يثير جهاز طوره أطباء
مصريون للكشف عن مرض التهاب الكبد (سي) عن بعد جدلا حول دقة نتائجه وتشخيصه، فيما يقول الباحثون المصريون الذين توصلوا إليه أنه دقيق ويمكن أن يطور مستقبلا للكشف عن السرطان والإيدز.
وفي تقرير لمراسل صحيفة "الغارديان" في القاهرة باتريك كينغزلي جاء فيه"لا يتوقع الشخص أن يجد هذا الجهاز غريب الشكل في مستشفى ريفي على شواطيء النيل".
ثم يذكر أن الجهاز تم تطويره "من جهاز كشف عن القنابل يستخدمه الجيش المصري وله هوائي مثل هوائي راديو السيارة والأغرب من هذا وذاك أن الطبيب الذي يحمله يدعي أنه يستطيع الكشف عن مرض الكبد على بعد عدة أقدام عن المريض خلال ثوان".
هذا الجهاز هو نموذج أولي لجهاز (سي- فاست) وبحسب مطوريه فإنه يمثل تطورا جذريا في استخدام تقنية الكشف عن القنابل للكشف عن التهاب الكبد (سي)، وهذه مسألة عليها خلاف كبير بين العلماء فلو ثبت صحتها فإنها ستنسف مفاهيم علمية كثيرة وستغير طريقة تشخيص الأمراض.
ويقول الدكتور جمال شيحة، أحد أشهر أخصائيي الكبد وأحد مطوري الجهاز: "ستغير الكيمياء والكيمياء العضوية والفيزياء والفيزيا العضوية". وقد قام الدكتور شيحة بعرض إمكانيات الجهاز في كلية أبحاث الكبدومستشفى الدقهلية وهي مقاطعة في شمال مصر.
ويضيف كينغزلي أنه رأى الجهاز وهويشبه في عمله عصا التغطيس الى حد ما (عصا التغطيس عصا ذو ثلاث شعب يمسك الشخص بشعبتين منها وتستخدم للكشف عن أماكن تواجد الماء) حيث يميل المؤشر نحو الشخص الذي لديه التهاب كبد، ويبقى دون حركة في حالة وجود أشخاص غير مصابين.
ويقول شيحة أن حركة المؤشر ناتجة عن وجود أمواج كهرومغناطيسية تصدر عن الخلايا في حال وجود التهاب الكبد.
وعارض علماء مختصون بالفيزياء القاعدة العلمية لعمل الجهاز حيث قال احد الفائزين بجائزة نوبل ان الجهاز "بكل بساطة لا يملك قاعدة علمية كافية".
لكن مخترعي الجهاز يقولون أنه تم تجريبه على 1600 حالة في ثلاثة بلدان مختلفة دون أن يفشل مرة واحدة في اعطاء قراءة خاطئة، كما أن اخصائيين كبار في مرض الكبد أيدوا الجهاز بتحفظ.
يقول البروفيسور ماسيمو بنزاني رئيس قسم دراسات الكبد في جامعة "يونفيرسيتي كولج" في لندن عن الجهاز: "إنه ليس معجزة ولكنه يعمل"
.
وكان بنزاني قد شاهد نموذجا أوليا للجهاز عندما زار مصر في وقت سابق من هذا الشهر ويأمل أن يجربه في مستشفى "رويال فري" في لندن وقال إن كان ممكنا إثبات المبادئ العلمية التي يعمل عليها الجهاز فسيشكل ثورة في الطب.
وأضاف بنزاني أن قبول هذا الجهاز يحتاج ان يوافق على صحة تقنيته فريق من الخبراء المستقلين وأنه على استعداد ان يشترك في دراسته عندما يتم التحقق من صحة تقنيته.
وهذا المشروع له أهمية خاصة في مصر ذلك أن فيها أعلى نسبة في العالم من المصابين بمرض التهاب الكبد (سي) والذي يتم الكشف عنه عن طريق فحص الدم، ويأخذ الفحص عدة أيام لتظهر نتائجه بالإضافة إلى أن تكلفة الفحص الواحد تصل إلى 30 جنيها استرلينيا.
وجاءت فكرة الجهاز من اللواء أحمد أمين وهو مهندس وخبير في الكشف عن القنابل وصنع الجهاز مع فريق من 60 شخص من سلاح الهندسة.
