جاءت تبرئة وإطلاق سراح الناشط المسلم معظم
بيغ، والذي كان معتقلا سابقا في
غوانتنامو، لتعيد إشكالية تعامل الحكومة مع ملف البريطانيين في سوريا، وصعوبة التعامل معه. ففي قضية معظم بيغ اتخذ الادعاء العام القرار بإلغاء المحاكمة بعد حصوله على أدلة سرية تنسف القضية ضد بيغ.
وقد اتخذ هذا القرار قبل خمسة أيام من موعد محاكمة بيغ بمجموعة تهم بالإرهاب، لو أدين فيها قد يصل حكمه إلى 15 عاما، حيث أعلن الادعاء العام في محكمة الأولد بيلي في لندن "أنه نما إلى علمهم من وقت قريب مادة مهمة، جعلتهم مضطرين لعدم تقديم أي أدلة".
وأطلق سراح بيع من سجن بلمارش شديد الحراسة في جنوب لندن، بعد أن أصدر القاضي حكما بالبراءة، وقال بيغ للصحافيين على باب السجن كنت أتطلع إلى "يومي في المحكمة، ولكني سعيد بأني حر الآن".
وأضاف "أحتاج للتواصل مع عائلتي، وأن أتعود على حالة الحرية، وأعتقد أنه من المهم الإشارة إلى فشل الحكومة في سياساتها الخارجية والداخلية، وبالذات عملية الشيطنة التي تقوم بها للمجتمع المسلم".
وقالت مصادر في الشرطة بأن القرار بوقف المقاضاة، تم اتخاذه بعد وصول مادة استخباراتية قبل شهرين، بينما قال الادعاء: "لو كنا نعلم بكل هذه المعلومات في وقت توجيه التهم لما قمنا بتوجيه تهم".
ورفضت وزارة الداخلية الإجابة عن السؤال فيما إذا كانت المعلومات الاستخباراتية مقدمة من فرع الاستخبارات العسكرية الداخلي (MI5)، ومنذ متى كانت تمتلك المخابرات هذه المعلومات، وقالت الوزارة إنه ليس من المناسب التعليق، وإن القرار بعدم متابعة القضية اتخذ على مستوى الشرطة والادعاء.
وهناك تكهنات بأن المعلومات الجديدة هي أن بيغ كان قد أخبر الاستخبارات البريطانية بنيته السفر إلى سوريا.
وقد قضى بيغ سبعة أشهر في السجن، بعد اعتقاله والتحقيق معه حول عدد من الزيارات، قام بها إلى سوريا، ويقول أصدقاؤه بأنها كانت تجربة صادمة بالنسبة له.
وكان الرجل البالغ من العمر (46 عاما) من بيرمنغهام، يواجه سبع تهم بامتلاك وثيقة بهدف تمويل
الإرهاب والتدريب وحضور مخيم تدريب إرهابي، وقد نفى جميع التهم.
وقال كريستوفر هير أمام محكمة أولد بيلي أن الادعاء كان مقتنعا بوجود ما يكفي من الأدلة لتقديم بيغ للمحاكمة، ولكنه علم حديثا بوجود معلومات جديدة قام بتفحصها بدقة، ووصل إلى الاستنتاج بأنه لا توجد فرصة واقعية للحصول على إدانة، ولذلك قرر الادعاء عدم تقديم أدلة.
وقالت محامية بيغ، غاريث بيرس، إنه كان من الخطأ توجيه التهم لموكلها، الذي لا تعتبر نشاطاته إرهابية، وأضافت: "هذا رجل طيب يحاول أن يقوم بالعمل الصحيح في عالم صعب".
وتابعت بيرس "إنه شخص نادر يتحدث مع الجميع ويستمع للجميع، وحتى لاؤلئك الذين يختلف معهم جذريا. وقد قضى عقدا من الزمان بعد إطلاق سراحه من عذاب باغرام وغوانتينامو، يحاول توعية العالم بالظلم وفهم أسبابه وآثاره. ولا يمكن أن يكون هناك شيء تم اكتشافه الآن لم يكن واضحا تماما طيلة الوقت – أن هذا الرجل رجل بريء".
