بعد ساعات قليلة من التجوال في مدينة
دمشق التي انقطع عنها عاما كاملا نتيجة التحاقه بصفوف الثوار في غوطة ريف دمشق، يصف أبو محمد بحزن حالة قاطني المدينة بـ"اللامبالاة"، فعلى حد قوله العديد من أبنائها يعيشون تفاصيل حياتهم اليومية ويتابعون أعمالهم كأنهم في بلد آخر، دون أن يعطوا اهتماما لطائرة "الميغ" التي تحلق في سمائها لتضرب أطراف المدينة وريفها.
يقول أبو محمد: "ساعات قليلة فقط من التجوال في طرقات مدينتي الأم دمشق كانت كافية لإدراك ضياع هوية المدينة التاريخية، فبعد تجاوز الثورة عامها الثالث وإحكام النظام سيطرته على العاصمة دمشق التي كانت مسرحا لعدة عمليات عسكرية واشتباكات عنيفة في يوم من الأيام، تلبس المدينة اليوم حلة جديدة لا هوية فيها إثر تدخل حلفاء النظام لقمع الثورة".
يتابع: "لم يبق شيء على ما كان عليه، حتى لكنة أهل دمشق المحببة قد استبدلت قصرا بلهجات ولكنات غريبة لا تعود لأي محافظة سورية، أو قد لا تكون عربية أصلا، فأصحاب هذه اللهجات الذين ينتشرون على الحواجز ببدلات عسكرية يتبعون لميليشيات مسلحة غير الجيش السوري، هذه الميليشيات التي لم يشاهدها السوريون سابقا، وهؤلاء الغرباء لهم الحق باعتقالك أو اعتقال أي سوري بدون أي سبب وجيه".
لكن مايزيد حنق أبي محمد الذي ترك خلفه كل شيء للالتحاق بصفوف الثورة هو "اللامبالاة العامة" في المدينة، حيث أوضح أن العديد من أبناء دمشق الذين بقوا تحت سيطرة النظام وسلطته "يعيشون تفاصيل حياتهم اليومية ويتابعون أعمالهم كأنهم في مدينة أخرى لا تحلق الميغ في سمائها لتضرب أطرافها وريفها، وسط "انفصام شخصية" تعيشه المدينة التي تتأجج الحرب في بعض أحيائها كجوبر التي تعد أقرب معاقل الثوار للعاصمة والتي لم يغادر طيران النظام سماءها".
متابعا: "هذا كله وبعض الشباب يتابعون حياتهم وهم يتابعون الطائرة بأعينهم تغير على أهدافها من مقاعدهم في المقاهي العامة لا يعكر صفو جلستهم إلا ضجيج الانفجارات القادم من الغارات المتتالية على الحي".
يصف أبو محمد الوضع بقوله: "اهتزاز الأبنية إثر الانفجارات أو تساقط القذائف في أماكن مختلفة لم يمنع الحياة من استمرارها هنا دون توقف أحدهم ولو لدقائق لمعرفة مصير أولئك الذين يأنون تحت خط النار، فهذا يتابع رخصة بناء وآخر يبحث عن فرصة عمل".
ويتابع: "بالنسبة لشاب عايشَ الغارات والمعارك عن قرب لم يكن ممكنا بالنسبة له بعد سماع هذه الأصوات أن يستمر يومه دون الهرع للمساعدة أو المؤازرة".
كما أثار انتباه أبي محمد ظاهرة انتشار "السلاح الفردي" في العاصمة، والتي أضحت ظاهرة مزعجة تتكرر يوميا على مرأى سكان دمشق، الذين لم يعتادوا على المظاهر المسلحة سابقا، موضحا تفاقم الظاهرة عقب تشكيل اللجان الشعبية والجيش الوطني التابعين للنظام.
وبحسب قوله "أضحى من الطبيعي جدا أن تستقل وسيلة نقل عامة ويركب بجوارك شاب يرتدي لباسا مدنيا أو عسكريا وهو يحمل بندقيته بيده كما يحمل الطفل حقيبته المدرسية، ويدخل بها الأماكن المزدحمة والأسواق، حيث أن الكثير من المتطوعين باتوا يحضرون نوباتهم العسكرية ثم يعودون إلى منازلهم والسلاح يرافقهم دون أي احترام لحرمة الأماكن المدنية العامة".