قال المعلق الأمريكي ديفيد إغناتيوس في مقال له بصحيفة "واشنطن بوست" إن الكارثة السورية لن تحل بدون اتفاق أمريكي- روسي، وتوافق
إيراني- سعودي، وإن السوريين وحدهم لن يستطيعوا تحقيق السلام لبلدهم ووقف الكارثة إلا بدفعة من الأعلى.
ويحتاج السوريون إلى صيغة توافقية مثل لبنان، ولكن بدعم إقليمي ودولي. ورأى الكاتب أن ما يفرق الحرب الباردة عن الحرب الدائرة في سورية هو الانقسام الطائفي الذي لن يحل بدون اتفاق أمني بين السنّة والشيعة، وبين تحقيق مصالح إيران الشيعية والدول السنية في الخليج، وبمقتضي الاتفاق تتخلى إيران عن طموحاتها النووية، وتعتنق الدول السنية الإصلاح خاصة
السعودية التي يجب أن تظهر استعدادا للسماح للجيل الثاني من القادة بالتقدم. وما يعزز الإصلاح السعودي حاكم قوي في
مصر، يكون واثقا من نفسه ولا يسجن الصحافيين.
وقال إغناتيوس "كان مؤتمر ميونيخ الخمسين للأمن الذي انعقد هذا الشهر احتفالا بالرؤية الديمقراطية لأوروبا التي تمتد حتى أوكرانيا، ولكن كان هناك حس من الهزيمة في قاعات النقاش عندما تحول الموضوع إلى سورية".
وأضاف أن التحالف الدولي الذي انتصر في الحرب الباردة كان فاشلا في حالة سورية. ويعود هذا في جزء منه إلى الموقف غير الحازم من إدارة أوباما، ولكنه كان نتاجا وتعبيرا عن المشكلة الأكبر، فنظام الأمم المتحدة في حل المشاكل والنزاعات فشل في سورية، كما في رواندا والبوسنة وكوسوفو، وكانت الولايات المتحدة هذه المرة مستعدة لتنظيم "تحالف من الدول المستعدة للقيام بالعمل القذر".
"الأمور تسير نحو الأسوأ"؛ قال الأخضر الإبراهيمي، مبعوث الأمم المتحدة لسورية، والذي بدا على حافة اليأس، حيث وصف الفشل الشهر الماضي في آخر جهد من جهود التوسط، المعروفة بجنيف-2. وهو يواصل هذه الوساطة المحفوفة بالمخاطر هذا الأسبوع".
وهناك جانب آخر للمأساة السورية، فهي تجسد فشلا فكريا أعمق، فقد كانت الحرب الباردة، في أدنى درجاتها، انتصارا للفكرة، وما هو مفقود في سورية، هو إطار استراتيجي ملهم يقوم بتعزيز قدرة التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وعوضا عن ذلك فما يجري أمامنا هو نزاع يدفعه الحقد الطائفي بين المسلمين السنة والشيعة، والذي يشعله في الوقت نفسه التنافس بين السعودية وإيران، وفي نفس الوقت تقوم روسيا بإعاقة الجهود الدبلوماسية، حيث لا تزال (روسيا) تنظر لنفسها كمنافس للولايات المتحدة".
ما العمل؟ يسأل إغانتيوس، ويجيب: "على المدى القصير، يجب على الولايات المتحدة زيادة التدريب والمساعدة للمعارضة السورية المعتدلة، وسيكون لهذا منافع متعددة: معارضة قوية تستطيع مواجهة نظام بشار الأسد، وتصد القاعدة وتحمي المعابر الإنسانية. وقامت المعارضة هذا الأسبوع في جنيف بتقديم خطة لوقف إطلاق النار والانتقال السياسي، وهي خطوة للأمام ولكن مقاتلي المعارضة وحدهم لن يكونوا قادرين على تسوية النزاع".
