تناولت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأميركية صورا من الحياة في مدينة
الرقة، معقل "تنظيم الدولة"، المعروف بـ"
داعش"، مستعرضة شهادات جمعتها ممن هربوا أو جرحوا من سكان المدينة.
وكان اللافت في التقرير الذي نشرته الصحيفة اليوم، تركيزها على أن أغلب ضحايا الغارات التي يشنها النظام السوري على الرقة من المدنيين وليس من "تنظيم الدولة".
وتنقل الصحيفة عن زخاريا، الذي فر من المدينة بعد أن أصيب بقذيفة أصابت ركبته وذراعه ووصل لتركيا للعلاج، قوله إن "الوضع في الرقة مأساوي"، مضيفا "تعاني المستشفيات من نقص المواد الطبية، ومن الصعب على السكان مغادرة الرقة والتوجه إلى تركيا، ولا يوجد لدينا ما نطعم به أنفسنا، وأقرب معبر حدودي لنا مغلق".
وتشير إلى أنه سمح لزخاريا بالمرور عبر معبر اكتشاكالي الحدودي المغلق؛ بسبب وضعه الخطير. لافتة إلى أن أعضاء "تنظيم الدولة"، المعروف بـ "داعش" لا يعانون من مشكلة الحصول على الخدمات الطبية، حيث أقاموا خط تهريب بين تل أبيض في
سورية واكتشاكالي في تركيا خلال الشهر الماضي.
وتلفت الصحيفة إلى أنه ليس بعيدا عن زخاريا، هناك مقاتل من مقاتلي "داعش" يتلقى العلاج في غرفة خاصة، منوهة إلى أن المقاتل جرح، بسبب الهجمات التي يقوم بها النظام السوري على مواقع التنظيم في المدينة؛ لإقناع الغرب بأنه شريك في الحملة لمحو المتشددين من "داعش". ولكن الناشطين والسكان يقولون إن غالبية الذين قتلهم النظام في غاراته هم من المدنيين.
وتنقل عن "أبو إبراهيم"، وهو ناشط سوري تقوم شبكته بتوثيق مجازر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وقد اضطر للهرب من المدينة منذ منتصف آب / أغسطس قوله: "وثقنا أكثر من 150 غارة و10 هجمات بصواريخ سكود ضد محافظة الرقة".
ويقول الناشط الذي ينتمي إلى شبكة "الرقة تذبح بصمت": "كل الضحايا من المدنيين".
وكانت شبكته قدرت عدد القتلى من المدنيين الشهر الماضي بسبب الغارات بحوالي 225 شخصا.
وبحسب الصحيفة، فإن الشهادات تشير إلى أن حملة النظام وغاراته ضد مدينة الرقة بدأت بشدة بعد سيطرة "داعش" على مطار الطبقة، والتي وصلت معركة السيطرة عليها ذروتها في 24 آب/ أغسطس، عندما كانت هناك مواجهة دموية بين الجيش السوري والتنظيم.
وتنقل الصحيفة عن الناشطين قولهم إن "داعش" قتل حوالي 400 من جنود النظام الذين اعتقلهم في 28 آب / أغسطس في ثلاث عمليات إعدام منفصلة، وكانت نموذجا لكيفية قتل الرهائن الأجانب.
وفي شهادة لأحد سكان الرقة يبين "أبو أحمد": "في الماضي كان النظام يأتي مرة في الأسبوع ويغير علينا، أما الآن فهو يقوم بخمس أو ست طلعات في اليوم الواحد"، واضطر الرجل للهجرة من الرقة مع عائلته بعد أن قتلت عائلة جيرانه في غارة جوية.
وتصف أم علي المشهد القائم في المدينة بقولها "كل يوم تأتي طائرة وتقتل الناس، ولا أحد يعرف عن القتلى لأن داعش يحرم تصويرها". وتضيف "بعد أن فقد النظام كل القواعد في الرقة فإنه يضرب يمينا وشمالا وفي الوسط، ولا يهمهم أين يضربون".
وتؤكد الصحيفة بأنه من بين أسوأ الغارات التي قام بها النظام على الرقة تلك التي نفذها في 6 أيلول/ سبتمبر على شارم تل أبيض؛ حيث كان الناس يتسوقون ويشترون الخضراوات، وضربت الغارة مخبز الأندلس الذي يديره "داعش"، وقتل فيه 50 مدنيا، حسب حصيلة القتلى التي أعدها الناشطون المحليون. وجرح في الهجوم 15 من مقاتلي "داعش".
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان في لندن فقد قتل 9 من "داعش"، ودمرت مبان تابعة له.
ومنذ سيطرة "داعش" على الرقة، التي يعيش فيها نصف مليون نسمة، تم إعدام الصحافيين الأميركيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف في الرقة، وكذا عامل الإغاثة البريطاني بيتر هينز، حسب ما جاء في الصحيفة.
ويشير التقرير إلى أن الكثير من المحللين يحملون النظام مسؤولية صعود تنظيم "داعش"، بعد إطلاقه سراح عدد من السجناء المتشددين من السجن في بداية الثورة السورية.
ويقول يوسف داعس، صحافي من الرقة يعيش الآن في تركيا: "يحاول النظام إقناع المعارضة السورية وحلفائها أنه يقوم بقتال تنظيم الدولة الإسلامية، مع أنه في الحقيقة هو الذي استفاد من صعود التنظيم".
ويضيف: "يريد
الأسد من الغرب تصديق أنه هو الوحيد الذي يواجه (داعش)، ولو كان هذا صحيحا فما سيأتي بعد ذلك أسوأ".
ويقول: "الموضوع مرتبط بسقوط النظام، فإذا كانت الولايات المتحدة جادة في مكافحة الإرهاب فعليها معالجة مشكلة الأسد لأنه أصل المشكلة"، حسب ما نقلته الصحيفة.
وأضافت الصحيفة أنه في الجهة المقابلة فإن "داعش" يحضر نفسه للضربات وقام بإجلاء عائلات المقاتلين لخارج المدينة.
ويقول ناشطون إن فندق اوديسا، الذي كانت تسكن فيه عائلات "داعش" أخلي لتجنب ضربات النظام.
وتوضح الصحيفة بأن هناك مئات السوريين الذين فروا من مناطق "داعش" ينتظرون على الحدود التركية وقرب معبر كلس. ومن جاءوا من الرقة، التي تبعد 200 ميل، قاموا برحلة استغرقت 17 ساعة استخدموا فيها طرقا متعرجة في محاولة لتجنب المناطق حول مدينة حلب. ومن يملك وثائق رسمية من السوريين عليه الانتظار يوما للتسجيل، قبل السماح له بدخول الأراضي التركية، فيما يلجأ البقية للمهربين الذين يتقاضون 100 دولار عن كل شخص.
ويتعامل السكان مع الغارات الأميركية المحتملة بنوع من الخوف والأمل. ويقول مواطن من تل أبيض "أخبروهم من فضلكم للتركيز وضرب قواعدهم وتجنب المناطق المدنية".
وتختم الصحيفة بعرض الرأي وما يقابله بقولها ليس كل شخص يوافق على الغارات، فبحسب امرأة في كلس "هذه حرب على الإسلام، ولو لم تكن كذلك لتدخلت أميركا وأنقذت المسلمين في سورية منذ زمن طويل". ورحب آخرون بالضربة التي قد تؤدي لنهاية الغارات التي يقوم بها النظام.