قال مراسل صحيفة "الغارديان" في القاهرة باتريك كينغزلي إن قرار
مصر الوقوف إلى جانب
إسرائيل في حربها على
غزة كلف القطاع الفلسطيني الكثير، وأدى إلى تعزيز
الحصار وفشل المفاوضات حول المبادرة المصرية.
وبدأ كينغزلي مقاله بالقول: "في الأسبوع الماضي، غادرت قافلة مساعدات طبية من مصر إلى غزة، ولكنها أوقفت على معبر رفح، ومنعها الجنود المصريون من الدخول، وكان يعرف منظمو الحملة أنهم سيتعرضون للمنع، ولكن الحملة كانت جزءا من الخطة".
ونقل الكاتب عن المصرية سلمى سعيد من ضمن القافلة وهي في طريق العودة لمنزلها قولها: "كان متوقعا.. لا يريدون تعاطفا مصريا مع الفلسطينيين، ويريدون التأكد من استمرار الحصار والعزلة".
ولاحظ الكاتب أن الحرب الأخيرة على غزة صوّرت على أنها حرب بين إسرائيل وحماس، "ولكن طرفا ثالثا فاقم من التوتر ووقف مع إسرائيل، ألا وهو مصر".
كل هذا جاء على حساب الدور التقليدي لمصر كوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، "ففي العادة ما كانت تتصرف وفي تصورها مصالح غزة، وهو ما فعلته طوال الأسابيع الماضية، فقد شجبت الحكومة المصرية قتل الغزيين، ودعت لوقف إطلاق النار وسمحت للجرحى المصابين بجروح خطيرة كي يعالجوا في المستشفيات المصرية. ومنذ منع قافلة سعيد، سمح المسؤولون المصريون للفرق والمواد الطبية بدخول غزة".
ولكن تصرفات مصر -سواء في العام الماضي أو في الأيام الأخيرة- أدت إلى توجيه اتهامات لمصر بعدم اهتمامها بمعاناة الغزيين، وأن مصالحها مرتبطة أكثر مع إسرائيل.
فمنذ تموز/ يوليو العام الماضي، قامت مصر بتعزيز الحصار الإسرائيلي على القطاع، ودمرت في أثناء هذا أكثر من 1600 نفق كانت تستخدم لتهريب المواد الأساسية للقطاع، بما فيها الأسلحة.
وأدى توقف تجارة الأنفاق التي تسامحت معها مصر لسنوات لشل اقتصاد غزة، حيث لم يعد لدى أهل غزة أي طريقة لاستيراد المواد الغذائية بسبب الإغلاق المستمر لمعبر رفح، المعبر الرئيسي لغزة مع العالم الخارجي.
ويقول الكاتب إن قرار "
حماس" مواصلة القتال في الأسابيع الماضية على الرغم من الخسائر الكارثية بين المدنيين، مرتبط برفض مصر رفع الحصار عن القطاع أكثر من ارتباطه بإسرائيل.
فمصر تريد من "حماس" الموافقة على وقف إطلاق نار فوري دون شروط، ولكن "حماس" تريد من مصر تقديم تفاصيل حول كيفية رفع الحصار قبل موافقتها على الطلب المصري، وفق الكاتب.
ويضيف الكاتب أن قادة مصر يمقتون فكرة تقديم المساعدة لـ"حماس"، لأنهم يعتبرونها فرعا من جماعة الإخوان المسلمين التي قام وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي بالإطاحة برئيسها محمد مرسي العام الماضي.
ومنذئذ قاد الجنرال السيسي حملة قمع وحشية ضد الإخوان في مصر. ومن هنا فالضغط على "حماس" هو جزء من محاولة النظام المصري حرمان الإخوان من ما تبقى من دعم لهم، على حد قول الكاتب.
وبناء على ما سبق، فقد حظرت مصر "حماس" من العمل داخل مصر، واتهمتها بمساعدة من وصفتهم بالإرهابيين في مصر، ووجهت لأفراد "حماس" تهما بالتجسس، وحاكمت عددا من قادتها غيابيا.
ومع تصاعد قوة الثورة المضادة في مصر، وجهت لـ"حماس" تهمة الهجوم على السجون في أثناء الثورة المصرية عام 2011.
ويقول كينغزلي إن الصحافة المصرية المذعنة، قدمت دعما إعلاميا لحرب الحكومة على الإخوان المسلمين و"حماس"، وتقوم بعض القنوات الإعلامية بنفس الدور فيما يتعلق بالحرب على غزة.
ولاحظ الكاتب أن الإعلام المصري عادة ما يتعاطف مع أهل غزة، لكن في هذه المرة بدا عدد من مقدمي البرامج وكتاب الأعمدة أكثر عدوانية.
فمع بداية إسرائيل للغزو البري هذا الشهر، كتب عادل نعمان وهو معلق في صحيفة "الوطن"، قائلا: "لن ندعمكم أو نتعاطف معكم حتى تتخلصوا من عصابة حماس..".
وعلى خلاف الإعلام العدواني تجاه غزة، فالقافلة التي منعها الأمن المصري من دخول غزة تظهر تعاطفا شعبيا مع أهل غزة، وتقول سلمى سعيد: "يحاول التلفزيون إظهار أن لا أحد في مصر يريد مساعدة غزة، ولكننا نحاول إظهار أن هذا خطأ"، مضيفة: "لقد تلقينا الدعم من المصريين في كل مكان، في الشمال والجنوب، والشرق والغرب".
ويعتقد الكاتب أن الموقف المصري وبعد ثلاثة أسابيع من الحرب بدأ يلين، "ولكن لأسباب سياسية وليست إنسانية. فقطر وتركيا تعملان على تحقيق وقف إطلاق النار، وهناك مخاوف من خسارة مصر دورها التقليدي كوسيط بين إسرائيل وحماس، وقد يدفع قادتها في النهاية للتخفيف من موقفهم".