صعيد مصر، والثاني من دلتا نهر النيل، بدأت علاقاتهما في الكلية الحربية المصرية، ثم تكللت بالمشاركة في حركة الضباط الأحرار 23 تموز/ يوليو 1952، والإطاحة بحقبة الملكية، ليصبح السادات بعد 6 سنوات من هذا الإهداء وفي عام 1969 نائبا لعبدالناصر، ثم رئيسا لمصر، بوفاة الأخير عام 1970.
"إبادة تاريخ ناصر"
وفي قراءته لدلالات بيع حفيد عبدالناصر إحدى ممتلكات جده بدار مزاد عالمية، قال المؤرخ المصري وأستاذ التاريخ المعاصر الدكتور عاصم الدسوقي، إنه يأتي في إطار "إنتهاز زعامة وتاريخ عبدالناصر بالسوق التجاري العالمي".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أعرب عن أسفه من تأكيد دار العرض أن البيع لصالح جمال خالد عبدالناصر حفيد الرئيس الأسبق.
وفي تفسيره اعتبر أن ذلك يمثل تجاهلا من الدولة لتراث عبدالناصر، كون المزاد معلنا منذ شهر تقريبا وكتبت عنه الصحافة المصرية، ملمحا إلى أنه كان يجب على الدولة شراء الساعة أو النظر في سبب بيع حفيد الزعيم لمقتنياته.
وأكد أن "الدولة بدءا من السادات وبدعم الغرب الأوروبي الأمريكي تسعى لإبادة تاريخ عبدالناصر ومواقفه".
ولفت إلى "هذه الساعة التي لم تفارق يد الرئيس من عام 1956 وحتى وفاته، وظلت شاهدة على المؤتمرات واللقاءات والانتصارات والأزمات والمواجهات.. لا تقدر بثمن".
"ملكية الأسرة أم الدولة؟"
وفي تعليقه على بيع حفيد عبدالناصر، هدية السادات، لجده، قال الأثري المصري الدكتور حسين دقيل: "هذا المزاد له نحو شهر، وكان له حضور قوي عبر مواقع التواصل، وأعتقد أن الخبر وصل السلطات المصرية فهناك صحفيون نشروا عن القصة من خلال صفحتي بـ(فيسبوك)".
الأكاديمي المصري أوضح لـ"عربي21"، أن "دار المزادات كتبت معلومات كاملة، ونشرت صورا مصدرها حفيد عبدالناصر، كما أنه عرض صورا لجده وله ولوالده"، مبينا أن "دار المزادات لا تخبر عن سبب البيع، كما أننا لا نعرف بعد اسم المشتري، لأن الدار تعلن فقط اسم البائع".
وتساءل: "هل من المفترض أن تكون هذه المقتنيات في ملكية الأسرة أم في ملكية الدولة المصرية؟".
ليجيب بقوله: "وفق القانون لا أدري، ولكن من الواجب والضروري أن تكون تلك المقتنيات بيد الدولة، تشتريها من الأسرة أو تتوافق معها على ذلك، لا يهم الآلية، لكن يجب أن تكون المقتنيات مع الدولة، لأنها تمسها وتخص رئيسا حكم مصر بمرحلة هامة وخطيرة وفارقة بين عصر ملكي وعصر جمهوري".
وشدد على أن هذه "نقطة فارقة؛ ويجب أن تكون مقتنيات مثل هذه الشخصيات في ملكية الدولة"، مضيفا: "ولا أجد الآن صيغة معينة لتنفيذ ذلك، لكن ربما تكون هناك سياقات قانونية".
وأشار إلى أن "هناك قانون معني بالتراث وهو (رقم 144 لسنة 2006)، الصادر بعهد الرئيس حسني مبارك، بهدف الحفاظ على كل ما هو تراث، وهو بعيد عن القانون (رقم 117 لسنة 1983)، وتعديلاته حتى قريب، والخاص بالآثار".
وبين أن "القانون (144)، مهتم بالأماكن المرتبطة بشخصيات تاريخية أو مكان شهد حدث تاريخي أو يحمل طرازا معماريا فريدا معينا، وجميع ما يحمل هذه الصفات ضمه القانون تحت عنوان التراث، ويقنن طرق الحفاظ عليه ولا يمكن لأصحابه التعديل به أو عمل شيء دون إذن الحكومة، وله مفردات عديدة منها أن تعوض الدولة أصحاب هذا التراث".
