نشرت مجلة "
فورين أفيرز" الأمريكية، مقالا، لمؤلفة كتاب: "حروب أردوغان: رجل قوي يكافح في الداخل وفي
سوريا" ومديرة برنامج
تركيا بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، غونول تول، قالت فيه إنّ: "تركيا انتصرت في الحرب الأهلية السورية، على الأقل في الوقت الحالي".
وأضافت تول، في
المقال الذي ترجمته "عربي21" أنّ: "معظم العواصم في الشرق الأوسط تلقّت أنباء سقوط نظام بشار الأسد بالقلق، ولم تكن أنقرة واحدة منها"؛ مردفة: "عوضا عن القلق بشأن منظور سوريا بعد أكثر من عقد من الصراع، يرى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن هناك فرصة في مستقبل ما بعد الأسد".
وبحسب المقال نفسه، فإن: "تفاؤل الواقع له ما يبرره: فمن بين كل اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، تتمتّع أنقرة بأقوى قنوات الاتصال وتاريخ العمل مع الجماعة الإسلامية التي تتولى السلطة الآن في دمشق، الأمر الذي يجعلها في وضع يسمح لها بجني فوائد زوال
نظام الأسد".
"من بين الجماعات التي أنهت حكم الأسد، هيئة
تحرير الشام، التي كانت مرتبطة سابقا بالقاعدة ومصنفة -جماعة إرهابية- في الولايات المتحدة والأمم المتحدة وتركيا"، أضاف المقال، مشيرا إلى أنه: "رغم هذه التصنيفات، قدّمت تركيا مساعدات غير مباشرة لهيئة تحرير الشام".
واسترسل: "حمى الوجود العسكري التركي في مدينة إدلب في شمال غرب سوريا الجماعة إلى حد كبير من هجمات القوات الحكومية السورية، ما سمح لها بإدارة المحافظة دون إزعاج لسنوات. وتمكنت تركيا من إدارة تدفق المساعدات الدولية إلى المناطق التي تديرها هيئة تحرير الشام، الأمر الذي زاد من شرعية الجماعة بين السكان المحليين".
وأضاف: "كما قدّمت التجارة عبر الحدود التركية الدعم الاقتصادي لها. كل هذا أعطى تركيا نفوذا على هيئة تحرير الشام. وفي تشرين الأول/ أكتوبر ألغى أردوغان خططا لهجوم المعارضة على حلب، وعندما أعلنت هذه القوات حملتها في أواخر الشهر الماضي، فمن المرجح أنها فعلت ذلك بموافقة أردوغان".
وأوضحت تول، أنّ: "الأسد، ظل ولسنوات يعاند في وقت سعى فيه أردوغان لإصلاح العلاقات مع دمشق وإعادة ملايين اللاجئين السوريين الذين قوّض وجودهم في تركيا الدعم لحزبه الحاكم. ومع ضعف حلفاء الأسد الإقليميين بسبب الحملة الإسرائيلية في غزة ولبنان، وتشتت انتباه
روسيا في أوكرانيا، رأى أردوغان أن هناك فرصة لإجبار الزعيم السوري للجلوس على طاولة المفاوضات".
وتابعت: "إلا أن نجاح مقاتلي المعارضة كان مفاجأة. والآن، وقد أصبح الأسد خارج الصورة تماما، يستعد أردوغان للاستفادة من استثماره الذي دام سنوات في المعارضة السورية. فيما تم تلقين إيران وروسيا -المنافستان الرئيسيتان لتركيا- في سوريا درسا".
وأكدت أنه: "في الوقت نفسه قد يتم الإعلان عن حكومة صديقة في دمشق، مستعدة للترحيب باللاجئين العائدين. وربما فتح رحيل الأسد نافذة أمام القوات الأمريكية المتبقية للرحيل، وتحقيق هدف طالما سعت إليه أنقرة. وإذا تمكنت تركيا من تجنب المخاطر المحتملة المقبلة، فقد ينتهي بها الأمر للفوز الواضح في الحرب الأهلية في سوريا".
وأبرزت: "كان طريق أردوغان إلى سوريا صعبا، فقد كانت أنقرة داعما متحمسا للمعارضة السورية التي انتفضت ضد الأسد عام 2011، ووفّرت تركيا الدعم المالي والعسكري للمعارضة، بل وسمحت لأفرادها أحيانا باستخدام أراضيها للتنظيم وشن هجمات. وكانت أنقرة تأمل أن يؤدي وجود حكومة إسلامية في دمشق إلى توسيع نفوذ تركيا الإقليمي".
