تعطر رائحة
مساحيق النباتات الطبية، هواء منطقة "فاراداي"، بمدينة جوهانسبرغ العاصمة الاقتصادية لجنوب
أفريقيا، وهو سوق يضم أكثر من 60 متجرا للأعشاب والمعالجين التقليديين، تعرض جلود أنواع مختلفة من الحيوانات البرية القاتلة أمثال النمور والفهود والثعابين.
ويربط بعض باعة الأعشاب الذكور أشرطة من جلود الحيوانات الميتة على جباههم وأذرعهم، في حين ترتدي البائعات "كانجا" (ثوب تقليدي ملون) وتصبغن وجوههن بالطين الأحمر.
فجأة، تصرخ عجوز بصوت عال وتسقط على الأرض، ويرتجف جسدها، وتبدأ الحديث بلهجات غريبة، فيوضح أحد الباعة أنها "سانغوما" -أحد
المعالجين التقليديين (بالأعشاب)- تحاول الاتصال بأسلاف عميل كان يعاني من سوء حظه.
وبعد مرور نحو 5 دقائق، يتصبب العرق من جسد "سانغوما"، وتتنفس بصعوبة، وتوجه حديثها إلى عميلها، وتخبره ما يحتاج إلى فعله من أجل استرضاء أسلافه.
وفي الوقت الذي رفضت فيه المعالجة التقليدية إجراء مقابلة معها، قال شاب يتلقى تدريبا ليكون أحد المعالجين بالأعشاب، كان واقفا على باب متجرها إن "سانغوما"، اسم يطلق على أولئك المختارين ليصبحوا رسلا للأجداد المتوفين.
وبوجه عام ينظر إلى "سانغوما"، باعتبارهم أشخاص لديهم قدرات خارقة على الشفاء، يمكنهم التواصل مع الأجداد والمساعدة في حل مشاكل الناس.
في كثير من المجتمعات الأفريقية، يعتبر الناس المعالجين التقليديين راعين لمجتمعاتهم، حيث يجري استشارتهم لعلاج المرضى، وحماية القرى من السحرة، والصلاة من أجل هطول المطر والحصاد الجيد، من بين عدة أمور أخرى.
ورغم انتشار الحضارة الغربية، واعتناق الكثيرين مختلف الديانات في أفريقيا، لم يتوقف الناس عن السعي للحصول على خدمات "سانغوما".
وفي هذا الصدد، قال "إيما مازيبوكو"، في حديث لوكالة الأناضول: "أنا مسيحي وأعبد الرب، ولكني ما زلت أستشير (سانغوما)، كلما واجهت مشكلة، لأنها ثقافتنا، وقد حلت سانغوما كثيرا من مشاكلي".
ويوفر المعالجون بالأعشاب بديلا للطب الغربي، أمثال "مالوم مبوبو"، (60 عاما)، الذي قال في حديث لوكالة الأناضول: "أدويتنا طازجة وفعالة وليس لها أي آثار جانبية".
واعتاد المعالج التقليدي الذهاب إلى الغابة، والأنهار المجاورة أسبوعيا، للبحث عن الأعشاب الطازجة، التي يقطفها ويجمعها في حزم لعملائه.
علاوة على عدم وجود آثار جانبية لها، تباع الأدوية التقليدية (الأعشاب) بأسعار رخيصة ويمكن الحصول عليها بسهولة.
وأشار "مبوبو" الذي يعمل في هذه الحرفة منذ عام 1985، إلى أن عدد الأشخاص الذين يلجؤون إلى الطب التقليدي يتزايد.
وأضاف: "يأتي كثير من الأشخاص إلى هنا (متجره)، يوميا لشراء الأدوية التقليدية لأنهم يعرفون أن أدويتنا فعالة يعمل وليست ملوثة بمواد كيميائية".
أما "ماسوكيلي سوكيلا"، (32 عاما)، فقالت إنها بدأت ممارسة الطب التقليدي عام 1994.
وأضافت في حديث لوكالة الأناضول: "تعلمت الحرفة من أجدادي، ومنذ ذلك الحين شفي كثير من الناس بالأعشاب".
هي الأخرى، تعلمت "فيكيل زيكال"، (35 عاما)، وهي إحدى المعالجات بالأعشاب ذات وجه مصبوغ بالطين، طقوس المهنة من جديها.
وقالت في حديث للأناضول: "أمارس هذه المهنة منذ 16 عاما"، بينما كانت تقف في متجرها الذي يقع بالقرب موقف سيارات فاراداي في جوهانسبرغ.
وأضافت معربة عن فخرها لأن الأعشاب التي تجهزها ساعدت في تطهير أجساد الكثيرين من السموم.
وأوضحت أن "كثيرا من الأشخاص المتعلمين يأتون لشراء الأدوية التقليدية، لأنهم يعرفون أنها نقية وليس لها آثار جانبية".
وبالحديث إلى "ليزلي مدو"، (40 عاما)، وهو أحد عملاء المعالجين التقليديين، ومن سكان جوهانسبرج، قال للأناضول: "كنت استخدم الأدوية التقليدية منذ كنت طفلا، وكما عانيت من إنفلونزا أو مشكلة في المعدة، أتي إلى هنا لشراء الأعشاب".
وأوضح أن بعض الأشخاص يتحدثون بسوء عن الأعشاب التقليدية لأنهم لم يجربوها، مشيرا إلى أنها "نقية ولها آثار جانبية أقل أو لا شيء على الإطلاق".
في جنوب أفريقيا، يعترف رسميا بكل من "سانغوما"، والمعالجين التقليديين بالأعشاب بموجب قانون ممارسي الصحة التقليدية لعام 2007، وهذا يعني أن ممارساتهم مشروعة.
ووفقا لـ"فيفليسيل ماسيكو"، المنسقة الوطنية لجمعية المعالجين التقليديين (خاصة)، يلجأ حوالي 72% من السود في جنوب أفريقيا إلى الطب التقليدي.
وقالت في حديث للأناضول: "الطب التقليدي جزء من تراث الشعب، وأصبح في متناولهم"، ولكن كما الحال مع كل سوق مزدهر، تسجل حالات غش.
وردا على سؤال كيف يجري تقنين سوق
العلاج التقليدي لمنع الدجالين من الانضمام إلى هذه المهنة، أوضحت "ماسيكو" أن منظمتها شكلت لجنة خاصة لمراجعة طلبات المتقدمين لممارسة المهنة.
وأشارت إلى أن "الزعماء المحليين يساعدون على تحديد من هو المعالج ومن ليس كذلك".