انتقد توماس كاروذرز، نائب رئيس مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي في واشنطن، عملية
اضطهاد الحكومة
المصرية للناشطين المدنيين، واعتبره "خطأ فادحا".
وينقل الكاتب شهادة ناشط التقاه في القاهرة نهاية الشهر الماضي، حيث قال "على غير العادة كان يوما معتدلا في نهاية أيلول/ سبتمبر، لكن الشاب كان يتصبب عرقا خلال المقابلة، فقد استعاد الكوابيس المستمرة، التي تلاحقه منذ أن أفرج عنه من السجن، حيث حبس هناك لمدة شهر، بناء على اتهامات لا أساس لها، وهي المشاركة بطريقة غير قانونية في تظاهرة. وفي مساء ذلك اليوم وصلت إلى مكاتب منظمة لحقوق الإنسان، تبادلت نظرات مع رجل بلطجي، كان جالسا على مكتب إلى جانب الباب؛ لكي يراقب أي شخص يدخل ويخرج. وفي الداخل وصف العاملون وبعبارات مخيفة الضغط الذي يتعرضون له من إجراءات الرقابة، والتهديدات التي تمارسها عليهم الحكومة".
ويتابع "وفي تلك الليلة، وأثناء حفل عشاء نظمه دبلوماسي، أخبرني ناشط معروف بنزاهته في مجال حقوق الإنسان عن رحلة يخطط القيام بها خارج البلد، ومن ثم مال علي وهمس (لن أعود، لا خيار أمامي، إما البقاء أو عدم العودة)".
ويرى الكاتب أن الرئيس عبد الفتاح
السيسي في محاولته تركيز السلطة بيديه يقوم بالضغط على قطاع المنظمات غير الحكومية، حيث تتزايد حوادث المضايقات والاستفزاز والمحاكمات القضائية للناشطين المدنيين وبشكل كبير.
ويشير كاروذرز إلى تعديل الحكومة للقانون الجنائي الشهر الماضي، والذي صار يقضي بحبس أي شخص يتلقى دعما ماليا من مؤسسات أجنبية، والذي ترى السلطات القانونية المتقلبة أنه من أجل "الإضرار بمصالح مصر القومية".
ويلفت الكاتب إلى أن الحكومة تضغط على هذه المنظمات للتسجيل، والعمل بموجب قانون يعود لعهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وأعطت الحكومة هذه المنظمات حتى نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
وتواجه المنظمات غير الحكومية قرارا صعبا؛ إما الخضوع لسيطرة الحكومة، أو مواجهة الحبس ولمدة طويلة، إن لم تذعن لأوامر الحكومة.
ويقول الكاتب إن المسؤولين الأميركيين يعتبرون محاولات الحكومة المصرية قمع عمل المنظمات غير الحكومية أمرا مؤسفا، ولا يفهم مع ذلك السبب الذي يمنع من الدفاع عن هذه المنظمات "فتقبل - القرار- بإحداث ضجة رمزية، يبدو وكأنه ثمن زهيد يدفع مقابل الحفاظ على علاقات دافئة ومستقرة مع حكومة صديقة للغرب، في منطقة تعيش النزاع وعدم الاستقرار. ووضع كهذا إن حدث فسيكون خطأ فادحا".
ويضيف كاروذرز: "إن تجاهل وضع المنظمات غير الحكومية في مصر سيؤثر على مصداقيتنا- الغرب. فقد حدد الرئيس باراك أوباما العام الماضي في الأمم المتحدة وكذلك الشهر الماضي في نيويورك وبدقة واضحة الهجمات المتزايدة على منظمات العمل المدني في كل أنحاء العالم، واعتبرها تهديدا كبيرا للديمقراطية في العالم. وتعتبر مصر امتحانا مهما لإدارة أوباما، وإن كانت ستلتزم بالتعهد الذي وضعته على نفسها لمواجهة هذه الموجة- استهداف منظمات العمل المدني".
ويبين الكاتب أن حماية العمل المدني تتعلق بالمصالح المهمة "فإن كنا نعتقد ونثمن استقرار مصر، وهو أمر بعيد الآن، فعلينا أن نتعامل بشكل جدي مع عمليات القمع الموجهة ضد المنظمات غير الحكومية، وعلينا تعزيز دعمنا للمجتمع المدني المصري. وهذا يقتضي الضغط على الحكومة والطلب منها الالتزام بالقانون العام، وليس الطلب من المنظمات الانصياع لقانون عفا عليه الدهر، وهو نفسه الذي تقول الحكومة إنها تريد استبداله العام المقبل".
ويعتقد كاروذرز أن "الرئيس المصري سيتجنب مصير سلفيه، أي مظاهرات حاشدة في حالة استطاع تغيير البلد من دولة رعاية ومحسوبية إلى دولة قادرة على الوفاء باحتياجات سكانها، التي أهملها النظام منذ وقت طويل. ولن يتم تحقيق هذا التحول دون إقامة علاقة حية ومفتوحة بين الدولة والمواطنين".
ويفيد الكاتب أنه في غياب البرلمان، الذي حل عام 2012، ومعارضة سياسية فعالة، تظل المنظمات غير الحكومية المصدر الجيد لخبرات التكنوقراط؛ لمواجهة التحديات الكثيرة التي يواجهها البلد. ولدى هذه الخبرات القدرات الجيدة لمراقبة الإصلاح وتعزير مساهمة المواطنين.
ويؤكد كاروذرز "ربما اعتقد السيسي أنه من خلال إسكات الأصوات المستقلة يقوم بتعزيز قوته، إلا أنه في الحقيقة يقوم بتأكيد أشكال الحكم السيئ، والتي ستؤدي لفشله السياسي".
ويشير الكاتب لقصر نظر سياسي مماثل في طريقة تعامل الولايات المتحدة مع السيسي، التي تتجاهل انتهاكات السيسي؛ لأنها تراه شريكا في حملة واسعة ضد المتشددين في المنطقة. لكن سياسة الأرض المحروقة التي يستخدمها ضد
الإسلام السياسي في مصر تضعف جهود من يحاولون بناء بدائل إسلامية معتدلة، وتقوم سياساته أيضا ببذر بذور التطرف بين الشباب المصري المهمش.
ويخلص كاروذرز إلى أن "سياسة الولايات المتحدة تجاه مصر عانت ولسنوات طويلة؛ بسبب سوء تقديرنا للتأثير السلبي الذي تتركه السياسات غير الديمقراطية في مصر على مصالحنا هناك. ومن هنا يجب أن يدفعنا خنق قطاع المنظمات غير الحكومية لبناء سياسة تجاه البلد، تقوم على فهم العلاقة بين بحث المصريين عن الانفتاح السياسي وتحقيق الازدهار والاستقرار الحقيقي".