واستطردت: "لكن استمرار الحرب الأهلية السورية، خلق مشاكل لتركيا. أدّت جهود أنقرة لإحداث تغيير في النظام، وتوتّر علاقاتها الودية سابقا مع المستبدين الإقليميين. إذ تغيّرت الأمور مع مصر والعراق والأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة، وكذلك مع أقوى داعمي الأسد، إيران وروسيا".
"دفع هذا العزل كبير مستشاري أردوغان للسياسة في ذلك الوقت، إبراهيم كالين، إلى الإشارة في عام 2013 إلى التزام تركيا بدعم المعارضة السورية والقضية الإسلامية باعتباره سياسة خارجية "للعزلة الثمينة" بحسب المقال ذاته.
وأبرز: "بشكل مهم، حوّلت الثورة السورية علاقات تركيا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، والمحفوفة بالمخاطر لكابوس استراتيجي. وكان قرار واشنطن بعام 2014 إسقاط الأسلحة لوحدات حماية الشعب الكردية، والتي تعتبرها أنقرة -إرهابية-، تحوّلا مهما في العلاقات".
إلى ذلك، أكّد المقال أنّه: "بالنسبة لواشنطن، أصبح دعم وحدات حماية، قرارا استراتيجيا بعدما فشلت ولعدة أشهر في إقناع أنقرة لعمل شيء ضد نشاطات تنظيم الدولة الإسلامية، وحالة الإحباط من عدم اهتمام تركيا بنشاطات التنظيم داخل الأراضي التركية. ومن جانبها، شعرت أنقرة بالخيانة من حليف قام بتسليح عدوه".
وأضاف: "تفاقمت مشاكل تركيا مع أمريكا عندما انتفعت روسيا التي تدخلت عام 2015 لإنقاذ نظام الأسد، ما وضع مصالحها في صراع مع مصالح أنقرة. وبدا أن لروسيا اليد العليا في سوريا، ولم يكن أمام أردوغان أي خيار سوى العمل مع الرئيس فلاديمير بوتين".
واسترسل المقال بالقول: "لم تتمكن تركيا من شن توغل عسكري في عام 2019 في شمال سوريا للحد من التقدّم الكردي هناك إلا بضوء أخضر من موسكو، وهو الهدف الذي رأى أردوغان أنه ضروري لتعزيز تحالفه المحلي مع القوميين الأتراك. وهناك بعض التكهنات التي تقول بأن قرار أردوغان شراء أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية أس-400، وهي الخطوة التي تسبّبت في خلاف مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، كان لضمان هذه الموافقة من موسكو".
وأشار المقال نفسه، إلى أنه: "اليوم مع رحيل الأسد، تحوّل ميزان القوى وبشكل سريع لصالح تركيا أردوغان. ولا تمنح خسارة روسيا لسوريا، أنقرة، حرية أوسع فيها فقط، بل وستلحق الضرر أيضا بمكانة موسكو في أماكن أخرى حيث يتنافس البلدان على النفوذ".
"تعتبر أفريقيا واحدة من هذه المناطق. فقد ساعد التدخل في سوريا، بوتين، على تقديم صورة روسيا كقوة عظمى وداعم لحلفائه يوثق به" تابع المقال، مردفا أنّه: "قد استغل هذه السمعة لبناء علاقات وثيقة مع الحكومات الأفريقية المستبدة، وبخاصة في منطقة الساحل والصحراء، حيث سعت تركيا إلى وضع نفسها كبديل لموسكو".
وتقول تول إنّ: "انهيار حكم الأسد من شأنه أن يشوّه صورة روسيا ويهدد شراكاتها. وبدون وجود عسكري لها في سوريا، سيتعرض الدعم اللوجستي لعملياتها في أفريقيا، وبخاصة في ليبيا للخطر، مما قد يترك فراغا يمكن أن تشغله تركيا".
ومن جهة أخرى، أكدت: "سيعزز سقوط الأسد موقف تركيا في علاقاتها مع إيران، فلطالما تنافس البلدان على المنطقة. وفي سوريا، دعمت إيران وحدات حماية الشعب في الحرب ضد تنظيم الدولة ونسّقت معها، ما أدى لتهميش بعض الجماعات المدعومة من تركيا في بعض الأماكن. وعملت الميليشيات المدعومة من إيران داخل قوات الحشد الشعبي العراقية، على تعقيد معركة تركيا ضد حزب العمال الكردستاني الانفصالي في شمال العراق".
وأردفت: "في جنوب القوقاز، سعت أنقرة وطهران إلى تحقيق أجندات متضاربة: فقد عزّزت تركيا تعاونها مع أذربيجان بطرق رأتها إيران تهديدا، وحافظت إيران على علاقات ودية مع أرمينيا، التي تربطها علاقات متوترة مع تركيا".
