لا يزال يتعين على الولايات المتحدة أن تشرح بدقة ما يمكن أن يعنيه النصر في حربها ضد "تنظيم الدولة"، لكن يتضح الآن أن النجاح سيكون رهنا إلى حد كبير بالأحداث السياسية في
سوريا والعراق الخارجة عن سيطرتها كما يرى خبراء.
واستراتيجية الولايات المتحدة للقضاء على "تنظيم الدولة" تعتمد على سلسلة من الرهانات الكبرى التي قد يستغرق تحقيقها سنوات لا سيما في سوريا حيث تراهن على بناء قوة معارضة مسلحة "معتدلة".
وقال كارل مولر الخبير السياسي في معهد راند إن الإدارة الأميركية "تقر بأن الأمر سيستغرق وقتا طويلا حتى في أفضل السيناريوهات".
ورغم صور المقاتلات تقصف مواقع جهاديين، حذر الرئيس الاميركي باراك أوباما وقادته العسكريون تكرارا بأن على الأميركيين أن يستعدوا لسنوات طويلة من الحرب، وأن الغارات الجوية لن تؤدي إلى نتائج حاسمة.
وقال أوباما هذا الأسبوع "اعتقد أن الأمر سيشكل تحديا طويلا".
ويأمل الرئيس ومساعدوه بأن تستخدم الضربات الجوية في سوريا والعراق كسد منيع أمام تقدم المسلحين السنة وكسب الوقت لبناء قوات محلية ودفع الزخم السياسي قدما ضد هذا التنظيم.
وقال أوباما "ما يمكن أن تقوم به عملياتنا العسكرية هو مجرد صد هذه الشبكات والحرص على كسب الوقت لايجاد وسيلة جديدة للقيام بالأمور".
واستنادا إلى الخطوط العريضة التي عرضها مسؤولون أميركيون فإن استراتيجية الحرب تستند إلى هزم مقاتلي "تنظيم الدولة" في
العراق اولا مع الاستعانة بالقوات الكردية والجيش العراقي والمتطوعين الشيعية وميليشيا من "الحرس الوطني" من العشائر السنية لم تشكل بعد.
وفي سوريا تراهن واشنطن على تدريب وتسليح قوة جديدة من مسلحي المعارضة بمعدل خمسة الاف مقاتل سنويا.
وبهذه الوتيرة، سيستغرق الأمر ثلاث سنوات قبل أن تصبح القوة كبيرة بما فيه الكفاية لتنتصرعلى "تنظيم الدولة" كما قال الجنرال مارتن دمبسي رئيس أركان الجيش الاميركي.
وإذا تمكنت قوة المعارضة المسلحة المدربة من قبل الأميركيين من دحر "تنظيم الدولة"، فإنها يمكن على المدى الطويل أن تطيح النظام السوري، لكن المسؤولين الأميركيين لم يحددوا بعد بدقة خطتهم بالنسبة لسوريا.
وفي العراق فإن دحر "تنظيم الدولة" لن يعتمد فقط على الأسلحة أو التكتيك العسكري وإنما على الحكومة العراقية التي يترأسها شيعي لكي تتخلى عن نهجها الطائفي وتتعاون مع الطائفة السنية كما يقول محللون.
وقالت مارينا أوتواي الخبيرة في مركز وودرو ويلسون أن الرهانات كثيرة على رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي الذي لا يزال يتعين عليه القيام بتغيير جذري.
وكتبت أوتواي "حتى الان لم تتخذ الحكومة أية قرارات ملموسة يمكن أن تقنع السنة والأكراد بأن مصالحهما أصبحت الآن محمية".
وبعد الاجتياح الاميركي للعراق في 2003، قال الجنرال ديفيد بترايوس الذي أصبح لاحقا قائد القوات الأميركية هناك، عبارته الشهيرة "والآن كيف سينتهي هذا الأمر".
وأضاف مولر أن خطة هزم "تنظيم الدولة" تبدو في بعض الأحيان غير أكيدة بالنسبة "لكيفية انتهائها" لكن هذا جزئيا لأن كان على الأميركيين أن يتصرفوا بسرعة لوقف تقدم الجهاديين السريع.
وقال: "إن الهدف القريب الأمد هو وقف تقدمهم ومنع الوضع من التدهور أكثر".
وبالنسبة للهدف الطويل الأمد، فإن استراتيجية الإدارة لا تزال مرتجلة في بعض جوانبها، وقال مولر "إنهم إلى حد ما، يتعاملون مع الأمور بشكل آني".
ورغم هذه الشكوك المحيطة بالاستراتيجية الاميركية فإن "تنظيم الدولة" ليس مجموعة لا تقهر ويمكن القضاء عليه إذا واجه ضغطا مكثفا لا سيما من جانب السوريين والعراقيين المعارضين لأساليبه الوحشية كما يرى بعض الخبراء.
وقال مايكل أوهانلون من معهد بروكينغز "إذا تعرض تنظيم الدولة لهزائم كبرى في العراق السنة المقبلة كما أتوقع، فإن قوته في سوريا ستتراجع أيضا".
وأضاف "لمجرد أننا لا يمكننا رؤية النهاية بوضوح، هذا يجب ألا يثنينا عن إقامة تحالفات وبسط بعض النفوذ" منتقدا الرئيس الأميركي لعدم تحركه قبل الآن.
ونتيجة حملة الضربات يجب أن ترافق بتحركات سياسية في العراق وسوريا كما تقول أوتواي.
وقالت أوتواي إنه اذا لم تتمكن الحكومة العراقية وقادة المعارضة السورية من النهوض بالتحديات وأن يلقوا جانبا برامجهم الطائفية والعقائدية فإن التدخل الأميركي سيؤدي في أفضل الأحوال إلى إبطاء تقدم "تنظيم الدولة" ليس الا.
وأضافت أنه كما حصل مع التدخل الأميركي في العراق وأفغانستان في العقد الماضي، "فإن تدخلا عسكريا ناجحا يمكن أن تنسفه تجاذبات الاستراتيجية السياسية".