كتب ماهر أبو طير: سقطت قيمة الجنسيات في العالم، والجنسية التي كانت حقاً مكفولاً لا يمكن مسه، تحت أي ظرف، باتت جنسية مشروطة، وكأنها جنسية مؤقتة، وفقاً لتصرفات حاملها.
كنا نظن أن
الجنسية حق لانقاش فيه، في العالم، وحق مؤقت في الشرق الأوسط، حتى امتدت عدوى الجنسية المؤقتة التي يمكن سحبها في أي لحظة إلى دول كثيرة.
بريطانيا تسحب الجنسية، أو تجمد تجديد جواز السفر في حالات معينة، أغلبها أمني، والاتجاه العام نحو جعل الحرمان من الجنسية، ممكناً في حال انضمام أي شخص إلى تنظيمات مثل: القاعدة وداعش.
الأمر ذاته بدأنا نسمع عنه في دول غربية أخرى، والجنسية هنا، قد يتم سحبها كلياً، وقد يتم وقف تجديد جواز السفر، بحيث يكون حامله محروماً منه، وبمنزلة المسحوب منه، تحت عنوان عدم التجديد، وأحياناً تتم مصادرة الوثيقة ذاتها.
الاحتلال
الإسرائيلي أيضاً، يعتزم إصدار قرار يسحب فيه الجنسية الإسرائيلية، الممنوحة قهراً للفلسطينيين المحتلة أراضيهم عام 1948، في حال تسلل أي شخص إلى جبهات القتال في سوريا والعراق، أو انضم إلى داعش أو القاعدة.
الهدف من سحب الجنسية إخافة الشباب تحديداً من الانضمام لتنظيمات كهذه، بحيث تتحول الجنسية هنا إلى وسيلة ردع أمني في وجه من تريد إسرائيل مواجهته.
هذا يعني من جهة أخرى أن دولاً كثيرة تحت وطأة العامل الأمني، تتخلى عن معاييرها كلها، والدول الغربية التي تتحدث ليل نهار عن حقوق الإنسان، تتنازل عن حقوق الإنسان في حالات محددة، وتصل مرحلة تحويل المواطن لديها إلى مجهول الهوية، من جانب الردع الأمني، ولسبب آخر، أي حصر تحركات المطلوب، وجعله بلا وثائق صالحة تمكنه من التنقل والسفر من بلد إلى آخر.
غير أن علينا أن نلاحظ مع توسع موجة سحب الجنسيات في العالم، وتجميد تجديدها، عنصرين مهمين، أولهما أن هذه التصرفات موجهة عملياً لمكتسبي الجنسية، وليس للمواطنين الأصليين-إن جاز التعبير- فبريطانيا تسحب الجنسية أو تمنع تجديد الوثائق إذا كان البريطاني هنا من جذور آسيوية أو عربية، لكنها لاتجرؤ على فعل ذلك، مع بريطاني جذوره ضاربة في إنجلترا أو ويلز أو أي موقع آخر، وهذه إجراءات تعد
عنصرية وتمييزية، لكونها تحول الجنسية إلى طبقتين أولى وثانية، ولا تطبق معيار السحب ذاته على الطبقتين، في الوقت الذي لا تطبق فيه معايير العقوبات أيضاً بالدرجة ذاتها على الطبقتين، لكونها تستعمل وسيلة مختلفة مع جذر محدد تحت مظلة مواطنته البريطانية.
العنصر الثاني يتعلق بكون سحب الجنسيات أو تجميدها دليلاً على الإفلاس، وفشل الحرب على
الإرهاب في العالم، فالذي يعتزم التحول إلى «قاطع رؤوس» في داعش، لن يهمه جوازه الأمريكي أو البريطاني أو الإسرائيلي أو أي جواز عربي، إذ عندما وصل إلى هذه المرحلة، يكون قطع مسبقاً صلاته بكل ماضيه، ومن الاستحالة أن يكون قرر الشراكة في هذه التنظيمات والعودة بعد فترة إلى بلاده كداعشي متقاعد، وباستثناء حالات محدودة من الشباب العرب والمسلمين، ممن شاركوا في هذه الحروب وعادوا وانسحبوا إلا أن أغلبهم، تصح عنونة مشاركته بالخروج دون عودة.
الحرب على الإرهاب، باتت بوابة يتم عبرها، احتلال دول، والإطاحة بأنظمة، وذبح شعوب، والتنكيل بشعوب أخرى، وهدر حقوق الإنسان، وتعذيب من له علاقة ومن ليس له علاقة، وعبقرية المواجهة باتت تقود إلى تحطيم معايير حقوق الإنسان كلها، وسحب الجنسيات وتجميدها وعدم تجديد الوثائق، أحد هذه المظاهر، وقد نصل إلى مرحلة في هذا العالم بعد قليل لا يقدر فيها لا العربي ولا المسلم، التحرك من غرفة إلى غرفة، في بيته، إلا بعد التأكد من بصمة عينه.
يبقى السؤال: من هي الجهة القادرة على تقييم أضرار الحرب على الإرهاب على عامة الناس في العالم وحياتهم، ممن ليس لهم علاقة أساساً، وأيضاً تقييم الأضرار التي تسببت بها المجموعات المقاتلة لحياة المسلمين والعرب في العالم وسمعة الإسلام، على المستويات كلها؟!.
والإجابة لابد أن تأتي عميقة، وتتناول المسربين معاً، في ظل عدم أخلاقية الحالتين معاً.
(عن صحيفة الدستور الأردنية 27 كانون الأول/ ديسمبر 2014)