كذلك، أشارت إلى أنّ: "إيران تعرضت للضعف، أولا من الحرب الإسرائيلية في غزة والتي وجهت ضربة لمحور المقاومة الإيراني، والآن بانهيار نظام الأسد الذي كان حليفا قويا لها. ولعبت سوريا دورا مهما في استراتيجية إيران لدعم الجماعات الوكيلة عنها. وكانت بمثابة الجسر الذي نقلت عبره طهران السلاح إلى حزب الله".
"ستحدّ خسارة سوريا من قدرة إيران على استعراض القوة ومنح تركيا مساحة للمناورة من العراق إلى سوريا وجنوب القوقاز" أبرز
المقال نفسه، مردفا أنه: "من المرجح أن يقدم سقوط نظام الأسد لأردوغان فائدة أخرى: فرصة المصالحة مع واشنطن. لقد أدى الوجود العسكري للولايات المتحدة في سوريا والتعاون مع وحدات حماية الشعب إلى توتر العلاقات الثنائية وتعقيد العمليات التركية في المنطقة".
وأضاف: "في عام 2019، بعد أيام من إعلان الرئيس، دونالد ترامب، عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، أمرت أنقرة بحملة عسكرية ضد حلفاء واشنطن من الأكراد السوريين. وردّ ترامب الغاضب بفرض عقوبات على تركيا وتعهّد بالإبقاء على "عدد صغير" من القوات الأمريكية في أجزاء من سوريا لحماية المنشآت النفطية".
وأبرز: "لطالما رغبت أنقرة بانسحاب القوات الأمريكية، وأحيا انتخاب ترامب لولاية ثانية الآمال في أنه سيؤدي إلى سحب القوات المتبقية، وربما عجّل رحيل الأسد من هذه النتيجة. ومع وصول قوات المعارضة السورية لضواحي دمشق والسيطرة على معقل الأسد، أصر ترامب على أن الولايات المتحدة: لا ينبغي أن يكون لها أي دور في قتالهم".
وأكدّ: "عندما يتولى منصبه، قد يوافق ترامب على صفقة تلتزم تركيا بموجبها باحتواء تنظيم الدولة وتسحب الولايات المتحدة قواتها من سوريا، وبالتالي تهيئة الظروف لعلاقة مثمرة بين أنقرة والإدارة الجديدة".
ووفق المقال ذاته، فإنه: "رغم ما تقدمه سوريا ما بعد الأسد من فرص لأنقرة إلا أن هناك مجموعة من المخاطر الحاضرة، منها أن القوى التي يقودها الإسلاميون والتي أطاحت بالدكتاتور قد تعمل على تعزيز عدم الاستقرار والتطرف. ونادرا ما تكون عمليات انتقال السلطة من هذا النوع سلسة".
وذكّر أنه: "بعد ثلاثة عشر عاما من الانتفاضة في ليبيا، بدعم من الناتو، والتي أدت للإطاحة بمعمر القذافي وموته، لا تزال ليبيا غارقة في الصراع والفوضى، ويعاني سكانها على الرغم من ثرواتها النفطية الوفيرة، ونفس الأمر حدث مع العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003 والإطاحة بنظام صدام حسين. وتواجه سوريا اليوم تحديات مماثلة وربما أعظم، بعد أن عانت ويلات أكثر من عقد من الحرب الأهلية التي تسببت بدمار واسع وعمقت الانقسامات الاجتماعية والسياسية".
"فيما كانت الجماعات التي حلّت محل الأسد قادرة على معالجة هذه المشاكل، فهذا غير مؤكد" قال المقال، مردفا: "أعلن حكام سوريا الجدد عن رئيس وزراء مؤقت، ولكن سيطرة الحكومة الجديدة لم تتجذر بعد بشكل كامل".
وأشار إلى أنه: "إذا تمكّنت من التحرك نحو جهود إعادة الإعمار الضخمة التي تحتاج إليها سوريا الآن، فمن المؤكد أن تركيا سيكون لها دور تلعبه. فدعمها للجماعات المسؤولة والحدود الطويلة التي تشترك فيها مع سوريا ووجودها العسكري في البلاد يمنحها نفوذا كبيرا".
مع ذلك، أبرز المقال: "لن تكون أنقرة قادرة على فرض الطريقة التي سيحكم فيها القادة الجدد في دمشق. ولم يقدّم تحالف المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام الكثير من التفاصيل حول خططه لحكم سوريا، لكن الدول الغربية والعربية تخشى أن يحاول إنشاء نظام إسلامي متشدد".
