ازدهرت "حرب البيانات" في حملة دعائية فريدة من نوعها لانتخابات الرئاسة بالجزائر المعلن إجراؤها يوم 17 نيسان/ إبريل الجاري، وتحول التباري بالبرامج والأطروحات والأفكار والمشاريع، إلى التراشق بالشتائم، بين مترشحين ومقاطعين، وبين من تبعهم في التوجهات، بشكل أفقد الحملة بريقها السياسي، في ظل مشهد ما زال الرئيس المترشح فيه يصنع غيابه الحدث، إذ إنه لم يوجه أي كلمة، لا للشعب ولا لأنصاره.
ولم تتسم الحملة الدعائية لانتخابات الرئاسة بالجزائر التي بدأت يوم 23 آذار/ مارس المنقضي، بالركود فحسب، ولكن منشطيها من المترشحين، تحولوا من إلقاء الخطب الدعائية في قاعات تجمعات فارغة بالمحافظات، إلى "تنابز" سياسي فيما بينهم، وشخصي أحيانا، وسجلت هذه الظاهرة مع بداية الأسبوع الثاني من الحملة التي شارفت على يومها العاشر، الأربعاء.
وانتقد النائب، وعضو لجنة الدفاع الوطني بالبرلمان، الإسلامي حسن عريبي، الأربعاء، بشدة، المترشحة اليسارية، رئيسة حزب "العمال" لويزة حنون، وقال إنها "أبرمت صفقة مع النظام لدعم الولاية الرابعة للرئيس المترشح المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة".
وقال عريبي الذي ينتمي إلى "جبهة العدالة والتنمية" المعارضة في بيان، الأربعاء، إن "صفقتها مع النظام القائم وتزكيتها العهدة الرابعة باتت مكشوفة؛ أرنب في سباق معروف النتائج مسبقا مقابل بعض الوزارات أو البعثات والسفارات، بل ولتحقيق ما قاله الرئيس بوتفليقة لها ذات يوم بأنه لا يمانع أن يراها رئيسة للبلد".
واتهم عريبي، المترشحة حنون، بالتهجم على الإسلاميين، قائلا "إنه بعد العشريتين اللتين قضتهما التروتسكية لويزة حنون في التظاهر بالدفاع عن المظلومين وعلى رأسهم أتباع الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وبعد أن تحصلت منهم على تزكية، هاهي الآن تطعنهم من الخلف، وباتت تسطر لنفسها طريقا واضحا في التنفير من الإسلام والاستهزاء به".
وكان عريبي، يرد على خطابات المترشحة حنون في إطار حملة دعائية انتخابية، انتقدت فيها مقاطعي
الانتخابات بشدة.
وفهم الإسلاميون أنهم المستهدفون بخطاباتها، طالما أنهم التيار الأول والأكبر من حيث الوعاء الانتخابي، والذي أعلن مقاطعته انتخابات الرئاسة.
لكن جلول جودي، مدير الحملة الدعائية للمترشحة حنون، ينفي أن تكون مرشحة الحزب استهدفت الإسلاميين والإسلام في حملتها، وقال في تصريح لـ"عربي21" إنه "بالعكس، نحن لم نستهدف الإسلاميين ولا الإسلام، بل دعونا للحفاظ عليه من خلال إبعاده عن السياسة".
وفندت الأربعاء، "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة، في بيان أن يكون وقع خلاف بين قياداتها حول بيان مقاطعة انتخابات الرئاسة المتخذ من جانبها، كما كذبت "الافتراءات في قراءات البعض للبيان المعلن للمقاطعة".
وكانت أطراف مؤسسة للجبهة الإسلامية، وسبق أن تبرأت منهم، أعلنت في بيان أمس (الثلاثاء)، الفاتح من نيسان/ إبريل، أنها لا تقاطع انتخابات الرئاسة، وقال البيان الذي وقعه كل من الشيخ عبد الله حموش والشيخ حسان الشاوي، وهما مؤسسان وعضوان في مجلس الشورى للجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة، إن "البرنامج الانتخابي للمرشح علي بن فليس، مشروع سياسي كبير يؤسس لدولة كبيرة وحديثة، دولة العدل والحق والنهضة والاستقرار".
وأضاف المعنيان أن "مشروع بن فليس اعتنى بالجانب الروحي للإنسان والمادي له". كما جاء في البيان أن "الشعب
الجزائري يمر بظرف عصيب وخطير، جعله في حيرة من أمره حول المترشح الذي يُمكن التصويت عليه، إلا أن القيام بهذا الواجب أمر ضروري لاستكمال مسيرة شعب والحفاظ على استقرار وطن".
