العنوان أعلاه يلخص هويتنا ببساطة. رائد
زعيتر، قاض وابن قاض، في سلالة وظيفية لأكثر المهن حساسية في الأردن. هو
أردني ومؤتمن على الحكم بالقانون على الكافة، لا يشككن أحد في أردنيته ولا أردنية والده ولا أولاده. وهو
فلسطيني قبل أن يعبر إلى الضفة، وبعد أن عبرها شهيدا على يد جندي الاحتلال، ولا يشككن أحد في فلسطينيته ولا فلسطينية والده وأولاده. وكما تشرّفه الهوية الأردنية، تشرّفه كذلك الهوية الفلسطينية، ولا تعارض بينهما؛ بل هما هويتان يجري بينهما نهر من التاريخ والثقافة والمصالح، وترتويان من الماء ذاته.
ولا يشككن أحد في شهادته. قبل التحقيق، وبمعزل عن التفاصيل، فإن المشهد بوضوح ساطع؛ أردني فلسطيني أعزل عاد إلى أرضه، كما هي في التاريخ، وكما هي في القانون الدولي في القرار 242، و"أوسلو"، وخطة كيري وما بينها. والجندي الواقف، بحسب المرجعيات السابقة ذاتها، هو محتل أولا، ومدجج بالسلاح ثانيا، وقاتل ثالثا. هي عملية إعدام تعبر عن كل غطرسة الصهاينة، وعن كل ضعفنا وهواننا.
أكيد أن للشهيد مشكلة عامة مع المحتلين، وقد تكون لديه مشاكل شخصية. لكن ذلك وغيره لا يبرئ جندي احتلال يدنس هذه الأرض منذ العام 1967، لا يحق له مجرد الوقوف عليها ولو من دون سلاح؛ وجوده -مجرد وجوده- على هذا التراب هو احتلال واستفزاز وازدراء لأهل الأرض.
الشهيد جاء من عمان إلى نابلس في حركة طبيعية، تتسق مع الجغرافيا والتاريخ والديموغرافيا. لكن الجندي والجنود الذين أمطروه بالرصاص من أين جاؤوا؛ من روسيا، أثيوبيا، أميركا؟
لُفّ جثمان القاضي زعيتر بالعلم الأردني والعلم الفلسطيني، في تجسيد عفوي للهوية المركبة للشعبين. دماء الشهيد ضخت الحياة حتى في جسم كنا نعتقد أنه ميت، كمجلس النواب؛ وأظهرت هويتنا الأردنية الفلسطينية الواحدة. الغضبة لم تكن في المخيمات أو في الضفة، والثمن المطلوب ليس فلسطينيا؛ المطالبة بالإفراج عن "الأردني" أحمد الدقامسة تؤكد أن الصراع مع الصهيونية هو قضية عربية لا محلية.
الرد لا يكون بغضبة عابرة، وإنما بالحفاظ على وتيرة المواجهة مع العدو الذي احتل أرضا أردنية العام 1967، وصارت فلسطينية العام 1988 بعد فك الارتباط، لكنها لن تكون إسرائيلية بحال. والأهم من ذلك الحفاظ على الهوية العربية في الصراع، والتي يندرج فيها الأردني والفلسطيني. وتلك الهوية ليست موسمية عاطفية، تنتهي بدفن الشهيد، بقدر ما هي واقع معاش.
إن الصهيوني هو المستفيد من صراع الهويات. وقد جاءت الجريمة الإسرائيلية لتذكرنا بأساسيات يحاول العنصريون شطبها من الذاكرة مع كل اختبار سياسي؛ من أوسلو إلى خطة كيري. فالصراع ليس مع الفلسطيني الذي هُجّر من أرضه، سواء في العام 1948 أو العام 1967، بل هو مع المحتل الذي هجّره وطرده. والحل التاريخي هو إنهاء الاحتلال. وحتى يتحقق هذا الحل، تبقى المواطنة الأردنية المظلة التي تستوعب الهوية المركبة للأردني من أصل فلسطيني.
سؤال للتاريخ: لو أن الاحتلال انسحب من جسر الملك حسين ومن نابلس، وقامت دولة فلسطينية عاصمتها القدس، هل يعني ذلك أن يتخلى الشهيد زعيتر وعائلته عن مواطنتهما الأردنية؟ وهل سيمنع احتفاظهما بالجنسية الأردنية قيام الدولة الفلسطينية؟ وهل هما المانع حقا؟ في الذاكرة، استشهد قائد الدبابة الضابط عبداللطيف أبو هلالة كريشان وهو يحاول الدفاع عن نابلس في حرب 1967؛ هل كان يدافع عن أرض أردنية أم فلسطينية؟ هذا الدم، ودم الشهيد زعيتر ودماء من سبقوا، هي الرد على الاحتلال، ومناصريه من العنصريين.