ما زالت
الدول العربية التي شهدت انتفاضات شعبية قبل اكثر من سنتين تعاني اقتصادياً بسبب الاضطرابات السياسية المستمرة وعدم إنجاز الانتقال السياسي، في حين خفض الصندوق تقديراته للنمو في المنطقة لعام 2013 إلى نحو 2.3% مقابلة 4.6% للعام الماضي.
وتعاني دول عربية من التداعيات المالية والاجتماعية الناجمة عن تدفق اللاجئين من سورية، بحسب مدير الصندوق لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى مسعود أحمد. كما تعاني المنطقة عموماً من استمرار الأداء الضعيف للاقتصاد العالمي. وقال احمد لوكالة فرانس برس: "لقد ازدادت التحديات في دول الربيع العربي خلال السنة الماضية".
وسجلت
اقتصادات تونس ومصر أداء ضعيفاً منذ انطلاق الاحتجاجات في 2011. أما الاقتصاد الليبي فيتأرجح بين نمو وانكماش بسبب تذبذب إنتاج النفط.
وقال أحمد ان "استمرار الضعف في البيئة الاقتصادية العالمية بما في ذلك غياب
النمو في أوروبا التي تشكل شريكا مهما لبعض الدول (في المنطقة)، هو عامل مهم أيضاً".
وبحسب أحمد، فإن عملية الانتقال السياسي الصعبة والتي طال أمدها قد زادت من عدم الوضوح الاقتصادي ودفعت بالكثيرين في القطاع الخاص الى الإبقاء على وضعية الانتظار. وقال أحمد إن "النتيجة هي ان الانتعاش الذي كنا ننتظر ان يقوده القطاع الخاص هذه السنة، قد تأجل لسنة أخرى".
وبحسب المسؤول في صندوق النقد الدولي، فإن نمواً سنوياً بمعدل 3% لم يعد كافياً لتخفيض نسبة البطالة، خصوصاً مع دخول 1,5 مليون شخص الى مجموعة العاطلين عن العمل خلال السنوات الاخيرة. كما اعتبر أن نسبة النمو هذه تعد "منخفضة جدا لتلبية تطلعات الشعوب التي تبدي قدراً متزايداً من انعدام الصبر".
وتاتي تصريحات أحمد هذه بالتزامن مع الكشف عن تقرير صندوق النقد حول النظرة المستقبلة للمنطقة.
ونما اقتصاد تونس بنسبة 3,6% في 2012 الا ان النمو يفترض ان ينخفض الى 3% هذه السنة، قبل ان يرتفع الى 3,7% في 2014، بحسب التقرير.
وتعيش تونس منذ اشهر صراعاً سياسياً لتشكيل حكومة تكنوقراط تحل مكان الحكومة التي تقودها حركة النهضية الاسلامية التي يحملها كثيرون المسؤولية عن تردي الأوضاع الاقتصادية.
ومن المتوقع ان يتباطأ النمو في مصر هذه السنة الى 1,8% بعد تسجيله مستوى ضعيفاً في 2012 بلغ 2,2%، إلا ان الصندوق توقع ان يرتفع النمو المصري الى 2,8% في 2014.
ويعتمد الاقتصاد المصري بشكل كبير على السياحة التي لم تعد بعد الى مستويات ما قبل اندلاع الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك مطلع 2011.
أما ليبيا التي يعتمد اقتصادها على النفط، فمن المتوقع أن تسجل انكماشاً بنسبة 5,1% هذه السنة بسبب تقطع الانتاج النفطي، إلا ان صندوق النقد توقع ان يسجل هذا البلد نمواً حاداً في 2014 يصل الى 25,5%.
ويأتي الانكماش في ليبيا هذه السنة بعد نمو مذهل في الاقتصاد عام 2012 بلغ 104,5%، وهو نمو عوض واكثر الانكماش الدراماتيكي الذي سجله الاقتصاد الليبي في 2011 والذي بلغ 62,1% سلبي، وذلك بالتزامن مع حرب الاطاحة بالزعيم السابق معمر القذافي.
ومنذ الصيف، أدت احتجاجات مطالبة بوظائف وبتوزيع افضل للموارد على المواطنين الى توقف منشآت نفطية وإلى انخفاض الانتاج الى 250 الف برميل في اليوم بدلاً من 1,5 مليون برميل.
أما سورية، فقد توقف صندوق النقد الدولي عن تقديم أي أرقام تتعلق باقتصادها بسبب استمرار النزاع فيها. وقال أحمد: "ان النزاعات الاقليمية وتداعياتها على الدول الاخرى، لاسيما التداعيات الناجمة عن سورية"، هي عوامل أساسية تؤثر على الاقتصاد.
