كتاب عربي 21

بيان القاهرة .. شرخ في جدار الخوف

1300x600
من داخل القاهرة، يأتي بيان ثوري، قل ما تشاء عن تفاصيله، ارفض أو ارفض، أو اقبل إن استطعت، لكن علينا أن نعترف جميعا أننا أمام خطوة ليست بالهينة، في جمهورية الخوف كل شيء يحيط به الرصاص والقضبان، الانتخابات مسلحة، أصحاب الرأي: منهم من قضى سجنه ومنهم من ينتظر،  وأغلبهم بدلوا تبديلا، حتى احتقار المصريين لانتخابات العسكر ومكوثهم في بيوتهم، لم يسلم من التجريح في وطنيتهم بالجملة، وإخضاعهم لشروط إذعان غير مسبوقة: وجودك ومصريتك وشرفك وكونك من بني آدم مرتبط بنزولك، مجرد النزول والوقوف في الطوابير، وإن أبطلت صوتك، امنحنا أي شيء نثبت به للعالم أن شيئا ما يحدث هنا، أنزل وإلا سنحولك إلى النيابة ونخصم من حليب أطفالك 500 جنيه، رزقك أمام صوتك، صوتك أو النيابة.. وهذه هي انتخاباتنا "الديموقراطية".

في هذه الأجواء يصدر بيان القاهرة، 3 ثوار، قل مجانين، قل ما شئت، لكنهم 3 رجال تجاوزوا كل هذا، وأصدروا بيانهم: حي على الحوار، ما زال أمامنا فرصة، البيان عند الفصائل الثورية موضوع للمناقشة، أو عدم الالتفات ربما لأن من أصدروه ليسوا من أصدقائنا، ولماذا هم وليس نحن، ومن يدرينا أن الإخوان لا يختبئون في أي مكان هنا أو هناك، لكنه عند خصوم ثورتهم ضوء في وجه لص ما زال في مرحلة التسلل، أوصال الأثير الفلولي مرئي ومسموع أصابتها الرجفة، يحسبون كل صيحة عليهم، جرى استدعاء مخبري الانقلاب من الثوار المتقاعدين، بالإضافة إلى المتطوعين من فلول مبارك، وصلة "ردح" لا تخلو من اهتزاز في أحبال التعبير، واختناق في رئتي اللياقة، شتائم بالأب والأم،  وتخوين، واتهامات ليس أقلها الأخونة وليس أقذرها الخيانة والتمويل الخارجي، كلام ما زال على ورق ينتظر من يجرؤ على التوقيع والمشاركة في مناخ من الرعب الذي طال الجميع فحاصر نضالهم خلف لوحات مفاتيحهم الإلكترونية، ومع هذا يُحدث كل هذا "السيبان" في المفاصل، ليسوا إعلام ساذج كما يتصور البعض، لكنهم خائفون كما ينبغي لمثلهم، فيما نحن مترددون كما لا ينبغي لمثلنا، ما زالت يناير هي الشرعية الوحيدة التي تستحق ألف ولام العهد.. ما زلنا هنا.

بيان القاهرة يدعو كافة الأطراف، لا إلى التوقف عن الخلاف، بل إلى ممارسته وفق نظام يضمن فاعليته، مجرد جلوس الأطراف إلى مائدة الحوار يحمل قدرا من التحقق يخشاه كل من أنفق مليارات من المال السياسي الحرام كي يحول دون مجرد التفكير في محاولة كهذه..

إحدى المذيعات فقدت أعصابها ومزقت البيان في حالة هيستريا متقدمة، فيما حاول أحدهم أن يبدوا رصينا فامتدح العلاقة الإنسانية بينه وبين أحد أطراف البيان حتى إذا بدأ الحوار، وظهر الطرف الآخر لثوان على الهاتف، انتظره حتى غادر، خشية، واندفع في هياج يسبه ويسب عائلته و"اللي خلفوه" في مشهد شديد الابتذال يكشف إلى أي مدى فقد المشاركون في جريمة عودة الدولة العسكرية كل ما تبقى لهم من ضبط للنفس وباتوا يحلمون بهذا اليوم الذي يتلوث فيه الجميع كي لا يذكرهم أحد بحجم جريمتهم .. مجرد وجودنا كابوس يملأ عليهم حيواتهم الرخصية.

نحن نريد كل شيء، أو لا شيء على الإطلاق، نريد اللعنة فورا أو البركة فورا، وهذا أحد عيوب التعاطي الثوري الراهن، يحدث هذا تحت دعاوى النقاء الثوري، ودماء الشهداء التي تستحق أن نخاصم من أجلها الجميع، هي عند خصومنا أيضا وسيلة لتبرير الاستحقاق الانتخابي، اشتراطات عبثية بضرورة إقصاء الإسلاميين قبل أي حوار، وحتمية إقصاء العلمانيين عند الطرف الآخر، وقدسية كراهية كل من فعل كذا، وتخوين كل من برر كذا، وتكفير كل من قال بكذا وكذا، وهلم جرا... 

يمكننا أن نتجاوز، فقط إذا أدركنا كم نحن قادرون على أن نعود بالمنجز إلى لحظة النشوة الأولى في 11 فبراير، مع فارق تجاربنا في 3 سنوات، ذلك الذي سيدفع إلى مسار مختلف، أكثر نضجا، وخبرة، وثورية، فقط علينا أن نتجرع السم الذي يشفي بما يحمل من مرارة، فلن تأتينا الثورة على كأس من الفواكه الشهية، ولن تأتينا أصلا، نحن من يتوجب عليه الذهاب، وتسديد الفاتورة كاملة.
أدعم بيان القاهرة، من منطلق الإحساس بالمسؤولية، وأعرف أنه ليس الخطوة النهائية، وأن أمامنا بعض الوقت لتجاوز أخطاء المرحلة السابقة، واحباطاتها، لكنني أعرف أيضا أن حاجتنا إلى التجاوز وقدرتنا الأكيدة على فعله تستحق المحاولة.