بدأت صباح الأربعاء عملية خروج المقاتلين والمدنيين المحاصرين في أحياء
حمص القديمة منذ أكثر من عامين، وذلك ضمن اتفاق بإشراف إيران والأمم المتحدة وبضمانة من "الجبهة الإسلامية".
وينص الاتفاق على
انسحاب المقاتلين مع أسلحتهم الفردية إلى ريف حمص الشمالي، مقابل إفراج الثوار عن 70 أسيرا بينهم إيرانيون؛ والسماح بإدخال الإمدادات الغذائية إلى بلدتي نبل والزهراء المحاصرتين في ريف حلب.
وتضمنت الدفعة الأولى التي خرجت من حمص نحو 120 شخصا، حيث نقلتهم ثلاث حافلات وصلت بالفعل إلى الريف الشمالي.
ومن المنتظر أن يخرج ضمن إطار الصفقة نحو 2400 مقاتل إضافة إلى 600 مدني. كما تشمل الصفقة إخراج الجرحى في سيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر السوري.
وقال مطلعون على الاتفاق الذي بدأ تنفيذه صباح الأربعاء؛ إنه ينقسم إلى مرحلتين، تشمل الأولى تسليم الجبهة الإسلامية التي كانت طرفا ضامنا في الاتفاق؛ 40 أسيرا من قوات النظام السوري في اللاذقية، والسماح بإدخال إمدادات غذائية إلى نُبّل والزهراء الشيعيتين المواليتين للنظام في ريف حلب مقابل خروج 1200 مقاتل من حمص.
وفي المرحلة الثانية تطلق الجبهة الإسلامية في حلب سراح 30 أسيرا بينهم إيرانيون مقابل خروج بقية الثوار من حمص القديمة.
ورغم الحصار الخانق، تمكن الثوار من الصمود داخل الأحياء المحاصرة رغم نقص إمدادات السلاح والغذاء.
وقال الناشط أبو الحارث الخالدي لوكالة فرانس برس عبر الانترنت: "خرجت ثلاث حافلات تحمل على متنها 120 شخصا من احياء حمص القديمة"، مشيرا الى ان هؤلاء هم "من المدنيين والمقاتلين المصابين وغير المصابين"، وان العملية بدأت الساعة العاشرة صباحا (0700 تغ). وأضاف ان هؤلاء "يتوجهون الى بلدة الدار الكبيرة" في الريف الشمالي لحمص، على بعد نحو 20 كلم من المدينة.
وبث ناشطون معارضون شريطا مصورا لبدء عملية الخروج. ويظهر في الشريط عدد من الرجال، بعضهم ملثم، وهم يصعدون على متن حافلتين خضراويين. وحمل بعضهم حقائب على ظهورهم. وبدت في الشريط حافلة ثالثة، إضافة الى سيارتين رباعيتي الدفع وسيارات للأمم المتحدة. ويسمع المصور وهو يقول "لحظة ركوب المقاتلين الحافلات ليخرجوا من الاحياء المحاصرة". وبدا في التسجيل أيضا عناصر من الشرطة المسلحين وبلباسهم الرسمي.
وتحدث محافظ حمص طلال البرازي لوكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) عن "بدء خروج مسلحي حمص القديمة"، مشيرا إلى أن وحدات من القوات النظامية ستقوم بعد إتمام عملية الخروج "بعملية التفتيش وتفكيك العبوات الناسفة والألغام وإزالة السواتر الترابية".
وأضاف: "بالتزامن مع عملية خروج المسلحين من المرجح ان تبدأ عملية التسوية والمصالحة لجعل مدينة حمص خالية من السلاح والمسلحين".
ولا يشمل الاتفاق حي الوعر الذي يسيطر عليه الثوار في مدينة حمص. ويقع الحي الذي يقطنه عشرات الآلاف غالبيتهم من النازحين من أحياء اخرى، في جوار أحياء حمص القديمة.
ونقل ناشطون ألما في صفوف المقاتلين الذين غادروا المدينة. وقال ناشط في بلدة تيرمعلة في ريف حمص التي انتقل اليها بعض المقاتلين الذين خرجوا من حمص، ان هؤلاء "جائعون" و"يشعرون بالغصة".
وقال وائل لفرانس برس عبر الانترنت: "هم جائعون جدا. سألت احدهم عن شعوره، فنظر الي دامعا وقال: أشعر بالجوع والغصة لمفارقة حمص".
ونقل الناشط عن المقاتل قوله: "أحسست ان روحي خرجت من جسدي وأنا أنظر الى حمص أثناء مغادرتها".
وفي المقابل، خرج جموع لاستقبال المقاتلين في ريف حمص الشمالي، فيما تحدث عدد من المقاتلين عن تصميمهم على العودة إلى حمص. وقال أحدهم إن خروجهم "كان مشرفا"، مضيفا: "خرجنا مرفوعي الرأس".
وتحاصر قوات النظام منذ أكثر من 22 شهراً 13 حياً في مدينة حمص، يسيطر عليها الثوار، وبدأت تلك القوات حملة عسكرية جديدة لاقتحامها نيسان/ أبريل الماضي، ونجحت في التقدم بشكل محدود فيها.
وفي حال خلو المدينة من الثوار، سيكون الجزء الأكبر من محافظة حمص بات تحت سيطرة قوات، باستثناء بعض المعاقل في الريف الشمالي مثل تلبيسة والرستن.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن مقاتلي المعارضة فتحوا الطرق ليسمحوا بدخول المساعدات الى بلدتي نبل والزهراء بالتزامن مع ركوب المقاتلين المنسحبين من حمص أول الحافلات.
وقبل بدء عمليات الانسحاب، قام فريق من الأمم المتحدة باستكشاف الطريق الذي يسلكه المقاتلون المنسحبون إلى الريف الشمالي، وتحديدا إلى بلدة الدارة الكبيرة التي انسحب إليها المقاتلون مع أسلحتهم الفردية.
ولحمص، أكبر محافظة سورية من حيث المساحة، أهمية استراتيجية كونها تتوسط البلاد وتشكل عقدة طرق بين أنحائها، كما أنها صلة الوصل بين منطقة الساحل التي ينحدر منها بشار
الأسد ومركز ثقله الطائفي، مع العاصمة دمشق.
ويقول معارضون إنه من دون حمص لا يستطيع النظام إعلان دويلة "علوية" له، ضمن أي سيناريو محتمل لتقسيم البلاد على أساس طائفي، أو في حال فشله في بسط سيطرته مرة أخرى على كامل أنحاء البلاد.