في مقال نشرته صحيفة الغارديان قال أوين جونز حول تحمل
الغرب مسؤولية تدهور الأوضاع في
ليبيا، حيث يبدأ مقاله بقاعدة سوق الخزف التي تقول "إذا كسرت شيئا تدفع ثمنه"، مشيرا إلى أنها قاعدة لا تنطبق فقط على الآنية الخزفية فقط بل على الشعوب والبلدان.
وأشار إلى أنه وقبل غزو العراق قال وزير الخارجية آنذاك، كولن باول، لجورج بوش الإبن "ستفتخر بامتلاكك لـ 25 مليون نسمة ..ستمتلك آمالهم وأحلامهم ومشاكلهم"، ويضيف الكاتب ولكن في الواقع فمع أن هذه التدخلات خلفت بلدانا وشعوبا مدمرة إلا أن الدول الغربية تصرفت كالشخص الذي يكسر شيئا في السوق ويمشي مبتعدا وهو يصفر آملا ألا يكون أحد رأى الدمار الذي تسبب به والمصيبة أن الإعلام الغربي متواطئ مع الحكومات في ذلك.
ولف إلى أن ليبيا مثال واضح على ذلك، فقد صوت مجلس الأمن على حملة جوية لحماية المدنيين ولكن هذه المهمة وسعتها الدول المشاركة والتي كان كثير منها يبيع السلاح لمعمر القذافي قبل ذلك بقليل ليصبح الهدف اسقاط النظام بالرغم من معارضة روسيا، ولكن من يستطيع معارضة الإطاحة بحاكم مجرم؟.
ويقول "اليوم ليبيا التي أصبحت تزخر بالمتطرفين وتعاني من تدهور في وضع حقوق الإنسان وفوضى عارمة بدأت تعدي دولا أخرى بالإضافة إلى الإنقسامات الداخلية المتزايدة وحتى خطر حرب أهلية، ومع هذا فقليل ما تصل أخبار ليبيا إلى العناوين الرئيسية في الأخبار: مثل عندما حجزت سفينة نقل
النفط من قبل المتطرفين وعندما قتل بريطاني عامل في النفط خلال استمتاعه بشطحة وعندما اختطف رئيس الوزراء".
ويشير إلى ما قالته منظمة أمنستي انترناشيونال عن : "إزدياد القيود على حرية التعبير والتي تهدد الحقوق التي سعى الليبيون لكسبها" فقد تم تعديل قانون من عهد القذافي لتجريم كل من يشتم المسؤولين أوالمجلس الوطني العام. وقد حوكم الصحفي عمارة الخطابي بسبب كتابته حول فساد القضاة. وتم منع القنوات الفضائية التي تنتقد النظام وهوجمت إحدى القنوات بالقنابل الصاروخية واغتيل صحفيون.
ويقول إن بعض هذه التجاوزات بدأت في أيام الإضطرابات التي اعقبت مقتل القذافي ولم يأبه بها الغرب ومنذ سقوط الدكتاتور كان هناك تقارير عن تهديدات جماعية لليبيين السود على أساس أنهم كانوا مناصرين للقذافي. ففي تاورغاء تم طرد 35000 شخص كانتقام جماعي لحصار مصراتة ودمرت البلدة وترك سكانها ليعيشوا في ظروف بائسة في مخيم للاجئين في طرابلس، بحسب مؤسسات حقوق الإنسان.
كما تم حجز الآلاف دون أي شكل من أشكال تطبيق القانون واغتيل القضاة والمدعون والمحامون. وقد اغتيل أول مدع عام ليبي بعد سقوط نظام القذافي، عبد العزيز الحصادي، في مدينة درنة الشهر الماضي.
وأضاف أن الميليشيات التي ملأت الفراغ بعد سقوط القذافي هي الأخطر على الأمن وحقوق الإنسان. وقد حذرت هيومان رايتس واتش من "بقاء ليبيا في آخر قائمة الإهتمام الدولي في الوقت الذي انزلقت فيه إلى ما يقارب الفوضى".