وألمح إلى أنه "رغم أن هذا القانون مرتبط أكثر بالتراث البنائي والمعماري لكن أعتقد أنه أيضا قد يرتبط بكل الأشياء والمقتنيات الفريدة التي تخص شخصيات وأماكن تاريخية، وإذا أردنا أن نُدخل مثل هذه المقتنيات في شيء قانوني فإن هذا القانون هو الأقرب إليها".
"لماذا لم تتدخل القاهرة؟"
قال الخبير المصري: "الحكومة لديها علم منذ فترة، ولم تتدخل في كثير من الأشياء الأكثر أهمية والتي بيعت وتباع بمزادات أوروبا وأمريكا والتي لدينا بها وثائق ملكية أكثر، مثل الآثار المصرية التي تباع ليل نهار بالمزادات، وأنشر وغيري بصفة دورية تكاد تكون شهرية حولها ولا أحد للأسف يستجيب بفعل إيجابي".
وأضاف: "هناك نقطة مهمة، ففي أيلول/ سبتمبر 2016، أنشئ متحف عبدالناصر في منزله بمنطقة منشية البكري بالعاصمة المصرية القاهرة، ليضم حوالي 170 من مقتنيات ناصر وخطبه، وافتتح رسميا، ولكن أعتقد أن عدد المقتنيات فيه قليل جدا".
وأشار إلى أن "الدول تهتم كثيرا بالتراث، لا توجد دولة إلا وللشخصيات التاريخية والمؤثرة متحفا لمقتنياتها، وهذا موجود بمصر، لكنه قليل، ومنه متحف أم كلثوم بالمنيل غرب القاهرة، وأحمد عرابي بالزقازيق، وعبدالناصر شرق القاهرة، والسادات بمكتبة الإسكندرية، لكنها لا تأخذ حقها من الاهتمام".
وحول الخلل بمنظومة مصر في عرض تراثها وأشيائها الثمينة والتاريخية وتحقيق عوائد منها، يرى أنه "من المفترض أن تقوم المتاحف بجمع وشراء مقتنيات أصحابها، وكان يجب شراء هذه الساعة كونها إحدى مقتنيات عبدالناصر أو التفاوض مع الأسرة لنقل المحتوى للمتحف، كما وضعت جيهان السادات الكثير مما كان بحوزتها بمتحف السادات".
وذهب دقيل للقول: "وكان من الممكن أن تشتري الدولة هذه الساعة أو تأخذها مع تعويض لأسرة عبدالناصر"، مشددا على أنه "يجب ألا تتخلى عن هذه الأمور أيا كانت قيمتها لأنها لا تقدر بثمن".
"مصير الساعة"
وفي إجابته على السؤال "إلى أين آلت تلك الساعة، وما الفائدة التي تعود على المشتري وخسارة مصر من الأمر؟"، أكد أنه "في الغالب دور المزادات تبيع هذه القطع لشخص لا تذكر اسمه، وفي الغالب يكون سمسارا لإحدى المتاحف العالمية التي لا أحد يستطيع القول إنها مسروقة لأنها لا تظهر إلا بعد فترة في المتحف العالمي وعندها تكون موثقة بأوراق بيع ومصدر الشراء وسنته بشكل شرعي".
وبشأن احتمال استعادة مصر للساعة وغيرها من نفائس التراث والمقتنيات المصرية الثمينة أو المرتبطة بشخصيات كما يتم استعادة بعض الآثار المصرية الموثقة، أكد دقيل، أن "الدولة لا تستطيع أن تعيدها أبدا طالما هي بدرا عرض لديها وثائقها، لكن الحالة الوحيدة التي كان يمكن بها أن تعيدها هو شراء تلك المقتنيات أو لو كانت سبقت المزاد واشترتها من أسرة عبدالناصر".
وأوضح أن الأمر كان متاحا لأن "حفيد عبدالناصر عرض تلك الساعة وكان مقدرا لها من 30 إلى 60 ألف دولار ثم بيعت بـ840 ألف دولار وفقا للصفحة الرسمية للدار، ما يعني وصولها لـ14 ضعفا، وذلك لأن الترويج الإعلامي لدار المزادات رفع قيمتها لهكذا سعر، وكل الصحف الدولية تحدثت عنها".
