كتبت كيت غولبراث: حينما حصل سحب بطاقات يانصيب الثروة النفطية في الشرق الأوسط، يبدو أن الأردن سحب بطاقة خاسرة. والآن، بسبب انهماك بعض جيرانه الذين اعتمد عليهم لتزويده بالنفط، مثل العراق ومصر، في حمى الصراع السياسي أو الطائفي، ذهب الأردن يبحث هلعاً عن موارد أخرى، ولقد وجدها أخيراً حيث لم يكن يخطر ببال أحد من قبل.
هذا الشهر، أعلن الأردن -وهو حليف مهم للغرب ولكنه فقير في ميدان
الطاقة- التوصل إلى صفقة تاريخية لمدة خمسة عشر عاماً يستورد الأردن بموجبها
الغاز الطبيعي من
إسرائيل. تقدر قيمة الصفقة بخمسة عشر مليار دولار أمريكي، وتصبح إسرائيل بناء على ذلك أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى الأردن، هذا بحسب ما نشرته صحيفة غلوبز اليومية التجارية. تمثل هذه الصفقة رابطاً اقتصادياً مدهشاً بين بلدين تاريخ العلاقية بينهما كان مشوباً بالتوتر. ولئن عكست هذه الاتفاقية شيئاً فإنما تعكس حاجة الأردن الماسة إلى الطاقة.
يقول كيرتيس رايان، وهو خبير في السياسات الأردنية في جامعة أبالاتشيان الحكومية في شمال كارولاينا، في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "ما من شك في أنها صفقة هائلة، ولكنها من النوع الذي سيجعل الأردن معتمداً جزئياً على إسرائيل، وهذا قد يسبب مشاكل للأردن محلياً وإقليمياً".
هناك أمور غامضة كثيرة في الصفقة الإسرائيلية، كما أن الأمر يتطلب الحصول على موافقات إضافية من البلدين. وحتى تنجح هذه الاتفاقية، لابد من تأمين خط الأنابيب، كما ينبغي ضمان استقرار القيادة السياسية في الأردن، كما يقول آمي مايرز جافي، المدير التنفيذي للطاقة والاستدامة في كلية الإدارة التابعة لجامعة كاليفورنيا في دافيس. ورغم أن السلطة هي بيد الملك نفسه إلا أن الاتفاقية أغضبت عدداً من نواب البرلمان الأردني.
يقول الدكتور رايان إن الخطة "صعب تسويقها سياسياً في الأردن في أي ظرف من الظروف، ولكن بالذات في مثل هذه الظروف" أي بعد الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة.
كانت إسرائيل في يوم من الأيام في مثل وضع الأردن، أي كانت بلداً فقيراً في مجال الطاقة (ولطالما تندر الإسرائيليون بأن موسى قاد شعبه إلى واحد من أفقر الأماكن بالنفط). ولكن بعد اكتشاف كميات هائلة من الغاز في عرض البحر عام 2010 بدأت إسرائيل تتطلع نحو مستقبل تصبح فيه مصدرة للغاز.
ونظراً لأن للأردن جيراناً -بما في ذلك المملكة العربية السعودية والعراق- تكاد تغرق في النفط أو في الغاز الطبيعي، فقد انتشرت بين الناس إشاعات أشبه ما تكون بنظرية المؤامرة مفادها كما يقول عميد كلية الإدارة في الجامعة الأردنية زعبي الزعبي أن الأردن يخفي ما لديه من نفط.
يستورد الأردن ما يقدر بـ95% من احتياجاته من الطاقة تقريباً، كما يقول الدكتور الزعبي وخبراء آخرون. وفي السنوات الأخيرة كانت معظم وارداته من الغاز الطبيعي تأتي من مصر (وقبل ذلك اعتمد الأردن بكثافة على النفط الوارد وبأسعار زهيدة من العراق أيام نظام صدام حسين). إلا أن الاعتداءات المتكررة على خط أنابيب الغاز المصري بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك أثناء انتفاضات الربيع العربي أجبرت الأردن على البحث عن بدائل.