وأضاف: "حاولت هيئة تحرير الشام في بعض النواحي تقديم وجه معتدل. وقد نبذ زعيمها -الإرهاب الدولي- علنا. وبعد إسقاط الأسد، تعهدت المجموعة بعدم تدمير مؤسسات الدولة ووعدت باحترام التنوع العرقي والديني في البلاد. لكن هناك أسباب وجيهة تدعو للشك، ذلك أن حكم هيئة تحرير الشام في إدلب لم يكن ديمقراطيا".
كذلك، أشار المقال إلى أنه: "ربما تدفع أنقرة الحكومة السورية الجديدة لضمان حقوق النساء والأقليات، جزئيا لمساعدتها على تأمين التأييد الغربي، ولكن هذا لا يعني أنها ستستمع. ومن غير المرجح أن تسعى تركيا، وهي الدولة التي ترفض منح سكانها الأكراد حقوقا أساسية، منحهم عرضا سخيا في سوريا. ومن شأن المشكلة الكردية غير المحلولة أن تسهم في استمرار عدم الاستقرار في شمال سوريا، مع إمكانية انتقالها إلى تركيا".
وأكد: "إذا فشل القادة الجدد في سوريا بترسيخ الحقوق المتساوية لجميع السوريين أمام القانون وبالممارسة، قد لا تبدو سوريا الجديدة مختلفة كثيرا عن سوريا القديمة. ولن تكون هذه النتيجة جيدة لأنقرة".
"يريد أردوغان عودة اللاجئين السوريين في تركيا لبلادهم طواعية. وفي غياب ضمانات بمستقبل ديمقراطي، قد لا يرغب كثيرون منهم بالعودة. وهناك أيضا خطر عودة تنظيم الدولة" أضاف المقال، مردفا: "سيواجه قادة سوريا الجدد الكثير من المهام في العام المقبل، فالميليشيات الكردية السورية التي تتولّى الآن تأمين السجون ومراكز الاحتجاز التي يسجن فيها عشرات الآلاف من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية سيكون لها مستقبلها الخاص الذي يجب أن تفكر فيه".
ومضى بالقول إنّه: "باستغلال هذه الفترة من الفوضى، قد تحاول الجماعة الجهادية إعادة تأسيس نفسها. وتركيا معرضة بشكل خاص للهجمات، لأنها موطن لشبكات التنظيم النشطة. ففي هذا العام وحده، اعتقلت السلطات التركية أكثر من 3,000 من أعضاء تنظيم الدولة المشتبه بعلاقتهم مع هذه الشبكات".
واختتم المقال ذاته، بالقول: "في النهاية، فالتطور السياسي في سوريا لن يعتمد وفي المدى القريب على نوايا وقدرات الحكومة الجديدة فحسب، بل وأيضا على مواقف القوى الخارجية للمساعدة في استقرار البلاد وإعادة بنائها. وستحتاج سوريا للاستثمارات الأجنبية في البنى التحتية أو المساعدات الإنسانية ورفع العقوبات ودعم عودة اللاجئين، والمساعدة في نزع سلاح الميليشيات وإعادة تدريب الأجهزة الأمنية".
واستطرد: "لو تجاهل التحالف الذي تقوده هيئة تحرير الشام الضغوط الدولية للوفاء بوعد تشكيل حكومة شاملة ومؤسسات مدنية، فسوف يتجنبه العالم، وقد تنزلق سوريا المعزولة بسهولة إلى حالة من الفوضى العنيفة".
"ستضطر تركيا بعد ذلك إلى التعامل مع جار يعاني من دمار اقتصادي تمزقه الصراعات بين الجماعات المسلحة المتنافسة. وباعتبارها الوسيط القوي الذي أدت أفعاله إلى سقوط نظام الأسد، ستتحمل تركيا مسؤولية المشاكل في سوريا" أكد
المقال.
وأردف: "قد احتفل الكثير من الناس في أنقرة بإعلان النصر بعد فرار الأسد من البلاد. والواقع أن وجود حكومة صديقة في دمشق قد يفتح الأبواب أمام أردوغان، فهو يريد عودة اللاجئين إلى سوريا، ويريد حلفاؤه في قطاع البناء في تركيا المشاركة في إعادة بناء البلاد".
وأبرز: "قد منحه هذا الفوز في سوريا مكانة، وهو ما يأمل أردوغان في أن يستغله لصالحه في العلاقات مع الغرب ومع دول المنطقة"، مضيفا: "لكن إذا انزلقت سوريا مرة أخرى للفوضى وعدم الاستقرار الذي قد يرسل المزيد من اللاجئين عبر الحدود؛ قد يندم الرجل القوي بتركيا على النجاح الكارثي الذي حقّقه المعارضون في سوريا".