لا أعرف ما هى حدود المباح وغير المباح فى التعليق أو مناقشة
التصريحات التى نشرتها جريدة «المصرى اليوم» على لسان الفريق عبدالفتاح السيسى، ذلك أن الرجل له منصبه العسكرى باعتباره وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة، ومعلوماتى أن وزارة الإعلام أخبرت الصحف بحظر نشر أى شىء يتعلق بالقوات المسلحة إلا فى إطار القانون. وهو ما أوقعنى فى حيرة فالمتحدث هو قائد القوات المسلحة، لكن كلامه كله فى السياسة. وصفته ومنصبه يمنعاننا من مناقشة كلامه، أما تصريحاته فتغرينا بتلك المناقشة. وللخروج من ذلك المأزق فإننى آثرت أن اتطرق إلى كلامه من حيث الشكل من باب الاحتياط، وساحتفظ بآرائى فيما خص الموضوع لحين ميسرة أرجو ألا يطول انتظارها.ملاحظاتى الشكلية على الحوار المنشور ألخصها فيما يلى:• أن طريقة النشر التى استمرت ثلاثة أيام ترجح احتمال ترشحه لرئاسة الجمهورية، ولأننى قرأت الحوار كاملا بعد العودة من السفر فقد أصبحت أكثر اقتناعا بأننا لسنا بصدد حوار صحفى بقدر ما أننا إزاء حلقة جديدة من حملة «كمل جميلك» التى أطلقها البعض فى الأسابيع الماضية، الأمر الذى جعلنا بإزاء جهد للتسويق ينتمى إلى العلاقات العامة بأكثر مما ينتسب إلى العمل الصحفى. وقد تحول ذلك الظن إلى شبه يقين فى الحلقة الثالثة والأخيرة، حين سئل الرجل عن ترشحه للرئاسة فإنه لم يستبعد ذلك الاحتمال، ورد بإجابة دبلوماسية قال فيها ان الوقت غير مناسب لإثارة هذا الموضوع، مضيفا أن الله غالب على أمره، كما أنه أعاد تأويل كلامه السابق الذى حذر فيه من دخول الجيش فى السياسة، معتبرا أن الكلام لا ينبغى أن يبتسر وأن يقرأ فى سياقه.• لاحظت أن الفريق السيسى الذى نشرت له الصحيفة 28 صورة متعددة الأحجام ومن زوايا مختلفة. تمنى ان يحظى ببعض الثقة التى أولاها الناس للرئيس جمال عبدالناصر، وهو فى ذلك لم يكن ذهنه متجها إلى جمال عبدالناصر الضابط، ولكنه كان يتحدث عن الزعيم فى الرجل، وفى حدود المعلومات المتسربة فإن هذه الفكرة لا يتبناها بعض الناصريين فى
مصر فحسب، ولكنها تلقى أيضا ترحيبا وتشجيعا من بعض الدول الخليجية التى سارعت إلى تأييده ومباركته. ومن المفارقات فى هذا الصدد أن الأطراف التى حاربت عبدالناصر بالسلاح فى اليمن فى الستينيات، هى التى تقود مباركة ترشيح السيسى فى المحيط العربى.• كل كلام الفريق السيسى كان عن الشأن الداخلى. ورغم انه كرر فى حديثه الإشارة إلى الرؤية الاستراتيجية، إلا انه لم يشر بكلمة إلى التحديات والحسابات الاستراتيجية الخارجية التى تواجه مصر، فلا تطرق إلى علاقة مصر بمحيطها العربى، ولا إلى موقفها من التغول والاستيطان الإسرائيلى. الذى يهدد بتصفية القضية الفلسطينية. ومن ثم يهدد أمن مصر القومى. ولا تحدث عن العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية التى ما فتئ مسئولوها العسكريون يتحدثون عن التحالف الاستراتيجى مع الجيش المصرى.• أعجبنى تصريح السيسى الذى قال فيه إن حدودنا كرامتنا، وإن جيشنا قادر على صد أى عدوان. وهذا الاعجاب دفعنى إلى التساؤل عن موقفه من اتفاقية السلام مع إسرائيل وإلى أى مدى تمثل مساسا بالكرامة والسيادة المصرية. وبهذه المناسبة فقد حمدت له تمثله للرئيس جمال عبدالناصر وإعجابه بشخصه، لكننى احترت حقا فى إعجابه بالسادات. ولم أفهم كيف يمكن أن يتحقق الإعجاب بالسادات الذى كان مشروعه فى جملته على النقيض من مشروع عبدالناصر، رغم الانجاز الذى حققه فى حرب عام 73.• بهذه المناسبة فقد لاحظت الانصاف والحذر الذى اتسم به كلامه عن موضوع حلايب ومشروع تنمية قناة السويس، واعتبر ان موقف الدكتور محمد مرسى من هذين الملفين أثار قلق قيادة القوات المسلحة باعتبار صلتهما الوثيقة بملف الأمن القومى. وأثار انتباهى فيما قاله انه لم يتحدث عن وضع سيناء فى تلك الفترة التى أشاعت بعض الأطراف ان الانفاق التى تصلها بقطاع عزة تشكل مصدرا لعدم استقرارها وأحد عوامل تهديد الأمن المصرى. ولم استبعد ذلك لأن الفريق السيسى حين كان رئيسا للمخابرات العسكرية كان طرفا فى غرفة عمليات شاركت فيها قيادة حماس وكانت مهمتها الحفاظ على أمن سيناء.• لابد أن يحمد المرء للرجل عفة لسانه فى حديثه عن الدكتور محمد مرسى، ودقته فى التعبير عن العوامل التى أدت إلى عزله، حيث أرجع ذلك إلى اخفاقاته وعدم نجاحه فى إدارة الشأن الداخلى. وهذا صحيح، لكن لغته اختلفت فى حديثه عن مرحلة ما بعد العزل، ذلك انه تجاهل السبب الرئيسى المتمثل فى الإخفاق، وتحدث عن الترويع والتخريب والإرهاب، مما أعطى انطباعا بأن العوامل الأخيرة هى سبب العزل وليست نتيجة لها.• كان السيسى موفقا حين قال إن بعض الإسلاميين أساءوا إلى الإسلام وليس كلهم كما يصدر الخطاب الإعلامى الراهن. لكنه لم يكن موفقا فى حديثه عن عدم انشغال الإخوان بالوطن والحدود، والتزامهم بأفكار الخلافة والأمة. وهى معلومة تمنيت ان يراجعها لأن تاريخ الحركة الوطنية المصرية يذكر للإخوان انهم قادوا معسكرات محاربة الاحتلال الإنجليزى فى الإسماعيلية، وان بعض شبابهم، (عمر شاهين وأحمد المنيسى)، قتلوا أثناء تلك المعارك.• أخيرا فإن الفريق السيسى قدم تقييما لفترة حكم الدكتور مرسى، وهو ما يستحق التقدير والاحترام، لكن ذلك يظل قراءة من جانب واحد، يتعذر على المرء ان يسلم بها ــ إذا كان منصفا ــ إلا إذا سمع رأى الطرف الآخر ورده على ما نسب إليه، وهو ما ليس متاحا فى الوقت الراهن ــ هنا ينتهى حدود الكلام المباح.