سياسة عربية

سوريا الجديدة.. تحولات إقليمية تربك حسابات القاهرة

المخاوف المصرية تزداد بالدور التركي في دعم "هيئة تحرير الشام"- الأناضول
يشكل وصول إسلاميين إلى السلطة في سوريا، عقب الإطاحة بالرئيس المخلوع بشار الأسد، مصدر قلق كبير لمصر، خاصة بعد مرور أكثر من عشر سنوات على تولي رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي الحكم، والذي جاء بعد الإطاحة بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي المنتمي لجماعة "الإخوان المسلمين".

وظلت القاهرة تدعم بشار الأسد حتى اللحظات الأخيرة من حكمه، ومع تولي "هيئة تحرير الشام"، التي كانت مرتبطة سابقاً بتنظيم "القاعدة"، السلطة في سوريا منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر، تجد مصر نفسها أمام مشهد جديد قد يعيد تشكيل التوازنات الإقليمية ويثير تساؤلات حول تأثير الإسلاميين على المنطقة

في الوقت الذي سارعت فيه دول عربية إلى فتح قنوات اتصال مع الإدارة الجديدة في دمشق، اتخذت مصر موقفاً أكثر تحفظاً، وأظهرت القاهرة حذراً واضحاً، إذ انتظر وزير الخارجية المصري ثلاثة أسابيع قبل أن يُجري أول اتصال بنظيره السوري الجديد، داعياً إلى عملية انتقال سياسي شاملة. وأعلنت مصر إرسال مساعدات إنسانية إلى سوريا، وهي خطوة تُقرأ في إطار محاولة إيجاد موطئ قدم في الساحة السورية دون المجازفة بعلاقاتها الإقليمية.

ويرى السيسي أن وصول الإسلاميين إلى السلطة في سوريا يشكل تهديداً مزدوجاً، فمن جهة، تحمل "هيئة تحرير الشام" تاريخاً مرتبطاً بالتطرف، ومن جهة أخرى، يعيد هذا التطور ذكريات فترة حكم "الإخوان المسلمين" القصيرة في مصر، والتي انتهت بإزاحتهم من السلطة في عام 2013.

وقالت الباحثة ميريسا خورما من مركز ويلسون البحثي: "تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في مصر يجعل أي صعود مماثل للإسلاميين في المنطقة مثيراً للقلق بالنسبة للقاهرة".

على الصعيد الداخلي، اتخذت مصر إجراءات سريعة بعد سقوط الأسد. تم اعتقال 30 سورياً في مصر كانوا يحتفلون بسقوط النظام السوري، بينما شددت السلطات القيود على منح تأشيرات الدخول للسوريين. ورافق ذلك حملة إعلامية صورت الوضع الجديد في سوريا كتهديد أمني محتمل لمصر، حيث بث التلفزيون الحكومي مشاهد تدريب عسكري وخطابات للسيسي تحذر من انتقال الفوضى إلى مصر.

يُضاف إلى المخاوف المصرية الدور التركي في دعم "هيئة تحرير الشام". تركيا، التي ترتبط بعلاقات تاريخية مع جماعة "الإخوان المسلمين"، قد تصبح الحليف الأبرز للنظام الجديد في سوريا، ما يثير مخاوف القاهرة من أن تتحول دمشق إلى منصة لتعزيز النفوذ التركي في المنطقة. ورغم التحسن النسبي في العلاقات بين مصر وتركيا مؤخراً، إلا أن التنافس الإقليمي يظل عاملاً رئيسياً يؤثر على حسابات القاهرة.

لم تقتصر تداعيات سقوط الأسد على الداخل السوري فقط، بل إنها امتدت لتشمل التوازن الجيوسياسي في المنطقة. إذ أدى هذا التحول إلى تقليص نفوذ إيران، الحليف الأقرب للأسد، ما قد يفتح المجال أمام لاعبين جدد، مثل تركيا وقطر. في هذا السياق، تسعى مصر إلى ضمان ألا يؤدي هذا التحول إلى تعزيز قوة الإسلاميين أو الهيمنة التركية.

وبينما تعمل القاهرة على التعامل مع الواقع الجديد، فإنها تشدد على ضرورة تقاسم السلطة في سوريا، لمنع احتكار الإسلاميين للحكم. وترى الباحثة ميريت مبروك أن هذا الموقف يأتي ضمن استراتيجية مصرية أوسع تهدف إلى حماية مصالحها الإقليمية وتجنب أي تصعيد قد يؤثر على استقرارها الداخلي.