فر الآلاف من سكان بلدة
اللطيفية في محافظة بابل بسبب ملاحقة من الميليشيات الشيعية لهم، والتي قامت بإغلاق قنوات المياه لمزارعهم وتجريف أراضيهم.
ويقول بورزو دراغي في تقرير له بصحيفة "فايننشال تايمز" إن السكان هربوا بسبب التهديدات بالاختطاف والقتل وتدمير البيوت، والتي قامت بها الميليشيات المتعددة، فيما يقبع مئات منهم في سجون مزرية بعد اتهامهم بالتعاطف مع تنظيم المعروف بـ "
داعش".
ونقل التقرير عن الحاج ابراهيم الجنابي، من أبناء قبيلة معروفة بهذا الاسم في اجتماع عقد الأسبوع الماضي "قتلت الميليشيات وشردت معظم أقاربي، ودمرت آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية التي نملكها، حتى الحيوانات والطيور ماتت".
ويضيف الصحافي إن الطبقة السياسية في
العراق جمعت معا حكومة ضمت
السنة والأكراد والشيعة، وحصلت على ثناء دولي بسبب البرنامج الذي قالت إنه سيقوم بمعافاة جروح البلاد ومشاكلها، لكن خارج جدران المنطقة الخضراء استمرت الحرب الطائفية بلا هوادة. فالعمليات الانتحارية والتفجيرات تقتل يوميا عشرات
الشيعة، فيما يتم تشريد مئات السنة في كل أسبوع في استمرار للحرب الطائفية التي تدور منذ أكثر من عقد.
وقتلت التفجيرات في يومين هذا الأسبوع 44 شخصا في عمليات استهدفت أحياء شيعية أو قوات الأمن في بغداد. وتنقل الصحيفة عن حيدر محمد كاظم قوله: "يعتقد الإرهابيون أننا شياطين ويريدون قتلنا"، وكان كاظم يحضر أقارب له قتلوا في التفجير، حيث تستهدف العمليات الانتحارية أحياء وأسواق ومساجد الشيعة. وتؤدي هذه العمليات لإشعال غضب الشيعة وهو ما فتح الباب أمام الميليشيات وأطلق يدها لملاحقة السنة وطردهم. وينقل التقرير عن كاظم قوله: "لا بد من وجود الميليشيات لحمايتنا، العين بالعين".
وباستثناء منطقة الأنبار، التي تتعرض لغارات جوية وقصف من القوات العراقية ويسيطر عليها "داعش" وثوار العشائر حيث لا يستطيع الصحافيون الدخول إليها وتحديد عدد الضحايا، تقول الأمم المتحدة إن 50 عراقيا يقتل يوميا؛ إما باغتيالات سياسية أو بسبب التفجيرات. وهو عدد من القتلى لم ير من قبل منذ ثماني سنوات، بحسب الصحيفة.
ويضيف التقرير أن العنف يهدد الخطط الأميركية الهادفة لدفع القوات العراقية لدفن خلافاتها وتشكيل قوات أمنية ناجحة تستطيع التصدي لقوات "داعش"، بمساعدة من الطيران الأميركي والدول المتحالفة معه.
وترى الصحيفة أنه وبالرغم من تعهدات رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي لحل الميليشيات، إلا أن هذه تزداد قوتها ويكبر دورها السياسي.
وينقل التقرير عن المتحدث باسم ميليشيا "عصائب الحق" نعيم العبودي قوله "لا يوجد نظام في البلد فمن الطبيعي أن تنشط الميليشيات". وتعتبر "عصائب الحق" من أقوى الميليشيات، حيث أضاف العبودي "نحن الميليشيات نستطيع قتال (داعش) دون دعم أميركي".
ويشير التقرير إلى أنه بعيدا عن الطبيعة التشاركية للحكومة العراقية، فما تزال الجماعات المسلحة تقوم بعمليات تطهير للمناطق المختلطة في بغداد والمناطق المحيطة بها. وتقول ميسون الدملوجي، النائب في البرلمان: "لدينا الآن تطهير طائفي كامل للشيعة في شمال سامراء والسنة في جنوب بغداد".
وتقع اللطيفية التي تسكنها غالبية سنية في محافظة بابل، وكانت منطقة انطلاق للمقاتلين أثناء الغزو الأميركي للعراق، وأطلق عليها والمنطقة المحيطة بها اسم "المثلث السني". وتراجع العنف في هذه المناطق في السنوات الأخيرة من الوجود الأميركي، لكنه عاد للظهور بسبب التمييز الذي مورس على السنة في ظل حكومة المالكي، بحسب التقرير.
وتقول الصحيفة إن الميليشيات الشيعية تدفقت على البلدات القريبة من بغداد؛ خشية اختراق مقاتلي "داعش" لها في محاولة منهم للسيطرة على بغداد. ويبرر سياسي من بابل أن دخول الميليشيات لهذه المنطقة جاء لحماية السكان بسبب زيادة التفجيرات في السنوات الأخيرة.
وطريقة الحماية تقوم، كما يشير التقرير، من خلال قطع المياه عن البلدات وتجريف آلاف البيوت، حيث أمر السكان بالخروج من المنطقة. ويقول بعض السكان إن القتل قد خف في الأسبوع الماضي لكن الميليشيات حضرت قبل أيام إلى سوق للخضار واعتقلت 104 أشخاص، وأطلقوا سراح الشيعة منهم وأبقوا على السنة.
ويختم التقرير بشهادة الشيخ قاسم الجنابي، أحد مشايخ المنطقة "لا أحد يعرف أين أخذوهم". وفي الوقت نفسه ستظل دوامة العنف مستمرة، حيث يقول عدنان الجنابي، وهو وزير سابق، "عندما يكون هناك تطهير عرقي فستواجه حربا أهلية للأبد، سيقتل الناس بعضهم البعض حتى النهاية".