لكن
جبهة الإنقاذ قالت في البيان "التوضيحي"، الأربعاء، الذي وقعه نائب رئيسها، علي بلحاج، إن قرار المقاطعة "هو موقف خلصت إليه بعد شورى موسّعة واستشارة واسعة من طرف قيادات تاريخية مؤسّسة وأعضاء في مجلس شوراها وثلّة من إطاراتها، ممّن ثبتوا على خطّها الأصيل ولم يبدّلوا أو يغيّروا وما منهم من أحد إلا وتعرّض للسجن والتعذيب والتنكيل والمطاردة، وما زالوا إلى يوم النّاس هذا ملاحقين وممنوعين من ممارسة حقوقهم السياسية والمدنية ولم يتخلّوا عنها في أحلك المواطن".
ونفى بلحاج أن يكون بيان المقاطعة استهدف به المترشح بن فليس، موضحا أنه "قرأ البعض الموقف بسوء فهم وتحريف للكلام عن مواضعه، على أنّه ضرب لموقف المرشّحين الآخرين ومن بينهم المرشّح الأوفر حظّا (بن فليس)، لمقارعة مرشّح بطانة السوء التي استحوذت على رئيس الجمهورية المغيّب قهرا لغيابه عن الوعي".
وخارج سوء الفهم بين قيادات الجبهة، حدث تحول في أسلوب التعاطي السياسي في حملة الدعاية الانتخابية، منذ دخول الحملة أسبوعها الثاني، من "جدال سياسي" حول عدد من ملفات الساعة، وسط عزوف غير مسبوق للمواطنين عن قاعات التجمعات، إلى عراك خارج الأطر السياسية، بين المترشحين وممثليهم وبين المشاركين بالانتخابات والمقاطعين.
فقد وصف عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم الإخوانية، في بيان الأسبوع الماضي، المترشحة لويزة حنون بـ"القبيحة" التي "أبرمت صفقة مع النظام"، بينما رد قيادي في حزب العمال ممثلا عن المترشحة، على مقري بوصفه "المراهق السياسي". وقال جودي الأربعاء: "سنقاضي عبد الرزاق مقري مباشرة بعد الانتخابات بتهمة التحرش الجنسي"، بينما قالت قيادة حركة مقري إنها بدورها تحضر لمقاضاة المترشحة لويزة حنون.
وبالنسبة للاتهامات الجديدة التي ذكرها حسن عريبي، أفاد مدير حملة المترشحة، جلول جودي بأن" للمعني مشكلة مع النساء، فهو يكره النساء، وأقول له: كيف كنت تساند المترشح بن فليس وأنت تنتمي إلى حزب مقاطع لانتخابات الرئاسة؟".
وبلغت حرب البيانات أوجها، خاصة بين ممثلي مديرية الحملة الانتخابية للرئيس المترشح، عبد العزيز بوتفليقة ومديرية خصمه اللدود علي بن فليس، حيث يتقاذف الطرفان التهم بخصوص تجاوزات وخروق قانونية في حملة الدعاية الانتخابية.
وقد تبرأ المترشح علي بن فليس الأربعاء، من تصريحات مترشح سابق أسقط من قائمة الترشيحات من قبل المجلس الدستوري، بسبب إرساله رسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الذي يزور الجزائر اليوم (الأربعاء)، ورسالة أخرى إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، استعرض فيهما الوضع السياسي في البلاد، وفهم من الرسالتين أنهما يحملان دعوة للتدخل الأجنبي في الجزائر.
ويتعلق الأمر بالمرشح علي بنواري وهو وزير سابق، وقال بن فليس في بيان الأربعاء إن" بن نواري صرح بدعمه لمشروع التجديد الوطني الذي يتبناه المترشح الحر علي بن فليس على غرار الكثير من المترشحين، لكن ما يقوم به من مبادرات تلزمه هو فقط".
وقال الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، أبو جرة السلطاني في بيان، الأربعاء، "إنني مقتنع إلى حدّ الإشباع بأن الشعب الجزائري، لن يقبل بأي شكل من أشكال التدخل الأجنبي، ويرفض رفضا مطلقا الوصاية على حاضره ومستقبل الأجيال، وهو مستعد أن يضحي بالغالي والنفيس لتبقى الجزائر فوق الرؤوس والرؤساء، إلاّ أنني مدرك كذلك أن سياسة الاحتكار والفساد والبيروقراطية واللاعقاب.. صارت ممارسات مستفزة للمشاعر ومغذية لعواطف الثورة".