لكثير من الناس، ربما يكون صرير "صرصور الغيط" أو "صرّار الليل" مزعجا بعض الشيء، في حين يحتاج آخرون إلى سماع غناء قبل الخلود إلى النوم، وهو ما وفرته لهم الطبيعة عبر أصوات تلك المخلوقات الصغيرة.
ولكن في "بوندو"، أكبر مدن مقاطعة "سيايا" في محافظة نيانزا الكينية، أصبحت
صراصير الليل طعاما شهيا.
"يمكنك أن تتناول هؤلاء الصغار كوجبات خفيفة".. هكذا استهلت حديثها لوكالة الأناضول "ماري راتيمو"، وهي مربية صراصير، بينما كانت تغمس يدها في كيس صغير من صراصير الليل المجففة المملحة، وترمي البعض في فمها.
"راتيمو"، وهي أم لطفلين، واحدة من المزارعين المحظوظين، الذين تم تدريبهم على تربية صراصير الليل في جامعة "جاراوموغي أوغينغا أودينغا" للعلوم والتكنولوجيا.
إلى جانب صراصير الليل، التي تخصص "راتيمو"، جزءا صغيرا من مزرعتها لها، تربي فيها 4 بقرات، وأكثر من 12 دجاجة، فيما تزرع أغلب الأراضي الباقية بالذرة.
وعند دخول ذلك الجزء المخصص لها في المزرعة، يستقبلك الصوت المميز لآلاف من الصراصير يصدر عنها نقيق، يغطي تماما على صوت صرير باب الحظيرة الخشبية.
وأضافت، وهي تضحك ضحكة مكتومة: "معظم الناس يقولون إن صراصير الليل صاخبة.. إنهم لا يصمتون أبدا حقا، ولكن تربيتهم لها فوائد متعددة".
وتابعت: "إنها مصدر
غذاء لأسرتنا، وثانيا، هي مصدر للدخل.. وبهذا
الدخل، يمكننا القيام بأشياء أخرى، مثل إلحاق أطفالنا بالمدرسة، وشراء ملابس لهم".
وكانت جامعة "جاراوموغي أوغينغا أودينغا" للعلوم والتكنولوجيا، قد دربت أكثر من 500 من مزارع على تربية صراصير الليل من أجل الغذاء.
ووفقا لـ"راتيمو"، فإن تربية صراصير الليل رخيصة، فلا يحتاج المزارع سوى 10 دولارات فقط لشراء الدفعة الأولى منها، التي يمكن أن تدر عليه دخلا يصل إلى 75 دولارا في نهاية المطاف.
وتعتقد "راتيمو" أيضا أن هذه الحشرات توفر البروتين بأسعار في متناول الجميع، لأن "مصادر البروتين الطبيعية مثل السمك ولحم البقر غالية للغاية في الوقت الراهن".
ووفقا لتقرير أصدره برنامج الغذاء العالمي في العام 2013، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في
كينيا بنسبة 10.4% خلال ذلك العام، مما رفع معدلات التضخم بنسبة 7.2%.
وأنحي باللائمة في ارتفاع الأسعار على سياسات الحكومة الزراعية ضيقة الأفق، والفساد، وندرة الأمطار، وانعدام الأمن الغذائي.
ومضت مربية الصراصير، قائلة: "كامرأة، أنصح النساء الأخريات بتجربة الصراصير، لأنها مصدر أرخص للبروتين، وهي أيضا تتوفر بسهولة".
وأوضحت "راتيمو" أنه "يمكن أن تقلى (الصراصير)، وتؤكل مع أوغالي (أحد الأغذية الكينية الرئيسية) وبعض الخضار، كما يمكنك طحنها لتصبح مسحوقا يستخدم كمكون آخر لإعداد الأطعمة الأخرى، مثل والكعك والبسكويت".
وزادت بالقول: "يمكنني أيضا إعداد بيلاو (الأرز مع التوابل) من الصراصير، وحتى يمكنني إعداد السمبوسة، والنقانق، والكعك، وإضافتها لإثراء شاباتي (نوع من الخبز)، ولا سيما بالنسبة للأطفال الذين يريدون اصطحاب بعض الوجبات الخفيفة إلى المدرسة".
