من المقرر أن تكون المملكة العربية
السعودية واحدة من ثلاث دول تترأس استعراضاً حول أوضاع
حقوق الإنسان في
مصر، ينظمها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
وبحسب ما ذكر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، السبت، فسيتم الاستعراض من خلال إجراء يعرف باسم "الاستعراض الدوري الشامل"، وهو عبارة عن أداة يستخدمها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لتقييم سجلات حقوق الإنسان في جميع الدول المائة وثلاث وتسعين الأعضاء في الأمم المتحدة كل أربعة أعوام.
وفور الإعلان عن أن السعودية والجبل الأسود وساحل العاج ستشكل "الترويكا" أو اللجنة التي ستشرف على عملية الاستعراض الخاصة بمصر توالت الانتقادات التي تتهم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالانحياز وعدم المصداقية.
يقول رافي نيك، وهو محامي من مؤسسة (آي تي إن) للمحاماة والمفوضة بتمثيل جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة: "منذ الاستعراض الدوري الشامل الأولى التي أجري بحق مصر، وقعت فيها ثورتان. في الأولى أزيح مبارك عن السلطة من خلال احتجاجات شعبية عارمة، ومؤخراً أطيح بالرئيس مرسي بالقوة من قبل النظام العسكري. ومن المقرر أن يجري الاستعراض الثاني الخاص بمصر في نوفمبر".
وبين نيك أن هذه فرصة تاريخية أمام مجلس حقوق الإنسان لينظر بعناية وبشكل سليم في تداعيات هذين الحدثين على شعب مصر.
لكنه استدرك بقوله: "لكن، ينبغي على أي استعراض أن يكسب ثقة الناس من خلال الإجراءات المتبعة، واختيار السعودية عضواً في اللجنة التي تقود المراجعة يثير القلق بشكل خطير. وذلك أن اختيار الدول المعروفة بانحيازها العلني حتى تجري المراجعة سوف ينال بشكل كامل من استقلالية ونزاهة المراجعة".
وأكد المحامي أنهم قاموا بالكتابة إلى "مجلس حقوق الإنسان للتعبير عن قلقنا، وطالبنا بإسقاط عضوية السعودية من الترويكا المكلفة بالمراجعة".
وبحسب موقع الأمم المتحدة، "يساعد في استعراض سجل أي دولة مجموعة من ثلاث دول، تعرف باسم (ترويكا)، يعملون كمقررين. ويتم اختيار أعضاء ترويكا لكل دولة من خلال إجراء القرعة بعد انتخابات عضوية المجلس في الجمعية العامة".
وتعتبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أحد المؤيّدين المخلصين للمشير السابق والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، كما قامتا بضخّ مليارات الدولارات، جنبًا إلى جنب مع الكويت، إلى مصر منذ الإطاحة المدعومة بالجيش بأول رئيس منتخب ديمقراطيًّا في مصر، محمد مرسي، في يوليو 2013.
ويبين نيك أن السعودية هي "واحدة من أشد الأنظمة قمعاً وتقييداً للحريات في العالم، ولديها نفوذ واسع على جيرانها بفضل علاقاتها الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية وبفضل مواردها المالية الهائلة. ولذلك، من شأن منحها موقعاً في مجلس حقوق الإنسان أن ينزع المشروعية عن وظيفته التي من أجلها تأسست".
لم يقتصر النقد الموجه إلى لجنة الاستعراض على وجود المملكة العربية السعودية ضمن الترويكا، على أساس أن مصالحها الجيوسياسية ستدفعها إلى تبييض صفحة سجل حقوق الإنسان في مصر، بل ذهب المحامون الدوليون إلى أبعد من ذلك حين وضعوا عملية اختيار لجان الاستعراض بأسرها على المحك وقيد التدقيق.
وقد كشف نيك النقاب عن أن "الأمر يتجاوز مجرد الصدفة في اختيار السعودية لهذه المهمة. فنظرياً، يخضع الاختيار للقرعة، ولكن لا توجد أي قواعد تحكم الإجراء المتبع. والواقع هو أن رئيس المجموعة يختار المناطق، ومن هذه المناطق تقوم الدولة التي يجري الاستطلاع بحقها باختيار الدول التي ستقوم به". وأضاف إن مصر في هذه الحالة هي التي قامت فعلياً باختيار الدول الأعضاء في لجنة الاستطلاع الخاص بها.
الجبل الأسود.. يد الإمارات في اللجنة
ويشير موقع "ميديل إيست آي" إلى أن هناك أعضاء آخرين في اللجنة أثار وجودهم فيها قلقاً أيضاً.
فثمة تقارير تفيد بأن دولة الإمارات العربية المتحدة استثمرت مليارات الدولارات في الجبل الأسود من خلال عقود سرية مجزية أبرمت بين القيادات السياسية في الإمارات وفي الجبل الأسود بهدف تنمية المنطقة، وهو الأمر الذي يقلص فرص أن تقوم هذه الدولة الشرق أوروبية بلعب دور نزيه في عملية الاستعراض.
