يعتبر ليون بانيتا، وزير الدفاع ووكالة الاستخبارات – سي أي إيه- السابق، ثالث مسؤول سابق في إدارة الرئيس الأميركي باراك
أوباما يخرج وينتقد رئيسه ومسؤوله السابق، فبعد روبرت غيتس، وزير الدفاع السابق، وهيلاري كلينتون، ها هو بانيتا يخرج وينتقد أوباما، ويتهمه بخلق فراغ في العراق سمح لتنظيم الدولة المعروف بـ "داعش" بالصعود.
ويقول ديفيد
إغناتيوس، الذي قدم مراجعة لكتاب بانيتا في صحيفة "واشنطن بوست"، ربما كان حريا بالرئيس أوباما الطلب من كبار مسؤولي حكومته التوقيع على اتفاق مشاركة في حقوق كتابة المذكرات عندما يقسم هؤلاء للعمل معه في إدارته؛ حتى يشاركهم في جزء من مبيعات كتبهم.
ويحمل كتاب بانيتا عنوان "
حروب تستحق المجازفة"، وهو كتاب، كما يقول إغناتيوس، سهل القراءة وصريح في وصف الشخصيات والأحداث التي عايشها.
ويرى إغناتيوس أنه لا داعي للحذر في كتابة بانيتا مذكراته، فصراحته تماثل صراحة سلفه روبرت غيتس، وهو أكثر صراحة من كلينتون التي من المتوقع ترشحها للرئاسة، ويجب أن تظهر نوعا من اللياقة في تعاملها مع الشخصيات الكبيرة.
ويضيف إغناتيوس أن بانيتا يقول إن أوباما كان مخطئا حول عدد من القضايا، مما يدعو القارئ للتساؤل عن السبب الذي يدعو كبار المسؤولين مثل بانيتا للبقاء والعمل مع رئيس لا يوافقونه على آرائه. الصراحة أمر جيد، ولكن ألم يكن حريا بهؤلاء المسؤولين التحدث علانية في الوقت الذي كانوا فيه مسؤولين عن اتخاذ القرارات أو حتى الاستقالة. فقد تخسر البلاد خدماتهم، ولكننا بحاجة لمسؤولين يقولون الحقيقة علانية وفي الوقت المناسب قبل توقيع عقود كتابة كتبهم،
وانتقد إغناتيوس عناوين الكتب الثلاثة "خيارات صعبة" لكلينتون، و "واجب" لغيتس و"حروب تستحق المجازفة" لبانيتا.
ويعتقد إغناتيوس أن أهمية كتاب بانيتا تنبع من شخصية الرجل نفسه وأصوله الإيطالية الكاثوليكية، حيث يحدثنا عن والده "الفلاح"، الذي وصل لأميركا من كلاباريا في جنوب إيطاليا (التي تظهر على الخارطة بمثابة الأصبع في قدم إيطاليا). ويتذكر بانيتا كيف كان جده يحمله على كتفيه في شوارع مونتيري- كاليفورنيا، وكيف عملت والدته في مطعم للعائلة حتى الثانية صباحا. ولم يتخلص بانيتا من جذوره الإيطالية والدينية، فكلما واجهته مشكلة كان يبحث عن مسبحته في جيبه ويمجد مريم العذراء.
ويشير التقرير إلى أن بانيتا يقدم صورة عن تدرجه في العمل السياسي، فهو كديمقراطي عُين في عام 1994 مسؤولا عن طاقم بيل كلينتون. وظلت مواقفه السياسية تعبر عن رجل براغماتي يقف في الوسط، ففي بداية حياته انضم للحزب الجمهوري ووصل إلى واشنطن كنائب عن الحزب، وعمل في خدمة الرئيس ريتشارد نيكسون.
ويتابع أنه كنائب عن الحزب الديمقراطي، فقد اهتم بانيتا في الموضوعات المتعلقة بالميزانية، وكان عضوا في لجنة الكونغرس المتعلقة بالإدارة.
ويعتبر بانيتا رجل عقد الصفقات، ولهذا كان يمقت النائب الأيديولوجي نيوت غينغرتش، والذي يصفه في الكتاب "بالصبياني" والبلطجي، الذي يضفي أهمية على نفسه، كما أورد التقرير.