ولطالما ارتبط تناول الحشرات في كينيا بالمحرومين، ولكن هذا التصور بدأ يتغير، وفي مناطق كثيرة من محافظة "نيانزا"، أصبحت الصراصير طعاما شهيا، وتعتبر غذاء خاصا.
وخارج أحد الفنادق، يمكن رؤية لافتة ضخمة، تدعو العملاء لتجربة "مانيانغافو أونغيري"، الذي يترجم إلى "صراصير ليل خاصة".
وفي هذا الصدد تقول، "مونيكا أييكو"، وهي خبيرة اقتصاد استهلاكي ومحاضرة في مركز الأمن الغذائي بجامعة "جاراوموغي أوغينغا أودينغا": "بمرور الوقت، اقنع الباحثون العديد من المستهلكين أنهم ليسوا بالضرورة مضطرين إلى اللجوء إلى الحشرات الصالحة للأكل كحل أخير لأنه ليس لديهم أي شيء للأكل".
وأضافت في حديث لوكالة الأناضول: "أنت تأكل الحشرات باختيارك لأنها أسلوب طهي، وطعم جيد، وطبيعية، ومصدر غني للغاية بالمواد الغذائية".
وأوضحت الباحثة أن "الحشرات فقط غنية بالكربوهيدرات والبروتينات والمعادن والفيتامينات، ويمكن العثور على جميع المعادن، والفيتامينات الضرورية للإنسان في الحشرات. لذلك، يتجه المزيد من الأشخاص لتناول الحشرات الصالحة للأكل باختيارهم".
وأعربت "أييكو" عن اعتقادها بأن الصراصير يمكن استخدامها لمكافحة انعدام الأمن الغذائي في كينيا، مشيرة إلى أنها كانت تجري أبحاثها على الحشرات الصالحة للأكل منذ عام 2002، ودرست أنواعا مختلفة، من بينها النمل الأبيض، وذباب البحيرات، والجنادب والنمل الاسود.
وتابعت: "عندما أحرزنا تقدما في تربية الصراصير، بدأنا تدريب المزارعين"، لافتة إلى أن النضج السريع (دورة الحياة القصيرة) لصغار الصراصير، لا يجعل تربيتها فقط وسيلة ملائمة لضمان الأمن الغذائي، ولكنها أيضا وسيلة مضمونة لكسب لقمة العيش بالنسبة للمزارعين.
بعد أن تتزاوج الحشرات البالغة (في عمر شهرين إلى ثلاثة أشهر)، تضع الإناث البيض الذي يفقس بعد نحو 10 أيام.
واعتبرت الخبيرة الاقتصادية أنه "لإنقاذ العالم من انعدام الأمن الغذائي الحالي، علينا أن ننتقل إلى الصراصير والحشرات المغذية الأخرى.. فالحشرات الصالحة للأكل لها مستقبل".
ووفقا لمؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2014، تأتي كينيا في المرتبة 80 من أصل 109 دولة من حيث الأمن الغذائي.
ويعتقد خبراء الأمن الغذائي في كينيا، أن هذا بمثابة جرس إنذار للدولة الواقعة في شرق أفريقيا، التي يعيش 41.6% من سكانها حاليا تحت خط الفقر العالمي.
ووفقا لتقرير حديث للأمم المتحدة، تشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2050، سيتجاوز عدد سكان العالم حاجز الـ9.5 مليار دولار، ولذلك يرى معظم خبراء الأمن الغذائي، أنه ينبغي استحداث أساليب جديدة وبدء تطبيقها، إذا كان يوفر العالم طعاما لهذا العدد الهائل من السكان.
وتوقعت "أييكو"، أنه "إذا استأنف الباحثون العمل بالإيقاع الذي يعملون به حاليا، سيتجه المزيد والمزيد من الناس إلى الحشرات الصالحة للأكل".
واختتمت بالقول: "نحن نتحدث عن الأمن الغذائي لنحو 9 مليارات شخص عام 2050، والحشرات الصالحة للأكل ستحتل مكانة بارزة للغاية، لأن العالم تنبه لهذا المصدر الغذائي".