ترتبط المعاملات المشبوهة بين الإمارات العربية المتحدة والجبل الأسود بمحمد دحلان مسؤول الأمن الوقائي السابق في غزة والذي يعيش منفياً في الإمارات منذ عام 2011، حينما اتهمه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالاختلاس المالي وبالعمالة لإسرائيل وبالتورط في محاولات اغتيال الراحل ياسر عرفات.
بينما لا يشعر فريق نيك القانوني بإيجابية تجاه نتائج التقرير الذي سيصدر عن اللجنة الحالية – وهو الأمر الذي دفعهم إلى مخاطبة مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من خلال رسالة بعثوها إليه مطالبين بإعادة النظر في اختيار المملكة العربية السعودية عضواً في الترويكا، إلا أن بعض الخبراء الآخرين يرون بأن العملية، ولو على المدى البعيد، ستكون فعالة في إجراء تغيير في وضع حقوق الإنسان في مصر.
وقال الخبير في القانون الدولي، توبي كادمان، وهو محامٍ في مجموعة بيدفورد الدولية بلندن، والمستشار لعدد من المجموعات العاملة في الحالة المصرية: إنّ "المقررين الخاصين والترويكا ينسقون العملية فقط، ولكن هناك العديد من الدول الأعضاء التي تشارك في الاستعراض، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية، كما يمكن لجميع الدول الأخرى الإدلاء بتعليقات أثناء الاستعراض الفعلي".
وفي حين قال كادمان إنّه يعتقد أنّ تحيز المملكة العربية السعودية قد يؤثر على الاستعراض، إلّا أنه قال إنّ تحيز دول الخليج يمكن موازنته من خلال عملية صارمة وذات مصداقية بحيث تسمح للقوى المؤثرة الأخرى، والرائدة ضمن مجموعة العمل بالمساهمة في الاستعراض.
ورغم ذلك، يؤكد كادمان أن هناك العديد من المعوقات أمام تنفيذ القانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث قال: "هناك انتقادات بأنها (أي لجنة حقوق الإنسان) ليس لديها ما يكفي من القوة لإجبار الدول حقًّا على التغيير، ولكنها تعتبر آلية فعّالة. فواحدة من الأدوات الفعّالة التي لديها، أنها تستطيع صياغة قرار يلزم جميع أعضائها بتأسيس لجنة للتحقيق، مثلما فعلت في سوريا وكوريا الشمالية وفلسطين".
يشار إلى أن الأمم المتحدة أصدرت، الجمعة، قرارا حول إرسال أدلة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي حدثت في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. إلّا أنه يجب أن يتم تمرير القرار من خلال مجلس الأمن قبل أن يتم وضعه موضع التنفيذ. ويتوقع أن تعمل كل من الصين وروسيا على الأرجح على وقف القرار.
ويذكر أن هناك بالفعل عدة اتهامات شديد اللهجة وجهت ضد الحكومة المصرية حول تورطها في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان منذ يوليو عام 2013.
وأظهر تقرير هيومن رايتس ووتش الذي أعلن في أغسطس الماضي بالتفصيل المشاركة والمسؤولية الفردية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى جانب وزير الداخلية محمد إبراهيم ورئيس القوات الخاصة للشرطة عن القتل الجماعي للمتظاهرين في مصر خلال شهريْ يوليو وأغسطس عام 2013.
جاء التقرير كنتاج لتحقيقات استمرت عامًا، والذي نشر تزامنًا مع ذكرى ما يسمّى بمجزرة رابعة في 14 آ/ أغسطس الماضي. ودعا التقرير إلى النظر في إجراء تحقيق من قبل الأمم المتحدة، فضلًا عن السلطات المصرية، وحثت على محاكمة المتورطين.
ومُنع فريق هيومان رايتس ووتش الذي كتب التقرير من دخول مصر قبل صدوره، في حين اعتقل أحد شهود التقرير في 30 آب/ أغسطس من قبل السلطات الأمنية المصرية.
كما أطلقت المنظمة العربية لحقوق الإنسان، الخميس، تقريرًا من 180 صفحة يتضمن تفاصيل الاعتقالات السياسية الجماعية التي وقّعت في مصر بعد الانقلاب العسكري.
ووفقًا للتقرير، فقد بلغت الاعتقالات مستويات قياسية في شهر آب/ أغسطس عام 2013 عندما تمّ اعتقال أكثر من 9823 من المصريين في اعتقالات عشوائية وتعسفية، بما في ذلك 522 امرأة، و926 قاصرًا و3686 طالبًا، الذين اختفى بعضهم منذ ذلك الحين دون أثر.