إن معادلة
المقاومة تعني ضمن ما تعني تفاعل الإرادة والقدرة والقرار فتحدث تأثيرا نوعيا لا يمكن بأي حال إنكاره أو القفز عليه، وفي هذا السياق تبدو لنا المقاومة بمقاييسها وموازينها تختلف عن عمليات المساومة والحسابات السياسية وممارسات
المقاولة والاتفاقيات المادية، تعبر المقاومة في ذلك عن تلك القرارات المشفوعة بأعمال المقاومة على الأرض بما تحمله من مكنونات الإرادة وإمكانات القدرة وصلابة القرار والتأكيد على أرضية الاختيار وتحديد المصير والمسار، المقاومة بذلك عمل في غاية الأهمية بموازين التأثير الحضاري والمعنوي وليس فقط بمعايير المقاييس المادية، المقاومة بهذا المعنى إنما تشكل ذلك الإحساس بالعزة، هذا الإحساس بالعزة لا يعرفه محترفو المهانة والمذلة.
وفي هذا المقام فإن موازين
غزة العزة بما تعبر عن معادلة المقاومة على الرغم من وجود وسط إقليمي غير موات وعدو يستخدم كل أسلحته المجرمة والمحرمة الذى لا يرعى إلا ولا ذمة يقوم بالإسراف في قتل المدنيين واستهدافهم بشكل مباشر في مذابح متتالية في محاولة منه لفك ارتباط المقاومة بمحضنها الطبيعي وظهيرها الشعبي، حينما نتحدث عن غزة فإن الإطار الإقليمي لا يزال يقوم بأدوارغير مواتية لمعادلة المقاومة في إطار يتراوح ما بين خطاب الغطاء بالشجب والاستنكار وما بين التواطؤ والمساومة في الموقف والقرار، ومن هنا تبدو معادلة المقاومة عند البعض ممن يجيدون لغة الاستسلام وتبريرها وكأنها تفقد ميزان القوى وتكافؤها ولكنها في حقيقة الأمر لازالت تملك ميزان القرار والخيار، ميزان المصير والاصرار.
القضية إذا في معادلة الإرادة هي في التأثير المتراكم والنافذ الذي يحقق الغرض والمقصود حتى ولو كانت مصادر القوة ضئيلة، إن إرادة كبيرة مع قوة قليلة تحقق الأثر الكبير وإن إرادة عليلة مع أسلحة فتاكة كثيرة لا يمكنها أن تحقق الغرض في الإرعاب والترويع، إن دعاوى الخطاب التي تتحدث عما تسميه "بمب العيد" أو "صواريخ لا تؤثر ولا ترهب" وخطاب مصاحب يحاول أن يبرر القتل من الكيان الصهيوني من أي طريق ويؤكد مسئولية الضحية بدلا من الحديث عن الجاني وممارساته المجرمة واغتصاباته المتكررة فيؤكدون أن حسابات موازين القوى تجعل المعركة بين المقاومة وبين الكيان الصهيوني لا تتسم بأي قدر من التكافؤ في السلاح وفي القوة لكنها في حقيقة الأمر تتغاضى وتتناسى عن معادلات الإرادة والعزة، "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة".
هذه المعادلة التي نتحدث عنها إنما تؤكد على خطاب يجب أن ينهض به الناهضون هو خطاب العزة الذي يشير إلى كيف أن استهداف المقاومة لخصومها يأتي بحصيلة من جنود إسرائيليين، وأن حصاد الإجرام الإسرائيلي لا يأتي إلا على ضحايا من المدنيين؛ من الأطفال والنساء والشيوخ في تعمد خطير، بل واستهداف المستشفيات والطواقم الطبية والإسعافية، وهاهو خطاب الغرب الذي ينتفض من أجل جنود الجيش الصهيوني الغاصب بينما لا يرمش له جفن ولا تهتز له شعرة لهذا الجرم الخطير الذي يرتكب في حق إنسان غزة، وهذا الخطاب الذي قد يشيع هنا أو هناك لطمته أفعال المقاومة الحقيقية على الأرض بقتل جنود الجيش الإسرائيلي الذين قرروا الذهاب إلى غزة في نزهتهم البرية فإذا بها تتحول إلى جحيم حقيقي تقتل فيه المقاومة حوالى ثلاثين جنديا وتأسرا واحدا منهم فتشكل بهذه اللطمة عملا مقاوما في إطار إرادة العزة حينما تنتفض غزة، وتقدم درسا لا ينساه الغاصب الصهيوني ليعرف أن المقاومة الصابرة في معنوياتها الحاضرة وقتالها القادر على مواجهة قوة العدو الفاجرة فإنها بذلك تحول معنى الانتصار إلى حقيقة ممكنة وانكسار العدو واندحاره من الأمور الواردة.
