أغلب الذين يتمسحون بفكر
طه حسين (1307 – 1393 هـ، 1889 – 1973م) ويتعصبون له، يكرهون الوهابية، ويرفضون فكرها، ويرون في إمامها الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1115 – 1206 هـ، 1703 – 1792م) رمزا للتحجر والجمود والرجعية والتقليد!
وفي المقابل، ستجد أغلب الوهابيين وأنصار الشيخ محمد بن عبد الوهاب رافضين لطه حسين، بل إن بعضهم يخرج الرجل من ملة الإسلام!
حدث هذا، ولا يزال حادثا في حياتنا الفكرية والسياسية، دون أن يقرأ أحد من هؤلاء "الإخوة الأعداء" ما كتبه طه حسين عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعن
مذهبه ودعوته وهي كتابة مدهشة وكفيلة بأن تحدث إنقلابا في فكر ومواقف هؤلاء "الإخوة الأعداء"!
لقد كتب طه حسين – في مجلة
الهلال، عدد مارس عام 1933م - دراسة عن "الحياة الأدبية في جزيرة العرب" عرض فيها لمذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته فقال – ضمن ما قال - : "إن مذهب محمد بن عبد الوهاب هو مذهب جديد قديم، جديد بالنسبة للمعاصرين، ولكنه قديم في حقيقة الأمر، لأنه ليس إلا الدعوة القوية إلى الإسلام الخالص النقي المطهر من كل شوائب الشرك والوثنية، هو الدعوة إلى الإسلام كما جاء به النبي خالصا مما أصابه من نتائج الجهل ومن نتائج الإختلاط بغير العرب، فقد أنكر محمد بن عبد الوهاب على أهل نجد ما كانوا قد عادوا إليه من جاهلية في العقيد والسيرة، كانوا يعظمون القبور ويتخذون من الموتى شفعاء عند الله، ويعظمون الأشجار والأحجار ويرون أن لها من القوة ما ينفع وما يضر، وكانوا قد عادوا في سيرتهم إلى حياة العرب الجاهليين، فعاشوا من الغزو والحرب، ونسوا الزكاة والصلاة، وأصبح الدين إسما لا مسمى له، فأراد محمد بن عبد الوهاب أن يجعل من هؤلاء الأعراب الجفاة المشركين قوما مسلمين حقا، على نحو ما فعل النبي بأهل الحجاز منذ أكثر من أحد عشر قرنا.
ومن الغريب أن ظهور هذا المذهب الجديد في نجد قد أحاطت به ظروف تذكر بظهور الإسلام في الحجاز، فقد دعا صاحبه إليه باللين أو الأمر فتبعه بعض الناس، فلما أظهر دعوته أصابه الإضطراب وتعرض للخطر، ثم أخذ يعرض نفسه على الأمراء ورؤساء العشائر كما عرض النبي نفسه على القبائل ثم هاجر إلى الدرعية وبايعه أهلها على النصر كما هاجر النبي إلى المدينة.
ولكن بن عبد الوهاب لم يرد أن يشتغل بأمور الدنيا، فترك السياسة لابن سعود (1173 هـ، 1765م) واشتغل هو بالعلم والدين، واتخذ السياسة وأصحابها أداة لدعوته، فلما تم له هذا أخذ يدعو الناس إلى مذهبه، فمن أجاب منهم قبل منه، ومن امتنع عليه أغرى به السيف وشن عليه الحرب، وقد انقاد أهل نجد لهذا المذهب وأخلصوا له الطاعة وضحوا بحياتهم في سبيله على نحو ما انقاد العرب للنبي وهاجروا معه.
ولولا أن الترك والمصريين اجتمعوا على حرب هذا المذهب وحاربوه في داره بقوة وأسلحة لا عهد لأهل البادية بها، لكان من المرجو جدا أن يوحد هذا المذهب كلمة العرب في القرن الثاني عشر والثالث عشر للهجرة، كما وحد ظهور الإسلام كلمتهم في القرن الأول.
ولقد ترك هذا المذهب أثره في الحياة العقلية والأدبية عند العرب، وكان هذا الأثر عظيما خطيرا في نواح مختلفة، فهو قد أيقظ النفس العربية ووضع أمامها مثلا أعلى أحبته وجاهدت في سبيله بالسيف والقلم واللسان، وهو قد لفت المسلمين جميعا وأهل العراق والشام ومصر بنوع خاص إلى جزيرة العرب، ولقد استدعى الصراع الفكري بين الوهابيين وخصومهم الرجوع إلى كتب التراث ونشر الرسائل والكتب التي يؤيد بها كل فريق مذهبه، فنشرت كتب ابن تيمية وابن القيم واستفاد العالم العربي كله من هذه الحركة العقلية الجديدة.
وظهر حول الأمراء المجاهدين من أهل نجد جماعة من الشعراء عادوا بالشعر إلى الأسلوب القديم، وأسمعونا في لغة عربية فصيحة هذه النغمة العربية الحلوة التي لم تكن تسمع من قبل، النغمة التي لا تقلد أهل الحضر، ولا تتكلف البديع، وإنما تنبعث حرة، تحمل كل ما تجيش به نفس صاحبها من عزة وطموح إلى المثل الأعلى ورغبة في قوية في إحياء المجد القديم".
هكذا تحدث طه حسين عن ابن عبد الوهاب هذا الحديث المدهش، الذي لو قرأه أنصار طه حسين لما أهالوا التراب على الشيخ محمد بن الوهاب، ولو قرأه الوهابيون لما أخرجوا طه حسين من ملة الإسلام!