حول العالم

رأس السنة الأمازيغية في المغرب.. عادات عابرة للأجيال تنتقل من القرى إلى المدن

تتباين مظاهر الاحتفال برأس السنة الأمازيغية من منطقة إلى أخرى في المغرب- الأناضول
يحتفل أمازيغ المغرب، كغيرهم من أمازيغ شمال أفريقيا والعالم، برأس السنة الأمازيغية في 13 كانون الثاني/ يناير من كل عام، عبر طقوس تقليدية تُبرز ارتباطهم العميق بالأرض وتراثهم العريق.

و"الأمازيغ" هم شعوب تسكن المنطقة الممتدة من واحة سيوة غرب مصر شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن البحر المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا، بحسب وكالة الأناضول.

تشمل الاحتفالات، التي تُقام بمناسبة رأس السنة الأمازيغية في أجواء عائلية حميمية، إعداد أطباق محلية لذيذة وارتداء أزياء تقليدية، كما تتخللها فعاليات ثقافية وفنية متنوعة، تعكس تمسك الأمازيغ بهويتهم في جميع جوانب حياتهم.

يقول الباحث في التاريخ والثقافة الأمازيغية شريف أدرداك، إن "الاحتفال بالسنة الأمازيغية هو في الأساس احتفال بالسنة الفلاحية، حيث إن المجتمع الأمازيغي كان ولا يزال مجتمعًا زراعيًا ورعويًا”.

ويوضح أدرداك في حديث مع وكالة "الأناضول"، أن هذه الطقوس قد توارثها الأمازيغ عبر الأجيال لتكون مناسبة للاحتفال بما تجود به الأرض، مع دعاء لتحقيق موسم زراعي أكثر غنى وخصوبة.

ويضيف أن جزءا كبيرا من القبائل الأمازيغية كانت قد اعتمدت حياة الترحال مثل قبائل صنهاجة وزناتة، ما جعل علاقتهم بالأرض والطبيعة في غاية الأهمية.

تنوع الطقوس من منطقة إلى أخرى
تتباين مظاهر الاحتفال برأس السنة الأمازيغية من منطقة إلى أخرى في المغرب، إلا أنها جميعها تشترك في الصبغة العائلية والاحتفاء بالتراث المحلي، بحسب تقرير وكالة الأناضول.

في منطقة الأطلس المتوسط، على سبيل المثال، تبدأ الاحتفالات في مدينة خنيفرة مطلع كانون الثاني/ يناير، حيث تعرض المحلات التجارية الأزياء التقليدية، وتُنظم الفعاليات الثقافية والفنية. وفي بعض البلدات المجاورة، مثل تلك القريبة من خنيفرة، يتم تنظيم احتفالات جماعية تُقام في إطار القبيلة، حيث تُعد الأطباق التقليدية مثل "أفتال"، الذي يعد سيد الأطباق الأمازيغية، وتُنصب الخيام وتُقدّم الأطعمة المعدة بعناية وفق عادات اجتماعية قديمة.

أما في منطقة الريف شمالا، مثل الحسيمة والشاون، فتُميز هذه الاحتفالات أجواء الفرح والتضامن وتجديد الروابط الاجتماعية التي تتسم بها. بينما في مدينة أكادير والنواحي، يُفضل الأمازيغ الاحتفال بطُرق مميزة تشمل إعداد أطعمة تقليدية مثل "أوركيمن" و"تاكلا" و"بركوكش"، إلى جانب ارتداء اللباس الأمازيغي التقليدي ذي الألوان الزاهية، التي تعكس الانتماء لهذا التراث الثقافي العريق.

يشير الباحث شريف أدرداك إلى أن الأمازيغ يعتبرون من الشعوب الأصلية التي تتمسك بتراثها التاريخي والعادات التقليدية رغم التحديات والضغوط التاريخية التي تعرضوا لها.

ويلفت إلى أن هذا التشبث بالتراث يأتي في جزء كبير منه بسبب تعرض الأمازيغ لـ"تمييز عنصري، وعنف رمزي ومادي" خلال مراحل مختلفة من تاريخهم، موضحا أن "الشعوب التي تتعرض للعنف المادي والرمزي تتشكل لديها هويات تضامنية، وهو ما جعل الأمازيغ يواصلون تمسكهم بالعادات والطقوس عبر الأجيال".

من الريف إلى الحضر
وركز أدرداك على التحول الكبير الذي شهدته احتفالات رأس السنة الأمازيغية في المغرب، حيث انتقلت هذه الاحتفالات من الأرياف والجبال، التي تعتبر الموطن الأصلي للأمازيغ، إلى المدن الكبرى.

وأضاف أدرداك أنه "قبل أن يتم الاعتراف باللغة الأمازيغية عام 2011، واعتبار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية عام 2023، فقد كانت الاحتفالات تقتصر على القرى والجبال".

إلا أن الدستور المغربي لعام 2011 نص على أن اللغة الأمازيغية أصبحت لغة رسمية إلى جانب العربية، وهو ما ساهم في تعزيز الاهتمام بهذه الثقافة، وفقا لوكالة الأناضول.

وأشار أدرداك إلى أن المغرب اتخذ خطوة كبيرة في أيار/ مايو 2023 عندما قرر اعتماد رأس السنة الأمازيغية كعطلة وطنية رسمية مدفوعة الأجر، وهو ما يعكس الاهتمام المتزايد بالحفاظ على الهوية الأمازيغية داخل المجتمع المغربي.

وفي سياق آخر، أشار أدرداك إلى أن الاحتفالات بدأت بالانتقال إلى المدن الكبرى مثل طنجة، العرائش، تطوان، الرباط، والدار البيضاء. وأضاف أن هذا التحول يعكس "قفزة نوعية في القضية الأمازيغية"، ويعد نقطة هامة في انتشار الوعي بين المغاربة بأهمية الحفاظ على الثقافة الأمازيغية.

وشدد على أن هذه المبادرات التي تطلقها الجمعيات والأحزاب والنقابات تؤكد على اتساع دائرة الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، سواء في الأرياف أو في المدن.