ولم يخف بيغ رحلاته إلى سوريا، حيث كتب عن تجربته على الإنترنت، وتفاجأ باعتقاله وقال للشرطة أن لا علاقة له بالإرهاب، وأنكر حضور مخيم تدريب، أو تلقي أي تعليمات تتعلق بالإرهاب خلال زياراته عند ظهوره الأول في المحكمة. كما أنكر خمس تهم أخرى وجهت إليه، بناء على ملفات وجدت على جهاز الكمبيوتر الذي يمتلكه. كما أنه انكر أن يكون قد قام بتمويل أنشطة إرهابية بتوفير مولد كهرباء هوندا.
ولو أن القضية وصلت للمحكمة كان بيغ ينوي أن يطرح أمام المحلفين ما فعله قبل أشهر قليلة من محاولة الحكومة إقناع البرلمان بالموافقة على ضربات جوية ضد الحكومة السورية، يعني أن ما فعله ليس فعلا إرهابيا.
وفي جلسة سابقة قال ممثله المحامي (المستشار الملكي) بين إميرسون للمحكمة إن موقف موكله مما يحدث في سوريا لا يتعارض مع موقف الحكومة البريطانية وقال "لم يقم بيغ بتدريب أحد بهدف الإرهاب، كما هو معرف في قانون الإرهاب لعام 2001، حيث يقول السيد بيغ أنه قام بتدريب الشباب للدفاع عن المدنيين في وجه جرائم الحرب التي يرتكبها نظام الأسد".
ويتابع إميرسون "وهذا ليس دفاعا سياسيا، بل مسألة مهمة تتعلق بحدود الفتك والحدود الملموسة لتعريف الإرهاب، لأنه إن قال الدفاع بأن الحالات المذكورة متعلقة بفعل دفاعي يتشابه كثيرا مع ما تفعله المملكة المتحدة نفسها عندما تقدم المساعدات غير الفتاكة، لذلك علينا أن نسلم بأن هذا لا يعرف بأنه عمل إرهابي".
وبيّن إميرسون أن بيغ لم يخف زياراته لسوريا، بل أنه أخبر السلطات مرتين عن نيته للسفر هناك قبل أن يسافر.
وقضى ييغ ثلاث سنوات في السجن بعد هجمات القاعدة عام 2001، ففي شهر شباط 2002 تم اعتقاله في باكستان وسلم للقوات الأميركية التي سجنته في سجن باغرام، ثم نقلته إلى غوانتينامو، وتم استجوابه خلال سجنه من ضباط مخابرات بريطانيين وأميركيين.
وبعد أن تم إطلاق سراحه عام 2005 بدأ العمل مع منظمة حقوق الإنسان (كيج)، التي تتخذ من لندن مقرا لها، وأصبح ناشطا يدافع عن المتهمين بالإرهاب، والذين يسلبون حقوقهم الأساسية بناء على هذه التهمة.
وعلق مدير قسم الأبحاث في مؤسسة "كيج" عاصم قرشي فيما نقلت عنه صحيفة "الغارديان" على فشل المحاكمة بالقول: "كانت هذه فترة صعبة على معظم وعائلته والمجتمع المسلم، ومما زاد في صعوبة الموقف تجريم كل من سافر إلى سوريا تقريبا، وهاجمت كل المؤسسات الحكومية مؤسستنا (كيج) .. نأمل أن يكون إطلاق سراح معظم هو إشارة إلى أن الحكومة على استعداد الآن لتبني سياسات متزنة تجاه محاربة الإرهاب، وتتجنب تجريم كل من يخالفها الرأي ومحاولات القضاء على أي مؤسسة مثل "كيح" تناضل من أجل القانون والعدالة".