ويلفت إغناتيوس إلى أنه بالرغم من إعجابه بذكاء بيل كلينتون إلا أن الأخير كان ينقصه النظام والانضباط الذي بدا في علاقته مع مونيكا لوينسكي. فبعد خروج بانيتا في عام 1997 من إدارة كلينتون وعودته لكاليفورنيا ظن أن مشواره السياسي قد انتهى.
ويستدرك إغناتيوس "لكن الدعوة للواجب جاءته عام 2009 عندما عينه أوباما في مركز مدير سي أي إيه. فقد اعتقد أوباما أن الوكالة بحاجة لسياسي مجرب كي يبني مصداقيتها من جديد، وكان بانيتا اختيارا مفاجئا".
ومن ثم بدأ معركته "جهاده"، كما يقول إغناتيوس، مع زعيمة الكونغرس نانسي بيلوسي، التي ارتكبت خطأ فادحا ووصفته بالكاذب، وهو أمر لم تفعله بعد ذلك. ويكشف بانيتا في مذكراته عن "المعركة القبيحة" بينه وبين مدير الأمن القومي دينيس بلير، مسؤوله الرسمي، والذي اعتقد أن بإمكانه فرض رأيه على مقاتل قديم في واشنطن- بانيتا.
ويبين التقرير أن أهم ما في المذكرات هو حديث بانيتا عن اللحظة الأهم في حياته وعمله كمدير للسي أي إيه، وهي اكتشاف مكان زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في آبوت أباد واغتياله في أيار/مايو 2011.
ويكتب بانيتا عن تفاصيل التخطيط للعملية، حيث أخبر الرئيس أوباما "إن لم نفعلها فسنندم على ذلك"، وكان أوباما نفسه حاسما في الموضوع، حيث طلب منه في آذار/ مارس بعد أن قرر استخدام الطائرات للهجوم على بيت بن لادن "نحتاج للتحرك سريعا"، كما أوردت الصحيفة.
وتمنى إغناتيوس لو اعترف بانيتا بالخطأ الأخلاقي والإنساني، عندما أشار لإرساله طبيبا إلى مكان بن لادن لجمع عينات دي أن إيه، تحت ذريعة القيام بحملة لقاح ضد مرض شلل الأطفال. وأدت العملية لتعزيز الشك في نوايا عمال الإغاثة الصحية في باكستان وأفغانستان، وتسببت في انتشار مرض شلل الأطفال.
وفي حديث بانيتا عن عمله كوزير للدفاع، والذي استمر مدة 18 شهرا، يشير إلى كبر حجم البنتاغون، مقارنة مع سي أي إيه.
ويشير إغناتيوس أنه من الملاحظ أن كلا من بانيتا وجورج تينيت يختلفان عن الجيل المتخرج من الجامعات الأميركية والمعروفة ومن البيض الأنكلو ساكسون البروتستانت (واسب).
وينتقد بانيتا أوباما، الذي لم يرض عن أيامه كسناتور ولا يحب الكونغرس بشكل عام. ويقول بانيتا أن أسلوب أوباما في اتخاذ القرارات "مركزي"، وينحصر في البيت الأبيض، أكثر من أي إدارة عمل فيها وزير الدفاع السابق، وفق إغناتيوس.
ويوضح إغناتيوس أن بانيتا كان قاسيا في نقده للإدارة وسياستها في العراق وسوريا، فقد كان البيت الأبيض "حريصا على التخلص من العراق، لدرجة أنه كان مستعدا للانسحاب عام 2011، بدلا من عقد ترتيبات تحفظ تأثيرنا ومصالحنا". فرحيل أوباما من العراق تركه للقادة الطائفين وأدى لخروج "داعش".
ويختم إغناتيوس قراءته بالإشارة لقول بانيتا فيما يتعلق بسوريا "إن أوباما تردد بين (خطه الأحمر) واتخاذ العمل العسكري ضد الأسلحة الكيماوية عام 2013، والنتيجة -كما شعرت- أنها ضربة لمصداقية أميركا".
ويخلص إغناتيوس إلى أنه في الوقت الذي يعبر فيه بانيتا عن إعجابه بكفاءات الرئيس وواقعيته وبراغماتيته، إلا أنه يلاحظ أن الرئيس يحاول تجنب المعارك والتردد والشكوى ويضيع الفرص.