أنهت حركة
النهضة قطيعة ربع قرن بينها وبين أحد قيادييها السابقين، المُرشّح لانتخابات الرئاسة في
تونس محمد الهاشمي
الحامدي، كما قلّلت من الفتور الذي ميّز علاقتها بحركة "نداء تونس" وزعيمها المرشح الرئاسي الباجي قايد
السبسي، وذلك من خلال لقائين اعتبرهما مراقبون الأبرز خلال العام.
وأذاب لقاء المصالحة بين الشيخ راشد الغنّوشي وبين الحامدي، جليد ما أسماه هذا الأخير سابقاً بـ"العداء الكبير" و"العلاقة المتوتّرة" التي سادت منذ بداية سنوات تسعينات القرن الماضي، حين تمّ تجميد عضويته في المكتب السياسي للحركة "الاتجاه الإسلامي"، بسبب مواقف تعلّقت - بحسب الحامدي - بتصعيد الحركة مع نظام بن علي.
لقاء تاريخي
وقال رئيس تيار المحبة الهاشمي الحامدي، في تصريح صحفي عقب اللقاء أمس الأول الخميس: "قمت بزيارة حركة النهضة التي كنتُ قيادياً بها، وبسبب الخلافات خرجت من الحركة... كانت علاقتي بالنهضة متوترة بعد انتخابات 2011، أما اليوم فالعلاقة طيبة معها".
وكشف الحامدي في تصريحات إعلامية أخرى، أنه لم يطلب دعماً من حركة النهضة، مؤكداً أنه "يطلب الدعم من الشعب التونسي فقط".
ووصف مراقبون اللقاء بـ"التاريخي"، مشيرين إلى أنه جاء في سياق المشاورات التي أجرتها النهضة مع عدد من مرشّحي الرئاسة قبل اجتماع مجلس شورى الحركة الذي قرّر مساء الجمعة ترك حرية الاختيار لـ"أبناء الحركة" خلال الدور الأول من انتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها في يوم 23 من الشهر الجاري.
وأضاف المراقبون أنه كان من الصعب حصول مصالحة بين الحامدي وبين النهضة، خاصة في أعقاب انتخابات أكتوبر/ تشرين الأوّل 2011، حيث أعلن الأمين العام السابق للحركة، رئيس الحكومة الانتقالية الأولى حمادي الجبالي، رفض "النهضة" آنذاك الدخول في أي حوار أو تحالف مع تيّار"العريضة الشعبية" الذي تزعّمه الحامدي وحلّ في المرتبة الثالثة في الانتخابات خلف النهضة والمؤتمر، "وذلك من منطق تحفّظ الحركة على سلوك الحامدي الذي دافع حتى 13 يناير/ كانون الثاني 2011 عن نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي"، بحسب الجبالي.
وكان الحامدي ظهر مع رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنّوشي في إحدى حلقات برنامج "الاتجاه المعاكس" على قناة "الجزيرة" منذ سنوات، حيث بدا الحامدي مدافعاً عن نظام بن علي السابق، في حين كان الغنّوشي يقف في الضفّة المقابلة.
والأكيد - بحسب المراقبين - أنّ دعوة النهضة للمرشّح الرئاسي محمد الهاشمي الحامدي، مثّلت لهذا الأخير "فرصة ذهبية" لتحقيق المصالحة بينه وبين حركته الأمّ، خاصة أنّه دعا في أعقاب انتخابات 2011 عدة أطراف في تونس لـ"التوسّط" بينه وبين قيادات "النهضة"، بيد أن التوتر بين الطرفين تواصل وتصاعدت حدّته في مناسبات مختلفة.
أبعاد لقاء السبسي
وكان الحامدي تحدث في تصريحات إعلامية، عن إمكانية التحالف بين حركتي النهضة ونداء تونس، مشيراً إلى أنه فهم ذلك من خلال كلام للغنوشي قاله خلال لقائهما الأخير.
ولم يكن لقاء الغنّوشي والباجي قايد السبسي مساء الاربعاء الماضي، بمعزل عن التوظيف الإعلامي قبل السياسي. إذ يلتقى استنتاج الحامدي الأخير مع ما نشرته مواقع إخبارية الجمعة، حول قرار للنهضة بعدم دعم الرئيس الحالي محمد منصف المرزوقي، في سباق الرئاسة، لكن القيادي بالنهضة عبداللطيف المكّي كذّب هذا الخبر لاحقاً.
واعتبر مراقبون أنّ الهدف من لقاء الغنّوشي بقايد السبسي، تقريب وجهات نظر الحزبين المتصدّرين نتائج انتخابات مجلس نواب الشعب، مشيرين إلى أن اللقاء يأتي "بعد المزايدات السياسية التي ظهرت في تصريحات بعض الذين يرومون المغامرة بمستقبل المشهد السياسي في تونس، لا سيما في ما يتعلّق بالمرشّح الذي ستدعمه النهضة".
وكشفت تسريبات لقاء الزعيمين إمكانية مشاركة النهضة في حكومة الوحدة الوطنية المزمع تشكيلها خلال الأيّام القادمة.
وبحسب صحيفة "الشروق" في عدد الجمعة؛ فإنّ قايد السبسي "ثمّن روح المسؤولية التي تحلّت بها حركة النهضة في عدم ترشيحها أحد أبنائها لهذه المنافسة، دعماً لمسار التوافق الذي جسمته على ارض الواقع، ولم تكتف فيه برفع شعارات خاوية. وهو ما يؤهلها لتكون شريكا فاعلا داخل حكومة الوحدة الوطنية" بحسب الصحيفة.
وتتفق هذه التسريبات مع ما ذكره قايد السبسي خلال مقابلة على القناة الوطنية مساء الخميس، حيث أكّد أن "حركة النهضة لم تخسر الانتخابات، ولها عدد هام من المقاعد، ولها بالتالي وزنها السياسي الذي لا بد من احترامه؛ لأن ذلك نابع من إرادة الشعب... وإذا أرادت مساندتي فأنا أقبل وأرحب بذلك" بحسب قوله.