مع اقتراب نهاية العام
2013، يعاين
الفلسطينيون الصورة القاتمة للأحداث التي ألقت بظلالها على واقعهم وقضيتهم، في ظل استمرار
الانقسام، وتداعيات الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، واستئناف المفاوضات مع إسرائيل، ومراوحتها مكانها، في ظل آفاق مسدودة للعام المقبل.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، مخيمر أبو سعدة، في تصريح ليونايتد برس إنترناشونال، أن أهم الأحداث المرتبطة بالشأن الفلسطيني خلال عام 2013، تتمثل في تداعيات الأزمة المصرية على ملف المصالحة، وتعطيلها بعد الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، وانشغال مصر في نفسها، وتأثير ذلك على الأوضاع المعيشية في
غزة، وتراكم الأزمات لا سيّما بعد هدم الأنفاق.
وكان ملف المصالحة الفلسطينية شهد حراكاً كبيرة على طريقة تنفيذه في فترة حكم مرسي، وصولاً الى اتفاق القاهرة الذي قضى بتشكيل حكومة كفاءات وطنية برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تعقبه انتخابات فلسطينية عامة.
وتجمّد ملف المصالحة بعد الإطاحة بمرسي في 3 تموز/يوليو 2013، في ظل تأزم علاقة النظام المصري مع حركة حماس، واتهامها بالتدخّل في الشأن الداخلي المصري، وهو الأمر الذي دأبت الحركة على نفيه.
كما انعكس الوضع الجديد في مصر على الحالة الاقتصادية في غزة، حيث شهد اشتداد وتيرة الحصار، وتدمير الأنفاق الذي أصاب القطاع بحالة من الشلل غير المسبوق منذ فرض الحصار عام 2006.
ورأى أبو سعدة، أن الحدث الثاني الذي أثّر على الواقع الفلسطيني هو "استئناف المفاوضات بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي".
واستأنفت
السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية المفاوضات في آب/أغسطس الماضي بعد جولات مكوكية لوزير الخارجية الأميركية جون كيري، وذلك بعدما توقفت في العام 2010، على أن تستكمل خلال تسعة أشهر لحل الصراع المستمر بين الطرفين.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعات الضفة، عبد الستار قاسم، إن استئناف المفاوضات "جعل السلطة الفلسطينية تتخلى عن شرطها في وقف الاستيطان من دون أن تنجز شيئاً، حتى بعد أن قاطعت المفاوضات لم يكن لديها البديل في مواجهة إسرائيل، وهو ما زاد الحالة الفلسطينية ضعفاً، حيث أدركت إسرائيل أنه لا خيار للجانب الفلسطيني".
ورفضت غالبية الفصائل الفلسطينية بما فيها فصائل اليسار المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، استئناف المفاوضات، وطالبت بوقفها في ظل استمرار الاستيطان.
وشكّل تصاعد الهجمات الإسرائيلية في الضفة الغربية ومدينة القدس تحديداً، أحد عوامل التحدي البارزة خلال العام الجاري، ما دفع الكثير من المراقبين إلى الحديث عن توفّر أجواء تفجّر انتفاضة جديدة احتجاجاً على "الهجمة" التي استهدفت مدينة القدس والمسجد الأقصى بشكل خاص.
ورأى قاسم في تصريحات ليونايتد برس إنترناشونال، أن هذا العام "انطوى على اشتداد للاعتداءات الإسرائيلية على الأماكن المقدّسة لا سيّما تدفق دخول المستوطنين للمسجد الأقصى بحماية من الشرطة، من دون رادع لإسرائيل".
وتحاول السلطات الإسرائيلية فرض ما بات يطلق عليه الفلسطينيون "التقسيم الزماني والمكاني" للأقصى بعد الاقتحامات المتكررة والممنهجة التي تقوم بها مجموعات من المستوطنين لباحات المسجد الأقصى، والتي يرى الفلسطينيون أنها تأتي ضمن خطة مرسومة تشرف عليها الدولة الإسرائيلية.
وأضاف قاسم أن من أبرز المحطات التي تجلّت في هذا العام "اشتداد الحصار على غزة واستغلال المحاصرون للثورات العربية التي عمل الغرب على تطويعها لمصلحته، ونقل تجارب الثورة للإطاحة بحماس في غزة لتحل السلطة مكانها، وفي هذا الحصار يزداد الفلسطينيون في غزة معاناة".
وكانت حركة مجهولة حظيت بدعم من بعض أوساط حركة فتح أطلقت على نفسها اسم "حركة تمرد"، أطلقت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لإسقاط حكم حماس في غزة، وحدّدت 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 موعداً لذلك، مستلهمة تجربة "تمرد" المصرية؛ ما أدّى إلى احتقان الأجواء في غزة بعدما شنّت حكومة حماس حملة استدعاءات واسعة طالت المئات من كوادر فتح، إلا أن هذا اليوم مرّ بشكل طبيعي، ولم يلقّ أي استجابة.
بدوره، رأى الكاتب والمحلل السياسي سميح شيب، أن أبرز حدث خلال هذا العام هو التداعيات التي لحقت بنيل الفلسطينيين صفة الدولة غير العضو في الأمم المتحدة، "متجاوزين بذلك اتفاق أوسلو، لتصبح القضية الفلسطينية في مسارها الصحيح الذي سيحقق الجغرافيا الميدانية بعد تواجد الجغرافيا السياسية".
ونالت فلسطين صفة الدولة المراقب غير العضو في هيئة الأمم المتحدة في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر من العام المنصرم، واعتبره بعض الفلسطينيين إنجازاً فيما اعتبره آخرون أنه "هدية مقابل أسهم المقاومة التي ارتفعت في حرب الأيام الثمانية" من نفس العام.
وأثار حصول الفلسطينيين على عضوية الأمم المتحدة كدولة مراقب غضب إسرائيل، وتخوفها من انضمام فلسطين إلى العديد من المنظمات الدولية (خصوصاً محكمة الجنايات الدولية) التي يمكن من خلالها ملاحقة إسرائيل على بعض ارتكاباتها في غزة والضفة، وهو ما تم إجهاضه في إطار اتفاق استئناف المفاوضات الذي تضمن تجميد الانضمام لمؤسسات دولية في ظل المفاوضات.
وفي ضوء حصاد عام 2013 يشعر الكثير من الفلسطينيين أن العام المقبل لا يحمل أية بشائر إيجابية. ويرى قاسم أن العام المقبل "سيكون أسوأ للقضية الفلسطينية لعدم وجود آفاق لتغيير السلطة الفلسطينية وهي أكبر حالة ضعف للشعب الفلسطيني لفقدانها التجارب والاستراتيجيات واعتمادها على المال الغربي".