وفي محاولة لاستيعاب
المليشيات في مؤسسات الدولة تقوم الحكومة المركزية الضعيفة بدفع رواتب 160 ألف عنصر، بعضهم عناصر في عصابات عنيفة ، بما يعادل 1000 دولار شهريا وتحملهم مسؤولية حفظ الإمن.
ويمضي قائلا "عندما احتجت بنغازي – قلب الثورة - ضد حكم المليشيات في شهر حزيران/ يونيو العام الماضي، قتل 32 شخصا فيما عرف بـ"السبت الأسود". وفي احتجاج آخر في طرابلس في تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي قتل 46 شخصا وجرح 500 آخرون".
ويرى أن "ليبيا بدأت بالتفكك تحت حكم المليشيات. ففي الصيف الماضي قامت قوات بقيادة أحد أمراء الحرب ويدعى إبراهيم الجظران بالسيطرة على موانئ النفط الشرقية مطالبين بالحكم الذاتي والمزيد من الموارد لمنطقة برقة والتي أهملت لزمن طويل.
وتقلص تصدير النفط من 1.5 مليون برميل في اليوم إلى أقل من 500 ألف برميل متسببة بخسائر بمليارات الدولارات للبلاد. ومع أن قوات الجظران لم تحصل على الدعم سوى من المغاربة إلا أن أعراقا أخرى بدأت تنضم إلى الصراع.
وقد وقعت اشتباكات في مدينة الجظران بأجدابيا. وفي صدى مؤلم لما يحدث في العراق انفجرت سيارة مفخخة في قاعدة للجيش في بنغازي لتقتل ثمانية جنود على الأقل واقفل مطار ليبيا الرئيسي يوم الجمعة بعد انفجار قنبلة على المدرج".
ويرى الكاتب أن أكبر مفاسد ما يسمى "الحرب على الإرهاب" هو أنها تسببت بشكل مباشر بانتعاش القوى الإسلامية الأصولية. ولم تكن ليبيا استثناء، "مع ان هذه الحركات لا تحظى بدعم شعبي واسع. وكان الإخوان وعناصر أخرى منظمين أكثر من منافسيهم مما ساعد على عزل رئيس الوزراء والدفع بقوانين وعمل تحالفات مع المليشيات الانتهازية" على حد وصف الكاتب.
ومما يدعو للتشاؤم أن فوضى ليبيا بدأت بالانتشار في المنطقة، والبلد فيها 15 مليون بندقية بالإضافة إلى أسلحة أخرى وقال تقرير صادر عن لجنة خبراء في الأمم المتحدة "إن ليبيا أصبحت مصدرا رئيسيا لبيع وشراء الأسلحة بشكل غير قانوني". وهذه الأسلحة تغذي الصراعات في 14 دولة بما في ذلك الصومال وأفريقيا الوسطى ونيجيريا والنيجر.
وفيما يبدو انجرارا تدريجيا بدأت الولايات المتحدة بإرسال عدد من جنودها إلى طرابلس لتدريب الجيش الليبي، ومع ذلك "فمستقبل مستقر لليبيا يبدو بعيد المنال مهما كان صراع البلد غائبا عن العناوين الرئيسية، فالبلد تنقسم على كل الخطوط التي يمكن تصورها سواء الخطوط الإثنية او القبلية أو المناطقية أو السياسية، ومعظم الليبيون لم يسجلوا أسماءهم في سجل الانتخابات القادمة".
ويختم بالقول "هناك احتمال كبير في أن تقع البلاد في حرب أهلية و تتجزأ، وما لم يتم التفاوض والاتفاق على المشاكل المختلفة فإن ليبيا منحدرة باتجاه الدمار ويمكن جر المنطقة بأسرها الى المستنقع".
و"لا غرابة إذن أن الحكومات الغربية والصحفيين الذين أيدوا التدخل صامتون، ولكن هذه هي نتائج حربهم وعليهم أن يتحملوا المسؤولية".