نفى مكتب المرجع الشيعي
العراقي علي
السيستاني أن يكون تغيير رئيس الوزراء العراقي نوري
المالكي جاء استجابة لضغوط أجنبية ودولية، وأكد أن القرار كان عراقياً بحتاً رعاية للمصالح العليا للشعب العراقي.
وأضاف المكتب في بيان صادر عنه أنّ "المرجعية العليا والقادة السياسيين لو لم يصلوا إلى قناعة تامة بذلك لما قبلوا بالتغيير مهما كانت الضغوط الخارجية".
وأكد أن العراق لم يكن فيه أي أفق لتحسن الأوضاع ووقف نزيف الدم العراقي مع استمرار القيادات السابقة في السلطة، آملا في الوقت نفسه أن ينتعش الأمل بتحسن الأمور في ظل القيادات الجديدة.
وشدد البيان على أنّ "المرجعية الدينية العليا اتخذت جانب الحياد في الانتخابات النيابية الأخيرة وأوضحت أنها لا تدعم فيها أي طرف على حساب طرف آخر، وأن الأمر متروك لإرادة المواطنين يختارون من يشاؤون من المرشحين ومن القوائم الانتخابية".
ونوه إلى أنّه "بعد ظهور نتائج الانتخابات تلقت المرجعية الدينية العليا رسائل عديدة من قيادات أساسية في المكونات الأخرى تشدد فيها على رفضها المطلق للولاية الثالثة لرئيس الوزراء الحالي وتطالب بترشيح بديل عنه من التحالف الوطني، ولكن ارتأى سماحة السيد آنذاك عدم التدخل في هذا الأمر بل انتظار ما تسفر عنه حوارات الكتل السياسية، و قد أبلغ سماحته كل من التقى بهم -منهم ممثل الأمين العام للأمم المتحدة- بأنه لن يتدخل في موضوع تشكيل الحكومة المقبلة إلا إذا حصل انسداد سياسي وواجه البلد أزمة خانقة تهدد العملية السياسية برمتها".
وأشار إلى أن "المرجعية الدينية العليا كان لها ملاحظات أساسية على أداء الحكومة في إدارة شؤون البلد، ومن هنا امتنعت عن استقبال المسؤولين فيها منذ عدة أعوام، ومن أبرز تلك الملاحظات هو تقصيرها في توفير الخدمات وفي مكافحة الفساد الذي تفشى بصورة غير مسبوقة في مختلف دوائر الدولة وفي أعلى المستويات، حتى أصبح عائقاً أساسياً أمام أي تقدم حقيقي في المجالات المهمة كالأمن والخدمات والتنمية الاقتصادية وغيرها".
وأكد البيان أنّ المرجعية العليا ألحت على رئيس الوزراء أن تكون له صولة على الفاسدين كصولته على الخارجين على القانون، إلا أنه لم يقم بأي جهد حقيقي في هذا المجال؛ بل ساهم في تقنين الفساد وحماية الفاسدين بما لا يتسع هذا المقال لاستعراض الشواهد عليه".
ومن الأسباب التي ذكرها لتغيير المالكي، قال البيان إنّه بعد سيطرة داعش على الموصل تبين للمرجعية الدينية العليا مدى الخلل الذي ارتكبه المالكي في إدارة الملف الأمني، متمثلا بانهيار القوات المسلحة؛ الأمر الذي دعا المرجعية الدينية لمناشدة المواطنين التطوع في صفوف الجيش منعا للانهيار التام، متهمة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بأنّه كان يحتكر الملف الأمني وهو المسؤول الأول عن تعيين القيادات العسكرية والمسؤولين الأمنيين.
وأضاف أن الحكومة فشلت أيضا في ملف الخدمات، "الذي طالما اعتذر عن فشل الحكومة فيه بأن الوزراء الخدميين إنما هم من كتل أخرى ويتعمدون عدم تحقيق أي إنجاز ملموس في توفير الخدمات حتى لا يحسب نجاحاً لرئيس الوزراء".
وقال البيان إنّ المرجعية الدينية العليا وصلت إلى قناعة تامة "بأن التدهور الكبير في الحياة السياسية العراقية بين أبناء الوطن الواحد من جهة وبين العراق ومحيطه العربي والإسلامي من جهة أخرى يجعل الحاجة ماسة إلى تغيير في أكثر من موقع ومنصب؛ تتغير معه آلية التعاطي مع أزمات البلد المستعصية، وتعتمد رؤية مختلفة عما جرى العمل بها خلال السنوات الأخيرة؛ إذا أريد درء مخاطر الإرهاب والحرب الطائفية والتقسيم التي تعاظمت في المدة الأخيرة ولا سيما بعد سقوط الموصل بيد الدواعش".
