قال في رسالة لنجله عبد الفتاح "أنا آسف إني ورَّثتك الزنازين التي أنا دخلتها.. لم أنجح في توريثك مجتمعا يحافظ على كرامة الإنسان.. أتمنى أن تورث حفيدي خالد مجتمعا أفضل مما ورثتك إياه".
كان هذا جزءا من رسالة بعثها المحامي
الحقوقي أحمد سيف الإسلام إلى نجله علاء عبد الفتاح، في كانون الثاني/ يناير 2014 داخل زنزانته بعد حبسه في القضية المعروفة إعلاميا بـأحداث مجلس الشورى.
نصير المقهورين والغلابة لم يقهره سجان ولا سجن، ولا حاكم أو محكوم طوال فترة نضاله، الذي امتدت من غياهب السجون إلى ساحات المحاكم، والنيابات، والذي اتسمت مواقفه بالصلابة سواء داخل المعتقل أو خارجه بحسب صديقه الشخصي منذ كانا رفقاء الدراسة في الجامعة والزنازين في المعتقلات، سمير غطاس رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات.
وفي تصريح لـ "عربي21" قال غطاس : "أحمد كان مثالا للمواطن المصري الشجاع، لن أنسى مواقفه هو والبرادعي الأب وغيره من كبار المحامين الشرفاء في الدفاع عني وعن أمثالي في العهود السابقة بعد الزج بي وبغيرنا في السجن لمرات ومرات".
وأضاف غطاس: "إن المحامي والحقوقي والناشط أحمد سيف الإسلام يكفيه شرف الدفاع عن المتهمين المظلومين حتى دون انتظار النتائج".
خصائصه.. الفكر العميق وشجاعة الرأي والثبات على المبدأ.
يتذكر المستشار حسام الغرياني رئيس المجلس الأعلى للقضاء لسيف الإسلام مواقفه الإنسانية التي جعلت منه "رجلا قل مثله"، وذكر في تصريح لـ "عربي21" قائلا: " كان أحمد كتلة من العواطف تجاه حقوق الإنسان في مصر، كان مشغولا بحقوق الضعفاء والمقهورين أيا كان انتمائهم، وفي أي زمن كان".
ولم يختلف أحد على إخلاص هذا الرجل الحقوقي في قضيته بإرساء الديمقراطية، وغيرته على الحقوق الإنسانية، ودفاعه عن المضطهدين، سواء من المؤيدين له أو من الرافضين لشجاعته من الأنظمة التي عاصرها.
وأكد أستاذ العلوم السياسية وحيد عبد المجيد لـ "عربي21" أن: "سيف الإسلام مناضل من أشجع المناضلين من أجل الديمقراطية ، وحقوق المصريين على مدى العقود الأربعة الأخيرة منذ أن كان أحد قادة الحركة الطلابية في سبعينيات القرن الماضي، ومن ثم انخرط في الدفاع عن سجناء الرأي، والمظلومين".
وأضاف: "أحمد سيف الإسلام كان أحد أبرز تلامذة الحقوقي الكبير والمعروف أحمد نبيل الهلالي الذي سار على دربه، وأمضى حياته نصيرا للوطن والحرية والحق، وكان كل ذلك على حساب حياته، وعائلته، الذين شاركوه نضاله، وجنوا من شوك معاركه الحقوقية والإنسانية ما جنوا ليلحقوا بأبيهم بالزج ببعضهم في السجون".
قضايا حقوق الإنسان ليس فيها يسار أو يمين
أبرز القضايا التي ناصرها أحمد سيف الإسلام كانت القضية الفلسطينية، وقالت الكاتبة الصحفية "شاهندة مقلد" لـ "عربي21" إن "في انتفاضة عام 2000 أسس أحمد سيف الإسلام اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة بمركز هشام مبارك الذي كان أحد مؤسسيه وكان يرأسه آنذاك، ومنه انبثقت عدة لجان لدعم حقوق الفلسطينيين".
وأضافت "مقلد" قائلة: "كانت لسيف الإسلام صولات وجولات في معاركه ضد الأنظمة من أجل المقهورين والمضطهدين، ودافع عن كل الناس على اختلاف اتجاهاتهم وتوجهاتهم".
وكانت بصمات هذا المناضل الحقوقي موجودة في حياة العديد من الحركات الثورية اليافعة، وتجاوزت جيله بجيل أو اثنين، وصفه فيها عضو حركة الاشتراكيين الثوريين مصطفى بسيوني بأستاذ الجيل الحقوقي.
وذكر بسيوني في تصريح لـ "عربي21" قائلا: "كان الأستاذ أحمد أحد الرموز الكبار لجيلنا وجيل من سبقونا في النضال ضد الظلم والطغيان". مشيرا إلى أنه كان يثري النقاش في مراكز الدراسات التي كان يحاضر فيها بخبرته وتجاربه وحنكته المعروفة، وحسه الوطني العالي.
في وداع المناضل ..أب مفقود .. أم أبناء مفقودين
خاض الحقوقي والمناضل معارك ضد القهر والظلم في جميع الأنظمة السياسية التي عاصرها دون خوف أو رهبة أو حساب لسجن أو حكم، أو حتى تهديد، وقاد معارك ضد الحبس الاحتياطي، وعدم دستورية قوانين كثيرة، وأسقط العديد من القوانين الباطلة التي تم تفصيلها للحاكم، وانخرط بكل وطنية في كل قضايا الحبس والتعذيب بسبب الرأي أو الفكر. وذلك بحسب شهادة جميع من عاصروه أو تعاملوا معه، أو حتى اصطدموا به وعادوه.
ومات المناضل عن الحريات والحقوق ونجله عبد الفتاح في السجن، وابنته الصغرى سناء خلف القضبان، وليس أمامهما الآن سوى ذرف الدموع على فراقه، قد يراه البعض دموع على أب مفقود، ويرى آخرون دموع على أبناء مفقودين.