ويضيف "فكسر الجمود في الحرب السورية يحتاج إلى إستراتيجية قادرة على نزع فتيل الحرب الطائفية التي تدمر الشرق الأوسط. وقد استمعت لبعض التحليلات حول هذا المدخل/ الاستراتيجية في فترة قريبة من مسؤولي إدارة أوباما، من المحللين البريطانيين، وبعض الخليجيين من أصحاب بُعد النظر، وحتى من الإيرانيين. وكلهم يعترفون أن جسر الهوة في الانقسام السني- الشيعي يقتضي ميثاق أمنيا إقليميا يجمع ما بين المصالح السعودية والإيرانية، والتي تعتبر الآلة المحركة للنزاع. ويقتضي التوازن الإقليمي بدوره تفاهما بين الولايات المتحدة وروسيا".
ثم يقول "ويقدم لبنان لنا درسا حول الكيفية التي يمكن فيها السيطرة (تحقيق الاستقرار) للنزاعات الطائفية. وقد يبدو هذا الحديث معبرا عن تناقض ظاهري، إن أخذنا بعين الاعتبار أن بيروت دائما ليست بعيدة عن الفوضى سوى دقائق قليلة، ولكن اللبنانيين قادرون على تجنب الكارثة من خلال صيغتهم المعروفة "لا غالب ولا مغلوب".
ويضيف "وحدثت معرفتي (تدريبي) اللبناني في حوار مع رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الذي قال إن اتفاق الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية بعد 15 عاما كان ممكنا بسبب اختراقين اثنين: اتفاق إقليمي للتعاون الأمريكي- الروسي، وعدد من المحاولات الدبلوماسية الفاشلة على الطريق، محادثات سلام في جنيف ولوزان والقاهرة، وما ساعد على عقدها هو أن الحرب الباردة كانت في طريقها إلى النهاية. ولاحظ ميقاتي أن الميليشيات ظلت تتقاتل حتى تم اتفاق من الأعلى".
وتعبير مفاجئ عن هذا المدخل حدث في ميونيح من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي قال للمؤتمر "تتشارك إيران والسعودية بنفس المصلحة في تحقيق مناخ الأمن"، و"لا واحد منا سيتسفيد من الانقسام الطائفي، ولا أحد سيستفيد من التطرف"، ومع أنه من الصعب التعامل مع كلام ظريف على ظاهره في الوقت الذي تقوم فيه إيران بضخ مقاتلي حزب الله والمقاتلين الشيعة من العراق إلى سورية، إلا أن المفهوم الذي قدمه هو المفهوم الصحيح. "ومن أجل تحقيق ما هو صواب في سورية، على صناع السياسة مساءلة أنفسهم، ما هو شكل الشرق الأوسط الذي يريدونه في العقد المقبل، وبعد ذلك إعادة النظر في النموذج الذي يطرحونه (..) ولن يتحقق مستقبل مستقر إلا من خلال توازن أمني يجمع إيران الشيعية ودول الخليج السنية، وحتى يتم الاعتراف بإيران كقوة إقليمية، عليها التراجع عن برنامجها النووي، وفي الوقت نفسه على الدول السنية اعتناق الإصلاح الذي يكسر من حدة قوة المتطرفين المسلمين. ويحتاج تعزيز السنّة إلى رئيس مصري واثق من نفسه حتى يتوقف عن سجن الصحافيين، ويحتاج استعدادا من السعودية كي تتحرك نحو الجيل القادم من القادة، وكانت خطوة مشجعة أنها ابتعدت هذا الأسبوع عن الجهاديين ودعمت صيغة السلام التي تقدمت بها المعارضة".
وينتهي إغانتيوس إلى القول "هذه لقطة جماعية عن مستقبل مستقر: تجلس الولايات المتحدة وروسيا وإيران والسعودية حول دائرة مستديرة للتوصل لمسودة اتفاق يوقف كابوس سورية، ولا يمكن للسوريين وقف هذه المأساة بدون دفعة من الأعلى".