ويعتقد أن "الدولة الآن لا تملك شيئا، وكان يمكن للحفيد سحبها لو تفاهمت معه لشرائها مثلا بـ40 أو 50 ألف دولار، ولكن وصلت بالمزاد لهذا المبلغ، وستعرض لاحقا بأحد المتاحف وهذا ما يحدث عادة".
وعن سوابق بيع مقتنيات مصرية تراثية بمزادات عالمية، أكد الخبير الأثري أن "السابقة الأساسية القريبة جدا من واقعة ساعة عبدالناصر كان بيع صالة مزادات (هيريتج) الأميركية، جواز السفر الدبلوماسي للرئيس السادات، في شباط/ فبراير 2023، بنحو 47,500 دولار، وسط تساؤلات حول كيفية خروجه من مصر التي نجحت في استرداده في نيسان/ أبريل 2023".
"غير مسجلة"
وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أحد الأثريين المصريين، بعض النقاط الهامة، مبينا أنه "لا يسمى الأثر أثرا قانونا إلا إذا تم تسجيله في سجلات توثيق الآثار ويخضع تبعا لذلك لقانون حماية الآثار المصرية (رقم 117 لسنة 1983) وتعديلاته بالقانون (رقم 2 لسنة 2010)، وتعديلاته في 2018".
وأكد أنه "سواء كان الأثر الذي اصطلح على تسميته أثرا لمرور حقب تاريخية مختلفة عليه أو كان مبنى ذا طابع تاريخي يمر عليه 50 عاما على الأقل، وهناك استثناءات فقد تم تسجيل قصر المنيل الخاص بالأمير محمد على توفيق بثمانينات القرن الماضي رغم مرور ما لا يزيد عن أربعين سنة عليه، وذلك لأنه يعبر عن حقبة زمنية غابرة بحالاتها الفنية وموروثاتها الثقافية ودلالاتها السياسية وطابعها التاريخي".
ولفت إلى أنه "لا بد للأثر سواء كان مبنى أو أثرا منقولا أن يكون مسجلا بسجلات توثيق الآثار ويتبعه أن يكون مدرجا بسجلات التراث العالمي وإن كان لا يلزم ذلك".
وأكد أن "القانون يحظر تداول أو بيع أو شراء الأثر المسجل، ويعاقب على ذلك عقوبة تصل للمؤبد، وربما ترقى للإعدام، إذا اقترن ذلك بالتهريب لجهة معادية، وذلك كان اقتراحا قانونيا لاقى قبولا من صائغي القانون".
وحول العائد من اقتناء مثل تلك الأشياء، قال إن "العائد من العرض المتحفي للمقتنيات أكبر بكثير من قيمة شراء الأثر، فربما أتى بثمنه في غضون سنوات قلائل".
وعن حق أسرة عبدالناصر أو أي زعيم ورئيس مصري في تداول مقتنيات شخصية، أكد أنه "إذا كانت غير مسجلة فلا سلطان للدولة عليها".
"ثروة أسرة ناصر"
من آن إلى آخر يتفجر الجدل حول ثروة عائلة عبدالناصر، والتي كان منها واقعة ظهور نجلته منى، ترتدي عقدا ثمينا في حفل زفاف نجلها أحمد أشرف مروان.
وأنجب عبدالناصر، 3 ذكور هم: خالد وعبدالحميد وعبد الحكيم، وبنتين هما: منى وهدى، عمل 4 منهم كرجال أعمال وأسسوا مشروعات مقاولات عديدة، وخاصة عبدالحكيم الابن الأصغر، ومنى التي تعمل بمجال السياحة والفنادق ونجلها جمال مروان صاحب مجموعة قنوات "ميلودي".
وانتقد رئيس الحزب العربي الناصري السابق محمد النمر، في حديث لموقع "
مصراوي"، المحلي، بيع حفيد عبدالناصر ساعة جده، مؤكدا أنه "قرار فردي خاطئ"، ومبينا أنه "كان يجب أن توضع الساعة في متحف جده".