أثار إعلان قيادة تنظيم
القاعدة البراءة العملية من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الكثير من ردود الفعل، ليس في أوساط التيار السلفي الجهادي وحسب، بل أيضا بين المراقبين المتابعين للحالة الجهادية، لاسيما في سوريا بعد التطورات الأخيرة ممثلة في القتال الذي اندلع منذ أسابيع ولا يزال؛ بين التنظيم وبين عدد من الفصائل الإسلامية المنضوية ضمن ما يعرف بالجبهة الإسلامية.
يأتي البيان كما يبدو بعد يأس قيادة القاعدة من إمكانية التفاهم مع قيادة "الدولة"ممثلة في أبي بكر البغدادي الذي استخف عمليا بقرار الظواهري الذي رفض من خلاله مشروع الدولة الإسلامية في العراق والشام، وجعل جبهة
النصرة هي الممثل لتنظيم القاعدة في سوريا. أما الأهم فهي الممارسات التي أفضت عمليا إلى حالة الاشتباك الراهنة بين التنظيم والفصائل الأخرى، بصرف النظر عما يقال عن مبالغات من هذا الطرف أو ذاك.
يأتي موقف القاعدة بعد سلسلة من المواقف الرافضة لمواقف التنظيم في أوساط عدد من رموز التيار السلفي عموما، والجهادي بشكل خاص، والتي يبدو أنها أفضت إلى حسم قيادة القاعدة لموقفها بإعلان البراءة من التنظيم.
واللافت أن بيان قيادة القاعدة لم يتوقف عند نفي وجود أية صلة بينها وبين تنظيم الدولة، بل تجاوزه إلى تأكيد عدد من القواعد التي لم ينسجم معها، أو مع أكثرها تنظيم الدولة في سياساته وممارساته، الأمر الذي يؤكد عزلته عن الحالة الجهادية، ويكشف ظهره أكثر فأكثر، هو الذي يعاني من هجوم من سائر الدول والمنظمات، حتى صارت القاعدة معتدلة بالمقارنة معه.
من المبادئ التي أوردها البيان ما يلي:
- الحرص على أن نكون جزءا من الأمة، ولا نفتئت على حقها، ولا نتسلط عليها، ولا نسلبها حقها في اختيار من يحكمها، ممن تتوفر فيهم الشروط الشرعية. ولا نسارع بإعلان إمارات ودول، لم يستشر فيها علماء المجاهدين، ولا القيادة ولا سائر المجاهدين والمسلمين، ثم نفرضها على الناس، ونعدُّ من يخالفها خارجا.
- الحرص على حشد الأمة حول القضايا الرئيسة.
- الحرص على تخليص العمل الجهادي من المخالفات والتصرفات المضرة، ولذلك أصدرت الجماعة وثيقة (توجيهات عامة للعمل الجهادي).
- البراءة من أي تصرف ينشأ عنه ظلم ينال مجاهدا أو مسلما أو غير مسلم.
في ضوء هذا التطور، ذهب بعض المترددين من منظري التيار نحو تبني رأي قيادة القاعدة، كما هو حال إياد القنيبي، وذلك بعد أن كان المقدسي و"أبو قتادة" قد اتخاذ موقفا مشابها، فضلا عن كثيرين غيرهم.
والسؤال الذي يطرح نفسه في ضوء ذلك هو إلى أين يمضي تنظيم الدولة بعد هذه التطورات مجتمعة، إن كانت الحرب التي يخوضها في العراق، أم في سوريا، أم علاقته بالحالة السلفية الجهادية.
لتنظيم الدولة سيرة طويلة بدأت بتنظيم التوحيد والجهاد، ثم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، وصولا إلى الدولة الإسلامية في العراق، وفي كل مرحلة خاض التنظيم قتالا مريرا، بعضه وفق بوصلة صحيحة، كما كان الحال في مواجهته مع الاحتلال الأمريكي، حيث سجل حضورا كبيرا في إرهاق الاحتلال، وصولا إلى إخراجه ذليلا من العراق، لكن الأخطاء ما لبثت أن بدأت بعد ذلك بالاشتباك مع العشائر والقوى السياسية، وصولا إلى قوى المقاومة الأخرى، ومن ثم فقدان الحاضنة الشعبية، ولولا طائفية المالكي واستخفافه بالحراك الشعبي للعرب السنّة، لما كان له أن يعود بقوة من جديد، لكن ذلك لا يعني أن فكرة الدولة قد عادت واقعية من جديد، فهي ستبقى بلا فرصة للبقاء، ليس لأن نظام المالكي يرفضها، بل لأن العرب السنّة أو غالبيتهم أيضا لا يقبلون بها أيضا.
في سوريا لا يبدو أن للتنظيم فرصة في البقاء بنهجه الحالي أيضا، حتى لو كان يسيطر على الرقة وبعض المناطق الأخرى، فما جرى إلى الآن، سيحرمه من كثير من الدعم السياسي والمالي، كما أنه لن يتمكن من استمرار القتال ضد جميع الفصائل الأخرى.
من الأفضل أن يعيد التنظيم حساباته، فهو يمضي في طريق مسدود لن يصلح معه أي إخلاص بتمتع به مقاتلوه، فكيف وكثير منهم سيضطرون إلى البحث عن مواقع أخرى في ظل متابعتهم لمواقف القاعدة والقوى الأخرى، وكذا العلماء ورموز الحالة السلفية.
هل سيحدث ذلك؟ من الصعب الجزم بنعم أو لا، مع أن سيرة البغدادي منذ استلامه لقيادة التنظيم قد تدفع نحو الإجابة بلا، لكن الجزم بالموقف يبقى صعبا على كل حال، والأمل أن يتغير الموقف، على الأقل كي لا يساهم ذلك في التخريب على ثورة سوريا، وحيث يستفيد النظام أيما فائدة من النزاع الدائر.