وأشار إلى أنّ المرجعية الدينية العليا تلقت رسالة خطية من قيادة حزب الدعوة الإسلامية مؤرخة في السادس والعشرين من شهر شعبان الموافق 25 حزيران وقد ورد في آخرها: "نحن نتطلع إلى توجيهاتكم وإرشاداتكم ونعاهدكم أننا رهن أمركم بكل صدق في كل المسائل المطروحة وفي كل المواقع والمناصب، لإدراكنا بعمق نظرتكم ومنطلقين من فهمنا للمسؤولية الشرعية".
وبناء على ذلك أصدرت المرجعية الدينية العليا ممثلة بالسيستاني رسالة للحزب لا تعبر عن فتوى شرعية، بل هي موقف سياسي خالص، مفادها: "إنني أرى ضرورة الإسراع في اختيار رئيس جديد للوزراء يحظى بقبول وطني واسع ويتمكن من العمل سوية مع القيادات السياسية لبقية المكونات لإنقاذ البلد من مخاطر الإرهاب والحرب الطائفية والتقسيم" .
وأكد البيان أن المالكي رفض القبول بما ورد في رسالة المرجعية العليا؛ رغم محاولة كبار الأعضاء في قيادة حزب الدعوة و قيادات بارزة في ائتلاف دولة القانون إقناعه بالالتزام بها؛ إلا انه ظل مصراً على موقفه الرافض لذلك، وفقا للبيان.
وشدد على أنّه "ولما يئست قيادة حزب الدعوة من إقناع رئيس الوزراء بسحب ترشيحه للولاية الثالثة، قاموا بترشيح الدكتور حيدر العبادي لهذا المنصب و تمكنوا بعد حوارات مضنية من الاتفاق مع بعض الكتل المنضوية في دولة القانون وكتل الائتلاف الوطني على أن يكون هو مرشح التحالف الوطني، وعندئذ قام السيد رئيس الجمهورية بتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة".
ونوه إلى أنّ المالكي زعم أن هذا الأمر ينافي استحقاقه الدستوري لأنه حاز على أزيد من سبعمائة ألف صوت أي أعلى من أي فائز آخر في الانتخابات، وقال أيضا إن كتلة دولة القانون تعد هي الكتلة الأكبر ولذلك فان تكليف مرشح التحالف الوطني يعتبر خرقاً دستورياً.
وبحسب البيان فقد حاول أكثر من طرف إقناعه بأن الاستحقاق الانتخابي في النظام البرلماني لا يعني أن من حاز أعلى الأصوات يكون هو الذي يجب تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة؛ بل يتبع ذلك الضوابط القانونية، وأما الخرق الدستوري فلا أساس له أيضاً فإن التحالف الوطني أعلن عن نفسه قبل الجلسة الأولى لمجلس النواب في مؤتمر صحفي، وفي وثيقة موقعة من رؤساء كتله وليس في الدستور ولا في قرار المحكمة الاتحادية ضرورة إبلاغ رئيس السن بذلك، على حد تعبير البيان.
وأكد على أنّ استمرار رفض رئيس الوزراء لما جرى وشكواه إلى المحكمة الاتحادية لن توصله إلى نتيجة، لأن المحكمة الاتحادية لن تحكم لصالحه، وفقا للبيان.
وأضاف البيان "قد يظن البعض أن الائتلاف الوطني لو وافق على مرشح دولة القانون لتمكن الطرفان من تشكيل الحكومة المقبلة ولنالت الثقة في مجلس النواب، لأنهما يمتلكان الأغلبية المطلقة، وإن لم يوافق عليها التحالف الكردستاني أو اتحاد القوى الوطنية، ولكن هذا غير صحيح؛ فإن الوضع الخاص للعراق يستوجب نيل الحكومة موافقة الكتل الرئيسية الثلاث عليها، وإلا انهارت العملية السياسية وتعرض البلد للتقسيم الفعلي، وقد كان موقف التحالف الكردستاني واتحاد القوى الوطنية واضحاً من أنهما لا يشتركان في حكومة يرأسها رئيس الوزراء الحالي في مطلق الأحوال".
وأجاب البيان على تساؤل البعض: لماذا لم تمنح رئيس الوزراء فرصة تشكيل الحكومة حتى إذا فشل كلف بذلك غيره؟ والجواب: أن "السيد رئيس الجمهورية كان يرى أن الكتلة الأكبر في مجلس النواب هي التحالف الوطني؛ فلم يكن باستطاعته دستورياً أن يكلف من لا يكون مرشحاً لها".
بالإضافة إلى أن كثيراً من نواب دولة القانون رفضوا -بعد كل ما جرى- تكليف رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة -ومنهم نواب كتلة بدر والمستقلون وقسم من نواب كتلة الدعوة- فلم يعد مرشحاً حتى لتمام دولة القانون، مع أن التدهور الأمني الخطير الذي تشهده البلاد وما رافقه من معاناة وتشريد مئات الآلاف من المواطنين كان يحتم عدم تضييع الوقت فيما يعلم أنه لا يؤدي إلى أية نتيجة مقبولة، بحسب بيان مكتب المرجعية العليا علي السيستاني.