ويسجل كل من لبنان والاردن مستويات نمو ضعيفة، وهما الدولتان الأكثر تأثراً من تدفق اللاجئين السوريين اذ تستضيفان مئات الآلاف منهم.
وتوقع الصندوق ان يبلغ النمو اللبناني مستوى 1,5% هذه السنة، وهو مستوى مماثل للنمو الذي سجله هذا البلد في 2012.
أما الأردن فمن المتوقع ان يسجل نمواً بنسبة 3,35% هذه السنة و3,5% السنة المقبلة، بعد تسجيل نمو بـ2,8% في 2012. وقال أحمد أنه إضافة الى كلفة استضافة اللاجئين، فإن هناك أيضاً خسائر ناجمة عن تراجع تجارة الترانزيت والسياحة.
وبحسب أحمد، فإن "ما نشهده في كل هذه الدول هو معدلات نمو متواضعة في النشاط الاقتصادي ما يؤدي الى جمود في مستويات الدخل والى ارتفاع البطالة".
واضاف أن "الحكومات عليها أن تواجه سلسلة من الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية في الوقت الذي تتآكل فيه تحوطاتها المالية".
وبناء على ذلك، خفّض الصندوق من توقعاته لنمو الناتج الإجمالي المحلى بمنطقة الشرق الأوسط إلى 2.3% خلال العام الجارى 2013، مقابل 4.6% في العام الماضي.
ورجّح التقرير، بحسب وكالة الأناضول، تحسن النمو الاقتصادى بدول المنطقة في العام المقبل إلى 3.6%، بدعم من انتعاش إنتاج النفط وزيادة قوة الاقتصاد غير النفطي.
وأرجع الصندوق توقعاته للعام الجارى إلى ضعف الطلب العالمي على النفط بالنسبة للبلدان المصدرة للنفط بالمنطقة، إضافة إلى تباطؤ الأوضاع الاقتصادية فى البلدان المستوردة للنفط بدافع عدم اليقين السياسى والضغوط الاجتماعية، والصراع الدائر فى سورية.
وقال الصندوق في تقريره إن الأوضاع الحالية تتطلب من دول المنطقة تحويل الإنفاق على الدعم إلى الإنفاق على الاستثمارات العامة، لدعم النشاط الاقتصادى على المدى القصير، وهو ما يضمن خلق وظائف جديدة تعوض فرص العمل التى كان من المفترض أن توفرها استثمارات القطاع الخاص التي باتت معطَّلة.
ودعا صندوق النقد صناع السياسات فى المنطقة إلى ترتيب البيت المالى لإعادة الديون إلى مستويات يمكن الاستمرار فى تحملها، مشيراً إلى أن بلدان المنطقة بحاجة لمزيد من الدعم من المجتمع الدولى.
وقال مسعود أحمد إنه ينبغى زيادة الدعم المقدم من المجتمع الدولى، ليس فقط عن طريق زيادة التمويل، وإنما أيضاً من خلال تعزيز فرص التجارة وتقديم مزيد من المساعدة الفنية.
وأضاف أن البلدان المصدرة للنفط في المنطقة تواجه انخفاضاً مؤقتاً في النمو الكلي نظراً لانقطاعات العرض المحلي وانخفاض الطلب العالمي، ولكنه يشير إلى مواصلة معظم البلدان تسجيل نمو قوي في القطاع غير النفطي.
وتضم هذه البلدان كلاً من الجزائر والبحرين وإيران والعراق والكويت وليبيا وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات واليمن.
ويذكر مسعود أحمد أن البلدان المصدرة للنفط تحقق نشاطاً اقتصادياً جيداً، لكنها تواجه مخاطر على المدى المتوسط، كما ستواصل نموها القوى فى القطاع غير النفطي، بدعم من مستويات الإنفاق العام المرتفعة والتعافى التدريجي فى نمو الائتمان الخاص.
ونبه صندوق النقد إلى تراجع أوضاع المالية العامة فى مجموعة البلدان المصدرة للنفط، إلا أنها تدخر قدراً كافياً من إيراداتها النفطية الاستثنائية لصالح الأجيال القادمة.
ويذكر الصندوق أن أوضاع المالية العامة تتراجع فى البلدان المصدرة للنفط، ومن المتوقع أن ينخفض فائض المالية العامة لديها إلى حوالي 4% من إجمالي الناتج المحلى فى 2013، مشيراً إلى أن نصف البلدان المصدرة للنفط، وأغلبها بلدان خارج دول الخليج يحقق عجزاً بالفعل.