دعا رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، ريتشارد هاس في مقال نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" إدارة الرئيس باراك أوباما، إلى إعادة النظر في سياستها وبناء واحدة تقوم على الظروف المحلية لا على الجداول الزمنية.
وجاء في المقال "بعد مرور قرن على ترسيم خارطة
الشرق الأوسط التي قام بها وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا، فإن المنطقة التي ساعدا على خلقها ينفرط عقدها كل ساعة. وأصبحت المخاطر كبيرة مع التهديد باندلاع حروب سياسية دينية طويلة، داخل وعبر الحدود التي يشارك فيها لاعبون محليون وأجانب".
ويرى الكاتب أن هناك عدة أسباب قادته لهذه النقطة، واحد منها قرار
الولايات المتحدة عام 2003، للإطاحة بنظام صدام حسين في
العراق، وما تبع ذلك من سياسات أكدت على الهويات الطائفية بدلا من الوطنية. وقد أدى هذا لترك المنطقة ساحة لعب لإيران التي تصرفت بدون ضوابط على تصرفاتها، وعملت على دعم الفصائل الشيعية في العراق، الذي كان حتى تلك اللحظة منافسها الرئيس في المنطقة وخارجها.
ولم يستثن الكاتب إدارة الرئيس أوباما من المسؤولية عن هذا الوضع، "فبعد أن ورثت عراقا في وضع جيد، وهذا يعود للدفع بقوات جديدة قامت بها إدارة بوش، كان من الواجب عليها الدفع ببقاء قوات أمريكية أو قوات دولية في العراق، وكان وجود قوات كهذه عاملا في التخفيف من التنافسات المحلية، ساعد على تدريب القوات العراقية".
وكان بإمكان الرئيس عمل شيء أكثر في الجارة سوريا، بعد أن قرر أن نظام بشار الأسد يجب أن يرحل، "فعدم التحرك ضد الأسد مباشرة عندما استخدم الأسلحة الكيماوية في وقت لم يدعم فيه المعارضة غير المتطرفة كذلك، خلق فراغا ملأه وبشكل متزايد الراديكاليون الجهاديون مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (
داعش)".
ولا يمكن للعراق الهرب من المسؤولية، فقد حكم رئيس الوزراء نوري المالكي عبر رؤية طائفية ضيقة، "وليس غريبا أن تنهار قوات الجيش الوطني عند أول مواجهة عسكرية مع العدو، لأن الولاء للحكومة ضعيف، فالعراقيون ينظرون لأنفسهم عبر المفهوم الديني والقبلي أو الإثني أكثر من كونهم مواطنين في البلد".
والسؤال هو: ما الذي يمكن عمله؟ في إشارة إلى أن هناك دعوات لضرب "داعش" مباشرة أو إلى زيادة الدعم للحكومة العراقية أو القيام بالاثنين معا.
ويرى الكاتب أن أفعالا كهذه قد تبطئ من تقدم "داعش"، لكن من الواضح أنها ستترك تغييرا حاسما أو دائما "فلا مساعدة خارجية يمكن أن تكون بديلا عن حكومة تتصرف بطريقة تجعل كل العراقيين مستعدين للقتال من أجلها".
وعليه فإن من المحتمل أن الأمر هو مسألة وقت قبل أن نشهد تفككا للعراق إلى الجنوب الذي تسيطر عليه إيران، ومنطقة الأكراد المستقلة في الشمال والمنطقة الواقعة شمال- غرب بغداد التي تتنافس عليها "داعش" والحكومة المدعومة من إيران في بغداد.
ويرى الكاتب أن تحركات الولايات المتحدة في هذا السيناريو قد تشمل بعض الدعم للحكومة العراقية إن قامت بتوسيع ذا معنى للقاعدة السياسية. وكخيار بديل قد تقوم الولايات المتحدة بحملة لمكافحة
الإرهاب وهجمات.
ويدعو الكاتب الولايات المتحدة إلى التحرك لتعزيز منطقة الأكراد، وربما ربط الدعم بتعهدات من الأكراد بعدم توسيع مناطقهم المستقلة فعليا أبعد من حدود العراق لئلا تنضم تركيا وغيرها للمعمعمة.
وسيؤدي كل ذلك إلى وضع غير مريح يضع الولايات المتحدة في نفس الجانب مع إيران في داخل العراق، حتى وإن عارضت أمريكا إيران في سوريا ضد القوى نفسها.
وفي حالة قرر الرئيس التدخل عسكريا، فسيكون في وضع غير مريح، خاصة أنه حاول تطمين الرأي العام الأمريكي بأن لا رغبة لديه بالتورط أكبر في منطقة الشرق الأوسط.
ويرى الكاتب أنه "مهما كانت السياسات فلا يمكن للولايات المتحدة وشركائها تحديد جهودهم في العراق، ويمكن تقديم دعم ذي معنى للقوى غير الجهادية المعادية للنظام في سوريا، ما يجعل من الصعوبة بمكان لـ"داعش" التركيز على العراق، كما أنه يجب تقديم دعم اقتصادي أكثر للأردن كي يتحمل عبء ملايين اللاجئين السوريين".
وتحتاج الإدارة لإعادة النظر في قرارها بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان في نهاية عام 2016. وقد كان خطأ ولا يزال، بناء السياسة على جداول زمنية وليس تبعا للظروف المحلية. وكان خطأ اتخاذ قرارات من طرف واحد بدلا من التشاور مع الحكومة في كابول؛ فالخطر هو أن تمضي أفغانستان بنفس الطريق الذي يذهب إليه العراق، ما سيكون مردوده سيئا، ليس على البلد ولكن على الجيران، خاصة الباكستان – البلد النووي والمليء بالإرهابيين.
و يضيف "هناك نقاش يدعو للحديث مع دول معينة، هي: تركيا والسعودية والإمارات العربية المتحدة وكل من إيران وروسيا. فقد حان الوقت لكي يتم التعامل مع "داعش" أكثر من الأسد كأهم تهديد للمصالح الغربية. وما هو مؤكد أن الشرق الأوسط القديم يتفكك، والسؤال هو عن الذي سيحل مكانه".