نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للمعلق باتريك كوكبيرن، قال فيه إن
العراق انزلق إلى حرب طائفية وحشية، حيث تقوم الميليشيات الشيعية المدعومة من الحكومة بقتل أو تعذيب أو المطالبة بالفدية لكل من يقع في أيديهم من
السنة.
ويقول كوكبيرن إن تنظيم الدولة المعروف بـ "
داعش" مشهور بارتكابه المجازر ضد
الشيعة، ولكن الانتقام بهذا الشكل من الميليشيات الشيعية يعني أن العراق عاد لمستوى من القتل الطائفي لم يشاهد منذ الحرب الأهلية الطائفية عامي 2006-2007، حيث قتل عشرات الآلاف في تلك الحرب.
وتشير الصحيفة إلى أن الميليشيات الشيعية أصبحت هي القوة المقاتلة الرئيسية بيد حكومة بغداد، منذ هزيمة الجيش العراقي على يد "داعش"، عندما استولى الأخير على شمال العراق في حزيران/ يونيو.
وبحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية "أمنستي" نشر اليوم فإن الميليشيات تتمتع بحصانة كاملة في ارتكابها لجرائم الحرب ضد المجتمع السني، وتقوم هذه الميليشيات بالمطالبة بمبالغ طائلة كفدية للمخطوفين لديها ولكنها تقتلهم بعد قبض الفدية، بحسب الصحيفة.
ويرى الكاتب أن ظهور الميليشيات الشيعية والفشل في إعادة بناء الجيش العراقي قادا لنسف السياسات الأميركية - البريطانية الداعمة لحكومة عراقية تشمل الأطياف كافة وتكون أقل طائفية. وكان الهدف هو إقامة حكومة "تستطيع أن تصل إلى خمسة أو ستة ملايين سني عراقي، سعيا لتحويل هذه الفئة ضد (داعش)". ولكن ما دامت الميليشيات الشيعية تتعامل مع كل سني وكأنه مقاتل في "داعش"، فلم يترك للسنة مجالا إلا تأييد المتطرفين الجهاديين.
وينقل تقرير "أمنستي" عن أحد مسلحي "عصائب الحق" وهي إحدى أكبر الميليشيات الشيعية، حيث كان يحرس على حاجز شمال بغداد، قوله "إن أمسكنا بأولئك الكلاب (يعني السنة) القادمين إلينا من تكريت فسنعدمهم. فهم يعملون في تلك المناطق مع (داعش) ويأتون إلى بغداد ليرتكبوا أعمالا إرهابية، ولذلك علينا أن نوقفهم".
وتبين الصحيفة أنه بالإضافة للدوافع الطائفية لـ "عصائب الحق" وكتائب بدر وكتائب حزب الله وسرايا السلام، فهم مجرمون. تقول إحدى الأمهات الثكالى: "استدنت من أصدقائي ومن كل من أعرف لأجمع الفدية لإنقاذ ابني، ولكنهم قتلوه بعد أن دفعت لهم، والآن لا سبيل لي لسد الدين؛ لأن ابني كان الوحيد الذي يعمل في العائلة".
ويلفت كوكبيرن إلى أن التحرك في الشوارع أصبح خطرا جدا على السنة، حتى قبل أن تطلق "داعش" هجمتها الصيفية. فمثلا في 30 أيار/ مايو تم اختطاف ابني العم ماجد ونايف، الأول عمره 31 عاما، ويعمل في وزارة التعليم، والثاني مهندس على حاجز، لدى عودتهما إلى تكريت، حيث ذهبا إلى بغداد لشراء أثاث.
ويتابع الكاتب أنه طلب من العائلة مبلغ 90 ألف دولار فدية، وقد تم دفعه، ولكنهما وجدا بعد ذلك وقد ربطت أيديهما وضربا بالرصاص في رأسيهما. كما أن تاجرا يدعى سالم عمره 43 عاما، وكان يملك مصنعا في بلدة التاجي تم اختطافه، ودفع المال ليطلق سراحه، ولكن جثته وجدت فيما بعد وقد تهشم رأسه، إما برصاصة كبيرة الحجم أو بأداة غير حادة.
وتقول الصحيفة كان الوزراء الأميركيون والبريطانيون قد أشادوا بحكومة حيدر العبادي على أنها أقل طائفية من حكومة نوري المالكي، ولكن عمليا فإدارة العبادي لا تختلف عن سابقتها. وتقول دوناتيلا روفيرا مستشارة "أمنستي" للتجاوب مع الأزمات: "إلى الآن لم يختلف شيء، فالميليشيات الشيعية أهم بكثير من الجيش، وهي من يدير الأمور"، وحتى لو أرادت الحكومة أن تفعل شيئا فمن الصعب السيطرة على تلك الميليشيات. وتؤكد روفيرا أن "مستوى العنف وصل إلى مستواه في عام 2006- 2007".
ويجد كوكبيرن أنه عادة ما يعمل رجال الميليشيات بالتنسيق مع الشرطة والجيش وضحاياهم من المسيحيين والسنة. وقد اضطرت عائلة مسيحية للهجرة خارج البلاد عندما هددها ثلاثة رجال من الميليشيات إن لم تدفع مبلغا كبيرا، ولم تخبر العائلة الشرطة بما حصل. ويؤكد التقرير أن كون العائلة شعرت بأنه ليس من الحكمة ولا يخدم أمنها إخبار الشرطة بالتهديد "له دلالة كبيرة على حالة الفلتان في العاصمة، حيث تستطيع الميليشيات أن تتصرف دون الخوف من المساءلة".
ويرى الكاتب أن أحد اسباب احتجاجات السنة وتأييدهم للمقاومة المسلحة ضد الحكومة هو معرفتهم بأن الحكومة قد تقوم باعتقال أي منهم وتعذيبه متى أرادت. فمثلا عودة طه الكردي، محام يبلغ من العمر 33 عاما، تم اعتقاله في محكمة بغداد المركزية في 10 حزيران/ يونيو، وبعد ذلك بأسبوعين أخبرت عائلة الكردي بأنه عانى من تدهور في صحته ومات. وادعى قاض بأنه من عائلة إرهابية، وأنه من قيادات تنظيم الدولة، وتشير نتائج التشريح أن السبب المحتمل لوفاته هو توصيل أصابع قدميه وأسفل قدميه بأقطاب كهربائية.
ويعتقد كوكبيرن أن خطة أوباما العثور على حليف في بغداد يستطيع أن يخطب ود السنة فشلت، بالرغم من رحيل المالكي، ولا يزال العبادي غير قادر على إقناع البرلمان باختياره لوزيري الدفاع والداخلية.
وقد وقعت الأنبار كلها تحت سيطرة "داعش"، بعد أن هزمت الجيش العراقي بالرغم من مساعدة الطيران الأميركي، حيث وقعت واحدة من قاعدتين للجيش بأيدي "داعش" يوم الإثنين، وبدأ الأخير بالتوجه نحو غرب بغداد، بحسب الصحيفة.
ويصل كوكبيرن إلى أن فشل حكومة بغداد في إنزال جيش للميدان واعتمادها على الميليشيات الشيعية يعنيان أن العراق في المراحل الأخيرة من التفتت، وأن المناطق القليلة المختلطة (سنة وشيعة) بدأت بالاختفاء.
ويشير الكاتب إلى أنه في الأماكن التي سيطر فيها الجيش والميليشيات على المدن، مثل الأميرلي شمال بغداد، هرب السنة من القرى المجاورة، وأصبح تقسيم العراق النهائي حقيقة.