كان للهجمات على خط الأنابيب "آثار مدمرة على اقتصاد الأردن" كما يقول الدكتور رايان، موضحاً بأن البلد "كان في تلك الأثناء يعاني من ركود اقتصادي ومن تضخم في الديون، ولقد أدى التخريب المستمر لخط الأنابيب إلى توقف توريد الغاز إلى الأردن عشرات المرات".
ومما فاقم الأوضاع تزايد أعداد السكان بشكل مفاجئ، جزئياً نتيجة لتدفق اللاجئين من سوريا ومن العراق ومن أقطار أخرى. وكانت المؤسسات الدولية قد ضغطت على الأردن حتى يقلص الدعم على أسعار المحروقات في الوقت الذي كانت أسعارها عالمياً أخذة في الارتفاع.
في نهاية المطاف، ما كان من الحكومة الأردنية إلا أن رفعت أسعار المحروقات، وهي الخطوة التي لم تلق ترحاباً لدى عامة الناس.
يجري توليد الكهرباء في الأردن الآن باستخدام مزيج من النفط السعودي والغاز المصري كما يقول الدكتور الزعبي، الذي أكد بأن الأردن الآن "في وضع صعب للغاية"، مشبهاً إياه بلبنان، البلد الآخر الفقير نسبياً في مجال الطاقة، والذي يحاول أيضاً استيراد الغاز الطبيعي المسال.
وبينما يحاول بسرعة تنويع مصادر مزيجه من الطاقة، يأمل الأردن -رغم ما يكتنف ذلك من جدل- في أن ينشئ أو محطة نووية لتوليد الطاقة، والتي يمكن أن تستفيد من احتياطي من اليورانيوم في باطن الأرض قريباً من الحدود مع إسرائيل. كما يدرس الأردن بدائل أخرى في مجال الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية، التي تعتبر مورداً وفيراً في هذا البلد الصحراوي.
يقول الدكتور رايان: "إن الأردن في وضع يؤهله للاستفادة بشكل رائع من الطاقة الشمسية ومن طاقة الرياح، ولكنه بحاجة إلى دفعة محلية ومساندة خارجية لإنجاز ذلك في عالم الواقع".
لقد وضع الأردن لنفسه هدفاً بأن يحصل على 7 بالمائة من احتياجاته من الطاقة من الموارد المتجددة في العام القادم، وأن يرفع ذلك إلى 10 بالمائة بحلول العام 2020، وثمة تعاطف تبديه معه الجماعات الدولية التي تحرص على رؤيته يحقق تقدماً في هذا المجال.
ففي الأسبوع الماضي أقر المصرف الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية قرضاً قيمته 30 مليون دولار لدعم إقامة أنظمة توفر الطاقة في تدفئة وتبريد المباني في أحد المراكز التجارية في العاصمة الأردنية، عمان.
وفي العام الماضي تزعمت مؤسسة التمويل الدولي، وهي أحد أذرع البنك الدولي، مشروعاً للحصول على ما مقداره 221 مليون دولار لتمويل إنشاء أول مزرعة لتوليل الطاقة من الرياح مملوكة للقطاع الخاص في الأردن.
وبعد كل ذلك ثبتت صحة ما ذهبت إليه نظريات المؤامرة من أن الأردن يخفي نفطه، فالصخر الرسوبي الذي يحتوي على كميات ضخمة من النفط يلتحف به باطن الأرض في كافة أنحاء البلاد، إلا أن استخراجه قد يكون صعباً من الناحية التقنية ومكلفاً من الناحية المالية. ومع ذلك، يرغب الأردن في السنوات القادمة بإنشاء محطة توليد للطاقة تدار بالزيت الصخري.
وسيستمر الأردن بالبحث عن موردين جدد، وقد أجرى هذا الشهر محادثات مع قبرص حول استيراد الغاز منها.
يقول الدكتور رايان: "يتبين من مأزق الأردن أهمية ألا يكون البلد معتمداً أكثر من اللازم على مورد معين من موارد الطاقة"، ويضيف "إننا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حالة المنطقة غير المستقرة، ينبغي على البلدان فيها تجنب أن تكون “معتمدة أكثر من اللازم على أي بلد بعينه كمورد وحيد للطاقة".
(نقلا عن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية 17 أيلول/ سبتمبر 2014)