لم تمضِ 15 دقيقة على نشر صحيفة السبيل اليومية الأردنية ترجمة مقتضبة لمقابلة
الدولة الإسلامية مع الطيار الأردني
معاذ الكساسبة، حتى تلقت الصحيفة اتصالا هاتفيا من مسؤول أمني طالب بسحب نص المقابلة والصورة، بحسب ما أكد مدير موقع صحيفة السبيل الإلكتروني، عيسى شقفة.
ولم يقتصر التدخل الأمني لحظر ترجمة المقابلة وصورة الطيار بالبدلة البرتقالية على الصحف اليومية، بل امتد للمواقع الإلكترونية الإخبارية التي لاحقتها "الاتصالات الأمنية" واتصالات دائرة المطبوعات والنشر (الجهة التي تنظم عمل المواقع الإخبارية في الأردن)، بينما رضخت مواقع إلكترونية أخرى لطلب النائب العام في الأردن لعدم نشر أي أخبار تصدر عن الدولة الإسلامية فيما يتعلق بقضية الطيار.
ولجأت مواقع إلكترونية إلى تجنب نشر ما يصدر من الدولة الإسلامية حول الطيار "من باب أخلاقي، مراعاة لشعور عائلة الطيار"، كما يقول ناشر موقع "جو 24"، باسل العكور، الذي يؤكد أن مواقع إلكترونية أردنية أجبرت على إزالة خبر المقابلة من قبل السلطات الأردنية"، على حد قوله.
وقرر النائب العام ليل الأربعاء الخميس عدم نشر أي صور أو أخبار تبثها الدولة الإسلامية تسيء للطيار معاذ الكساسبة، كما حظر نشر أي تحليلات عسكرية تخص القوات المسلحة الأردنية بهذا الشأن، وذلك تحت طائلة المسؤولية.
ويأتي قرار المدعي العام تحسبا لأي مقاطع فيديو أو صور قد ينشرها التنظيم للطيار الأردني، الذي أسر في مدينة الرقة، الأربعاء الماضي، بعد أن سقطت طائرة "إف 16" في ظروف غامضة.
وسبق ذلك تعميم آخر قبيل مشاركة الأردن قوات التحالف في قصف مواقع الدولة الإسلامية أرسلته دائرة المطبوعات والنشر إلى مالكي ورؤساء تحرير المواقع الإلكترونية الإخبارية، وتضمن الكتاب منع نشر أخبار القوات المسلحة إلا بطلب مباشر من المصادر المسؤولة.
من جهته، قال رئيس مركز حماية وحرية الصحفيين الأردنيين، نضال منصور، لـ"عربي 21" إن "الطلب بإلغاء المادة الصحفية نوع من التقييد على حرية الإعلام".
وبحسب منصور، "إذا نظرنا للقضية من السياق القانوني، فإننا نرى أن المادة 163 من قانون العقوبات الأردني تتيح للسلطة التنفيذية والمدعي العام منع نشر أخبار متعلقة بأي جمعية محظورة، حيث إن تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يسمى داعش من هذه الجمعيات، بالإضافة إلى أن قانون مكافحة الإرهاب يتيح للسلطة التنفيذية والقضائية وضع قيود على النشر، بخصوص الجماعات التي تصنف على أنها جماعات محظورة وإرهابية".
حقوقيا، يرى منصور أن مدونات السلوك الأخلاقي تطرح أسئلة مثل "هل يجوز نشر صورة للأسير وهو في اللباس البرتقالي، بما يحمل هذا من دلالات من قبيل أنه يواجه خطر الموت؟ وهل هذا يؤثر على حق عائلته بألا تشعر بالذعر والفزع؟"، وأجاب أنه "من الضروري إيجاد نقاش بين وسائل الإعلام والدولة الأردنية حول هذه القضايا، والموازنة بين الحق في النشر والحق في المعرفة، وبين الجانب الأخلاقي والسلوكي والحقوقي الذي يتعرض له الطيار الكساسبة".
ونشرت الدولة الإسلامية حوارا مع الطيار الأردني الكساسبة، مساء الاثنين الماضي، في مجلة "دابق"، التي يصدرها التنظيم باللغة الإنجليزية.
وتضمنت المقابلة صورة للطيار الكساسبة الذي قال إن الدور المطلوب منهم كطائرات أردنية هي "عمل مسح وتأمين تغطية للطائرات المقاتلة التي كانت تعتزم قصف المكان، إضافة إلى إجراء التبديل معها".
وهذه المقابلة يرى فيها الخبير العسكري وعضو مجلس النواب الأردني، اللواء المتقاعد محمد فلاح العبادي، أنها حرب نفسية ودعاية يمارسها التنظيم، ليس فقط مع الطيار الكساسبة، وإنما مع المفاوضين الأردنيين وجميع الأطراف المعنية.
وحول أجوبة الطيار، يقول الخبير إنه من غير السهل سقوط طائرة "إف 16" بصاروخ حراري، ما يعني أن الطيار قد يكون أجبر على قول هذا الكلام، أو قد تكون طائرته سقطت بسبب خلل فني، ثم أطلق عليها صاروخ حراري أثناء السقوط، لكن ليس بالضرورة أن يكون تصريح الطيار صحيحا، لا يوجد قناعات حتى الآن أنها أسقطت من داعش"، على حد قوله.
وقال الطيار في المقابلة إن طائرته أسقطت بصاروخ حراري مضاد للطائرات. وهي رواية قد تكون تبنتها الدولة الإسلامية لنفي الرواية الرسمية للتحالف، التي تقول إن الطائرة سقطت بسبب خلل فني.
يؤكد الخبير العسكري أن "جميع العسكريين مدرّبون على كيفية التعامل في حالة الأسر، فهنالك معلومات يعطيها الجندي لحد معين، وليس بالضرورة أن كل كلام صدر من الطيار صحيح، فمن الممكن أن يكون مجبرا، ولا يمكن القول أيضا إنه اعترف بمعلومات حساسة للتنظيم، فهو لا يمتلك هذه المعلومات بسبب رتبته".
وبيّن الكساسبة في المقابلة التي تضمنت 11 سؤالا أنه يوجد 200 عسكري أمريكي في قاعدة موفق السلطي الجوية في الأردن، بينهم 16 طيارا، كما أشار إلى أن الأمريكيين والفرنسيين يستخدمون قاعدة الأمير حسين الجوية في الأردن، وأن بعضهم يستخدم قاعدة جوية تركية.
ويحمل بث المقابلة باللغة الإنجليزية رسائل وإيحاءات، حسب المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، مروان شحادة، الذي يرى أن هذه المقابلة جاءت على عجل، ردا على عدة طروحات إعلامية، كما سعى التنظيم لإيصال رسالة للطيارين بأن الطيار مرتد وصليبي.
وقال شحادة إن المقابلة تضمنت أيضا نوعا من الحرب النفسية، من خلال وضع الطيار يده على خده، مرتديا اللباس البرتقالي، في تعبير ضمني أن هذا هو لباس المحكوم بالموت.
وتلمّس شحادة من خلال صورة الطيار والحوار أنه مازال يحتفظ برباطة جأشه العسكرية، من خلال سؤاله عن الرحلة التي أودت إلى القبض عليه، فقال: نعم، علمت بالمهمة الساعة الرابعة بعد الظهر، وكان عملي ينحصر في إجراء مسح للمنطقة التي يتواجد فيها سلاح مضاد للطائرات.
وتوقع الخبير أن يعقب هذه المقابلة مقاطع فيديو ومقابلات أخرى في المستقبل.