ومن هنا تبدو تلك المبادرات التي برزت من أجل إنقاذ إسرائيل سواء من المنظومة الانقلابية أو من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب إنما تشكل محاولة للتوهين والتخذيل لقوى المقاومة حينما تعرض وهم التهدئة في مقابل التهدئة، معادلة المقاومة الآن تجعل بما تحركه معاني العيش بكرامة وعزة في إطار رفع الحصار الفاجر الذي تمارسه قوى إقليمية بتواطؤ غربي فتجعل من حصار غزة حالة من حالات العقاب الجماعي حتى تصل إلى حال توهين الإرادة وإضعافها وإنكسار القدرة وحصارها، ومن ثم نرى من بعيد هذا الالتئام الحادث بين الشعب الفلسطيني حينما خرج محتفلا بمقاومته لأسرها أحد جنود العدو الصهيوني لتؤكد بذلك مقاومة مضافة وظهيرا مساندا يقف في وجه التواطؤ الدولى والمؤامرة الخسيسة .
وها هي مجزة الشجاعية وخان يونس شاهدا على الكيان الصهيونى وإجرامه والتي قتل فيها العدو الأطفال والنساء والشيوخ فلا نرى أي خطاب دولي يدين ولا نرى أي خطاب إقليمي يشجب ،يتوارى كل هؤلاء فلا نجد لهم صوتا ولكنهم يملأون الدنيا ضجيجا بالنعي على المقاومة وأنها لم تقبل الهزيمة حينما لم تمتثل لشروط المبادرة ،ولم تدخل ساحة المساومة ولم ترضخ لمنطق المقاولة ، كان الرد عظيما ومفاجئا تُوج بأسر الجندي الإسرائيلي الذى سيحرر ألفا بل آلاف ، وإن عهد الجبناء من جنود الكيان الصهيونى أن يضربوا بترسانة أسلحتهم من الجو والفضاء ولكنهم يخافون الالتحام لأن المقاومة تنتظرهم في كمائن الخفاء.
إن معادلة الإرادة والتعبير عنها والقدرة على مواجهة العدو حتى وإن كان طاغيا مجرما فإن الروح الجمعية فى غزة إنما يشكل طاقة مقاومة حقيقية تعبر في انتصارها عن معاني التحدي وليست تلك الحسابات المادية ومن هنا فإن خطاب هؤلاء الذين يتحدثون عن صواريخ المقاومة ويهونون من شأنها أو أثارها إنما يحاولون بذلك أن يخذلوا من النفوس الحاملة لها والمطلقة لصواريخها من قواعدها، ومن ثم يبدو الأمر وكأن أدوات المقاومة تلك لا طائل من ورائها ، إلا أن الإرادة حينما تحمل السلاح حتى لو كان ضعيفا فإنها تضاعف من قوته وتراكم من آثاره وتعظم من مآلاته، وعلى هذا تكون تلك الصواريخ أكثر أثرا حينما تفت في عضد الغاصبين للأرض في الكيان الصهيوني أكثر من تلك الصواريخ الجوية التي تدك بها إسرائيل المباني وتفتك بإنسان غزة.
أذكر البعض بمعادلة تقفز إلى الذهن في تعامل العزة والوهن، لا أدرى لماذا قفزت إلى التفكير وأنا أخط هذه الكلمات أن استرجعت "ملف الأسرى المصريين" الذين قتلوا بعد حرب يونيو 1967م وكيف قتلهم الصهاينة بدم بارد ورغم وجود معلومات واضحة وفاضحة حول ذلك الملف إلا أن من يريد ألا يحركه للأسف الشديد هو من بني جلدتنا يهون ويخفي ويزور وفي كل مرة لا يتحرك لفتح هذا الملف إنني أطالب بمحاكمة كل وزراء الخارجية المصريين والسلطات التى يمثلونها ولم يطالبوا بدماء الأسرى المصريين خاصة حينما افتتح هذا الملف في عهد مبارك اللعين وعهود تدعي مواجهة المقاومة ولكنها في حقيقة الأمر تشكل حالة من الانبطاح المهين.
أقول لأصحاب معادلات الوهن: "غزة لا تموت"، وقصص المقاومة تؤشر على معنى العزة والمواجهة والقصص التي تتعلق بغزة لم تعد فقط مريرة ولكنها تحولت إلى قصص خيانة لضمير هذه الأمة وقضية فلسطين، والتي ادعى كل نظام وصلا بها وهو يحاول في الخفاء أن يهدم المقاومين، ستظل الأنظمة تعمل في الخفاء ضمن مساومات ومقاولات، وستظل الشعوب ـ إلا فيما ندر ـ تؤكد على حقيقة المقاومة والمواجهة، بين مساحات التنازلات والتواطؤ والمؤامرات وساحات وموازيين العزة والمقاومة نقول بأعلى صوت أيها المتأمرون، أيها المتخاذلون، أيها المخذلون، أيها المرجفون، أيها المنبطحون الخانعون، أيها المزورون؛ غزة تقاوم ، غزة لن تموت، غزة ستنتصر؛ هذه معادلات العزة وموازين غزة ، طاشت أفعالكم ،وساءت وجوهكم، انحط مكانكم ومقامكم،هذا شأنكم ،إخجلوا وواروا سوءاتكم.