ما كان "ممنوعا" طيلة 51 يوما من الحرب الإسرائيلية، على قطاع غزة، وما سببته من دمار، وشلل تام طال كافة تفاصيل الحياة، بات "مسموحا"، ومتاحا بعد أن سكتت أصوات قنابل وقذائف الموت.
وبدأت "الحياة" الأربعاء تدب في شوارع قطاع غزة، من جديد بعد أسابيع، قاسية ومدمرّة من حربِ لم تترك شيئا إلا ونالت منه.
ومنذ ساعات الصباح الأولى، لم تتوقف حركة تنقل المواطنين، من مكان إلى آخر، فيما فتحت كافة المحال التجارية والأسواق أبوابها، أمام الخارجين من المنازل بحثا عن حياة افتقدوها طيلة الأسابيع الماضية.
ولم تعد تصرخ "سهى عبيد" (35 عاما) على صغيرها "أحمد" صاحب الثمانية أعوام، وهو يركض نحو الشارع، كي يلعب كرة القدم رفقة جيرانه.
وأضافت: " كنت أخشى على
أطفالي، من فتح الباب، أو الوقوف على شرفة المنازل، خوفا من شظايا القصف الإسرائيلي، اليوم انتهى هذا الخوف مع انتهاء هذه الحرب الشرسة، والمجنونة".
وسارع سكان قطاع غزة، نحو ارتياد الأسواق لشراء ما يلزمهم من احتياجات، ومستلزمات، خاصة تلك المتعلقة بشراء الزي المدرسي للطلبة الذين تأجل عامهم الدراسي الجديد بفعل الحرب.
وتقول "نهى عوكل" (42 عاما)، إنّها توجهت نحو المكتبات لشراء القرطاسية لأبنائها، وستذهب إلى السوق لشراء الزي.
وأضافت:" قبل أسابيع، كان من المفترض، أن نجهز كافة الأشياء، لكن الحرب عطلّت كل تفاصيل الحياة، وها نعود من جديد لممارسة حياتنا بشكل طبيعي، وعادي".
ومع انطلاق أجراس العام الدراسي الجديد، الأحد الماضي، في
فلسطين، لم يتمكن طلبة قطاع غزة من البدء في دراستهم، نتيجة لتحول معظم مدارس مدينتهم، إلى مراكز إيواء، بسبب الحرب الإسرائيلية على القطاع.
وحُرم نصف مليون طالب وطالبة في قطاع غزة، (من أصل مليون، ومائتي ألف طالب فلسطيني) من حقهم في التعليم، وبدلا من أن يتواجدوا في فصولهم الدراسية لتلقي العلم، كانوا فيها برفقة عائلاتهم نازحين.
وكان من المقرر أن تفتتح وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، العام الدراسي الجديد (2014-2015) في الضفة الغربية وقطاع غزة، في الـ 24 أغسطس/آب، إلا أنها أعلنت تعليق الدراسة في القطاع ، وافتتحته في الضفة الغربية فقط.
ويشعر السائق "ناهض الحلبي"، بفرح، وهو يقود مركبته بعد 51 يوما، من ركود الحركة، وانعدامها.
ويُلوح السائقين إلى المارة، للركوب في مشهد لم يكن متوفرا طيلة أيام الحرب التي جعلت من شوارع القطاع، منطقة محظورة التجوال.
وأعادت البنوك الفلسطينية الأربعاء فتح أبوابها أمام عملائها مجددًا عقب أيام طويلة من الإغلاق .
وكانت سلطة النقد الفلسطينية أعلنت سابقًا إغلاق فروع البنوك العاملة، مؤكدة أن القرار استهدف بالدرجة الأولى الحفاظ على سلامة المواطنين وموظفي القطاع المصرفي.
وبدت الشوارع وكأنها في الأيام الطبيعية والعادية التي سبقت الحرب، ولأول مرة، ارتفع صوت الباعة المتجولين، وهم ينادون على ما يحملون من خضروات، وفواكه ظلت حبيسة التربة لأسابيع طويلة.
وواصل النازحون في مراكز الإيواء العودة إلى مناطقهم المدمرة، وعاد كثيرون من قاطني المناطق الحدودية إلى للاستقرار في منازلهم.
أما السكان المدمرة بيوتهم بشكل كلي، فاكتفوا بتفقد ما تبقى من منازلهم، وعادوا إلى مدارس الإيواء، في انتظار حل، يعيدهم إلى مأوى صالح للحياة.
ودمر الجيش الإسرائيلي في غاراته المدفعية والجوية قرابة 15671 منزلا، منها 2276 دمر بشكل كلي، و 13395 بشكل جزئي، إضافة إلى عشرات آلاف المنازل المتضررة بشكل طفيف، وفق إحصائيات أولية لوزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية.
وكان أكثر الغارات الإسرائيلية عنفًا وصدمة للفلسطينيين، تحويلها لأبراج "الظافر 4" و"الباشا" و"الإيطالي" و"زعرب" السكنية خلال اليومين الماضيين، إلى مجرد ركام، وتشريد نحو 150 أسرة كانت تقطن هذه الأبراج.
ووفق إحصائيات فلسطينية وأممية، فإن الحرب الإسرائيلية خلفت نحو 500 ألف نازح، من بينهم 300 ألف شخص يمكثون الآن في 85 مدرسة في غزة.
ولجأ أغلب هؤلاء إلى وسط المدينة، سواء في مدارسها، ومستشفياتها، أو المكوث عند أقاربهم وأصحابهم.
وعكفت الطواقم العاملة، في شركة الكهرباء بغزة، على إصلاح خطوط الكهرباء التي تدمرت بفعل الحرب.
وتوصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، يوم أمس الثلاثاء، إلى هدنة طويلة الأمد، برعاية مصرية، وهي الهدنة التي اعتبرتها فصائل
المقاومة الفلسطينية في بيانات منفصلة "انتصار"، وأنها "حققت معظم مطالب المعركة مع إسرائيل"، ورحبت بها أطراف دولية وإقليمية.
وتتضمن الهدنة، بحسب بيان لوزارة الخارجية المصرية، وقف إطلاق نار شامل ومتبادل بالتزامن مع فتح المعابر بين قطاع غزة وإسرائيل بما يحقق سرعة إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثة ومستلزمات الإعمار.
كذلك تشمل الصيد البحري انطلاقاً من 6 أميال، واستمرار المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين بشأن الموضوعات الأخرى خلال شهر من بدء تثبيت وقف إطلاق النار.
وجاءت هذه الهدنة، بعد حرب شنتها إسرائيل على قطاع غزة في السابع من الشهر الماضي، واستمرت 51 يوماً، أسفرت عن استشهاد 2145 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين، فضلاً عن تدمير الآلاف من المنازل، بحسب إحصاءات فلسطينية رسمية.
في المقابل، قتل في هذه الحرب 64 جندياً، و4 مدنيين من الإسرائيليين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، بحسب بيانات رسمية، فيما يقول مركزا "سوروكا" و"برزلاي" الطبيان (غير حكوميين) إن 2522 إسرائيلياً بينهم 740 جندياً تلقوا العلاج فيهما خلال فترة الحرب.