واكتشف أمين أن بإمكانه استخدام خبرته الطويلة في الكشف عن القنابل في تشخيص الأمراض عن بعد وصنع جهاز مسح للكشف عن انفلونزا الخنازير في وقتها حيث كان انتشار المرض في قمته، وبعدها بدأ اهتمامه في التهاب الكبد الذي يعاني منه 15% من المصريين وتصل النسبة في المناطق النائية إلى 20% .
وقام أمين بطلب المساعدة من شيحة في مشروعه هذا وهو الشخص الذي أنشأ معهدا لدراسات أمراض الكبد كمؤسسة أهلية في أيلول/ سبتمبر 2010 وذلك لأن نظام مبارك لم يأخذ هذا المرض المتفشي مأخذ الجد.
وقال شيحه أنه لم يقتنع في البداية بالفكرة. وقال أنه لا يمكن الدفاع عنها علميا ولكنه وافق فيما بعد أن يجربها لأن الطرق الحالية في الكشف عن المرض بطيئة ومكلفة جدا.
وبقول: "كنا دائما نفكر كيف نشخص ونعالج المرض.. فالتشخيص السهل كان حلما بالنسبة لنا". وأضاف أن جهاز المسح لن يلغي فحوص الدم ولكن يمكن أن نقوم بفحص دم الأشخاص الذين شخصهم الجهاز بالمرض دون غيرهم.
وقد انتشر مرض التهاب الكبد (سي) في أنحاء مصر في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي عندما كانت هناك برنامج تطعيم ضد البلهارسيا وتم التطعيم في حالات كثيرة بإبر ملوثة.
يقول المطورون للجهاز انه سيساعد على تشخيص أكثر من 170 مليون حالة وهي الموجودة في العالم، علما بأن الكثير من المصابين لا يعلمون بإصابتهم بسبب غلاء الفحص. وبتقدير شيحة 60% من المصابين على مستوى مصر غير مؤهلين للحصول على الفحص المجاني و40% لا يستطيعون دفع تكلفة الفحص.
يقول بنزاني "اذا استطعنا توسيع دائرة استخدام الجهاز فسيشكل هذا ثورة طبية حيث يعني ان باستطاعتك تشخيص أي مرض عن طريقه". ويضرب مثالا على ذلك قائلا لو تم تطويره لتشخيص السرطان مثلا فسيكون بإمكان الطبيب العام في عيادته القيام بالتشخيص المبدئي.
ويقول أمين إنه يفكر في تطوير الجهاز لفحص الإلتهاب الكبدي (بي) و"السيفلس" وفايروس نقص المناعة.
وقال الدكتور سعيد حميد رئيس جمعية دراسة الكبد في باكستان والذي قام بتجريب الجهاز في باكستان "إن تشخيص الجهاز كان دقيقا في كل الحالات التي فحصت دون علم مسبق.. وإذا تم إثبات دقة الجهاز فمن الممكن استخدامه لفحص أعداد كبيرة وبتكلفة متدنية".
ويقوم الجهاز على نطرية غير مثبتة تسمى (تواص الخلايا الإلكترومغناطيسي)، ولكن معظم العلماء يرفضون النظرية ويقولون أن الخلايا قادرة فقط على التواصل مع ما يلامسها وليس عن بعد.
في عام 2009 ادعى لوك مونتغنير -العالم الذي حاز على جائزة نوبل والذي اكتشف فايروس نقص المناعة البشري- أن الحمض النووي يرسل إشارات كهرومغناطيسية ولكن البحث واجه السخرية من زملائه العلماء.
أما البروفيسور مايكل سيفرا عميد أكاديمية العلوم في جمهورية التشيك وهو واحد من قلة من المختصين في الاتصالات الالكترومغناطيسية في الفيزياء فيقول:" ليس هناك أدلة علمية قوية على آلية عمل الجهاز"، ولكنه عندما تحدث بشكل عام عن التواصل الإلكترومغناطيسي للخلايا قال سيفرا إنه يعتبر الفكرة قابلة للتصديق أكثر مما يظهرها المشككين ولكن الفيزياء لم تثبتها بعد.
أخيرا، يقول شيحة أنه يتفهم تردد العلماء في قبول فكرة جهاز المسح وكمدقق أبحاث يقول لو قدم لي هذا البحث للتدقيق لطلبت المزيد من الأدلة.