قال المحلل الاستراتيجي في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، بواشنطن انتوني كوردسمان إن الرئيس الأمريكي باراك
أوباما تبنى على ما يبدو استراتيجية عسكرية طويلة المدى في
العراق، وتقوم على توجيه الضربات الجوية والصواريخ، وإرسال مستشارين ونقل السلاح، الذي يعتمد على تشكيل حكومة وحدة وطنية في العراق.
ويرى كوردسمان في مقال نشر على موقع المركز، أن أوباما كان محقا في إعطاء الأكراد الأولوية، فهم يواجهون الخطر المباشر من تنظيم الدولة الإسلامية (
داعش) ويتأثرون مباشرة بالأزمة الإنسانية الناتجة عن هروب الأقليات من الشمال باتجاه مناطقهم.
ويحذر الكاتب من مخاطر الخيار الذي يراه أقل الخيارات سوءا، ومن هذه المخاطر تتعلق بتطور قدرات داعش العسكرية، حيث يظهر أن طريقة خوض قواته للمعارك يتطور وبشكل مستمر، ولديه قوات أكثر وعتاد أكثر نتيجة للانتصارات التي حققها.
ويشير إلى أن "داعش" "تطورت قواته نتيجة لمزيج من أيديولوجية دينية ومهارات عسكرية اكتسبتها في حروب غير نظامية، والتي كانت ذات فاعلية ضد قوات النظام العلوي في
سوريا والقوات التابعة للحكومة الشيعية في العراق.. كما أن لدى التنظيم، بحسب كوردسمان، القدرة على استيعاب وإدارة عدد كبير من الجماعات الجهادية الأخرى التي تنضم إليه، وفي النهاية أقوى من القوات التابعة لحكومة كردستان الإقليمية البيشمركة".
ويرى الكاتب أن ترك الأسد وحيدا معتمدا على دعم حلفائه في إيران وحزب الله وروسيا مفهوم في الوقت الحالي، ولكنه محفوف بالمخاطر خاصة في حالة خسارة النظام مدنا وبلدات جديدة لداعش، ولا يحقق هذا الأخير إنجازات عسكرية واقتصادية ودينية جديدة.
كما ستكون سياسة أوباما ناجعة طالما كان لديه وحلفائه العرب عناصر مهمة من السنة لدعمهم، وطالما ظل داعش بعيدا عن تسيد المقاومة السنية الرئيسية. وستنجح سياسة أوباما طالما ظل "جيب" داعش في سوريا قائما لفترة مؤقتة ولم يقم بتعزيز قدرات الدولة الإسلامية في العراق، وزاد من التهديد على لبنان والأردن والسعودية وتركيا والدول الجارة الأخرى، بحسب الكاتب.
ويضيف كوردسمان قائمة أخرى من المخاطر الثانوية، وكلها تعتمد في النهاية على قدرة داعش إدارة المناطق التي تخضع لسيطرتها، نظرا لسياساتها القاسية حتى ضد من يتبعون لحكمها، ولا تستطيع توحيدهم لأنهم أصبحوا أعداءها. وحتى هذا الوقت يبدو التنظيم متطرفا ومدمرا للذات حتى يتبع هذا الطريق، ولكنه لم يجبر بعد على المضي فيه. وتظهر الإشارات إلى أن التنظيم يتكيف مع الوضع ولم يقم باستفزاز ثورة سنية داخلية.
ويرى الكاتب أن أهم خطر على سياسة أوباما ينبع من الطائفية في العراق والانقسامات الإثنية والتعامل مع الضرر السياسي الذي سببه نوري المالكي والذي نتج عن تعطشه للسلطة وفساده وتغييره شكل العراق واستخدام القوات الأمنية الطائفية ضد سنة العراق والأكراد، وهو ما أدى لانتصارات داعش. فقد همش المالكي السنة ودفع الأكراد نحو المطالبة بالاستقلال وترك البيشمركة في حالة من الضعف. وممارساته أدت لمنع استمرار المستشارين العسكريين الأمريكيين في العراق لمساعدة الجيش العراقي، وعلاقته مع الحرس الثوري الجمهوري الإيراني تعتبر تهديدا في حد ذاتها.
ويرى الكاتب أن محاولة أوباما موازنة الدعم العسكري بتشكيل حكومة عراقية جديدة ورمي المالكي هي سياسة صحيحة، فلا يمكن للعراق العمل كدولة وإنشاء قوات أمنية فاعلة بدون هذا، وهو ما اعترف به القادة السياسيون العراقيون العمليون والمرجعيات الدينية، مثل آية الله السيستاني، لكن المالكي لديه القوة والمال من أجل الحصول على الأصوات والبقاء كتهديد سياسي، وتعقيد جهود البحث عن بديل، كما وأضعف المالكي الوحدة الوطنية لدرجة استدعت تغييرات سياسية وتوفير نوع من الحماية للسنة والأكراد من خلال شكل من أشكال الفدرالية، حتى يقدموا الدعم للحكومة والحفاظ على وحدة البلاد. وكانت لسياسات المالكي السيئة على التشرد الإثني أثر بعيد لدرجة لا يمكن معها التفريق بين السنة والدولة الإسلامية.
وأسوأ من هذا، يقول الكاتب، فلا يمكن للولايات المتحدة الاعتماد على رحيله أو على كفاءة حكومة جديدة. فإدارة أوباما تتبنى سياسة صحيحة ولكنها قد تضطر للعيش مع المالكي كخيار عن بديل أسوأ وهو الدولة الإسلامية، ولمدة غير محدودة قبل أن تتشكل حكومة فاعلة في بغداد.
ويضيف أن الولايات المتحدة لا يمكنها القيام بضربات جوية ولأمد غير محدود، وعليها -والحالة هذه- أن تنشط وتجبر المالكي ومن حوله على الخروج من السلطة.
وأخيرا يشير كوردسمان إلى محذور آخر وهو أن القوة الجوية والدعم الاستشاري لن يكونا كافيين لوقف تفكك العراق لجيب عربي سني، وعربي شيعي، وكردي، إضافة لتقوية معسكر الاعتدال وإبعاد العرب الشيعة عن الاعتماد على الميليشيات الشيعية وتابعين لإيران، ومنع نشوء دولة كردية تزعزع الاستقرار وتحتاج لحماية أمريكية.
ويعترف الكاتب هنا أن القوة محدودة بطبيعتها، ولهذا سيكون أثرها محدودا سواء كان سياسيا أو على مسار الحرب الأهلية.
ويختم الكاتب مقالته أن على الأمريكيين الاعتراف والتعايش مع هذه الوقائع "وعلى ما يبدو فإننا نتحرك نحو استراتيجية صحيحة ولكنها ممزوجة بالخيارات السيئة، واسوأ منها هي غياب اليقينيات التي لا تعطي فكرة عن نتائج جيدة".