وصف ريتشارد سبنسر مراسل صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية ما يحدث في
مصر اليوم بأنه أشبه بمسلسل درامي، وتحدث فيه عن محاكمة الصحفيين "الميلودرامية"، عازيا الهستيريا التي تنتاب السلطات؛ إلى استمرار جو
الثورة الذي يخيفها.
ويشير سبنسر في بداية تقرير للمسلسلات الدرامية المصرية التي كانت لسنوات عديدة تسلي مشاهدي التلفاز العربي، حيث كانت تلك المسلسلات تمتاز بتسلسل أحداث ساخر، وتمثيل أكثر سخرية، وهذا مما حبب الناس بها، وكانت تلك المسلسلات تصور عالما يتهاوى، حيث الأزواج يفقدون سيطرتهم على زوجاتهم وأبنائهم، أو خطيبان مثاليان ينفصلان أو بيروقراطيون يحيكون المؤامرات لتحسين أوضاعهم وتقوية مراكزهم.
ثم يقول إنه ومنذ ثورة ميدان التحرير بدأت الحياة في مصر تشبه وتقلد الفن ولكنها لم تعد مسلية، وأحدث حلقات هذه الميلودراما كان في قاعة محكمة في جنوب القاهرة أمس حيث بدأت محاكمة ثلاثة صحفيين يعملون لقناة "الجزيرة" وتهمتهم ما تسميه وسائل الإعلام العامة المصرية "خلية ماريوت الإرهابية". وأنا عندما قلت ميلودراما لم أكن أبالغ: فقد سرب فيلم لاعتقال الصحفيين من فندق الماريوت وقد أضيفت له موسيقى فيلم (ثور: العالم المظلم)(Thor: The Dark World ) وإن لم يكن هذا كوميديا بما فيه الكفاية فبحسب لائحة الإتهام قام الصحفيون "بالتلاعب" بالمادة المصورة – ويبدو أن هذا يعني "تحرير" المادة المصورة- وأنهم اتصلوا بجماعة الإخوان المسلمين، الجماعة التي كانت تشكل الحكومة حتى العام الماضي والتي يصل عدد أعضائها لبضعة مئات آلاف المصريين. ويقول المسؤولون إن القضية لا علاقة لها بحرية التعبير".
وأضاف "لم تزد جلسة المحكمة الجو وقارا حيث كانت العصافير تطير فوق رؤوس القضاة بينما كان القضاة يستجوبون المحامين وتوقف الاستجواب فجأة عندما لاحظ أحدهم أن اثنين من المتهمين كانا مفقودين فرفعت الجلسة واستطاع المتهمون بملابسهم البيضاء أن يجيبو عن أسئلة الحاضرين بصوت مرتفع من فوق رؤس أفراد الشرطة المرتبكين".
ويقول الكاتب "مع هذا فإن الأمر ليس مضحكا، فقد حكم مصر دكتاتوريون معظم الوقت من أيام الفراعنة ولكن في أيام حكم حسني مبارك كان الناس على الأقل يعرفون ما هو وضعهم، وكان الناس يبوحون برأيهم حتى لو تعدى خطوطا حمراء وحتى لو كان لا بد من إرضاء إدارات المخابرات المنتشرة ببعض المعلومات التي تعطى مقابل الحماية، ولكن ومنذ
الإنقلاب في تموز/يوليو الماضي فإن التصرفات الهوجاء للدولة العميقة والجيش والمخابرات فاجأت الجميع. وانقلب النظام على النشطاء الذين دعموا الإنقلاب باعتباره خيار أفضل من إسلامية الإخوان، ويضرب السجناء ولا أحد يعتذر حتى في الوقت الذي يدعي فيه المتحدثون الرسميون أن الجيش يهدف فقط إلى تحول سلس نحو المعايير الديمقراطية".
ويعلق مضيفا "مثلا، الصحفيون الذين ظهروا في المحكمة أمس، معظمهم يعامل على أنه إرهابي (ليس بيتر غريستي الأسترالي) ويحبسون في زنازين جهنمية في سجون شديدة الحراسة مع أن المسؤولين أخبرونا (بشكل غير رسمي) أن الصحفيين ليس عليهم تهمة سوى أنهم لم يحصلوا على التصريحات اللازمة. وقد حرم محمد فهمي من العلاج المتخصص لكتفه المكسور وهذا ما يبدو إمعانا في الانتقام".
ويتساءل الكاتب "هناك أمل؟ وهنا نعود للمسلسلات الدرامية، فهذه ليست كوريا الشمالية وليست الصين حيث تحد
الحرية الشخصية بأيديولوجية الحكومة القوية. فلا يزال السجال قائماً وتنشر الرسائل المهربة من السجون على الانترنت، كما يضع المصريون المهاجرون ثقلهم أيضا، والمسؤولون يشجبون بصوت منخفض عن الأشخاص الذي يفترض أنهم يمثلونهم".
ويعتقد الكاتب "أن أخطر ما في الموضوع هو الهيستيريا والتهم الخيالية التي تنتشر في الإعلام الموالي للسلطة حيث يتم تحريض الرعاع على مهاجمة الصحفيين وأي شخص يشك بتأييده للإخوان. ولكن لا يمكنك إلا أن تشعر أن كل هذا فيه قسط زائد من التمثيل بالضبط مثل الدراما التلفزيونية. ولا شك أن الجيش ومؤيدوه هم من يسيطر الآن، ولكن ثورة 2011 أطلقت جني الحرية من البوتقة وإن خوف السلطة من فقدان السيطرة هو ما يجعلها تهاجم بالشكل الذي نراه".