1-
جريمة سيارة الترحيلات التي ستبقى إلى الأبد وصمة عار على جبين الحكم العسكري اسمها عندهم «القضية بتاعة الكام وتلاتين».
أشهر إعلامي عرفته مصر وعرفه الوطن العربي في السنوات الخمسين الأخيرة، اسمه عندهم «الولد ده».
«الإعلام المصري كله بيتحكم فيه 25 واحد، نجيبهم بشكل منفرد ويبقى فيه نوع من الترغيب أو الترهيب للناس دي»، قالها أحد اللواءات في حضرة السيسي عندما كان الأخير وزيراً للدفاع.
لماذا تظهر كل هذه العنجهية في أحاديث قيادات
الجيش؟ لماذا يعتبرون كل من هو خارج منظومتهم في مرتبة أدنى منهم؟ ولماذا يظهرون هذا الوجه في أحاديث الغرف المغلقة ويخرجون إلى العلن بوجه آخر وخطاب يحمل الكثير من عبارات التملق والنحنحة؟
2-
منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد دخل الجيش في حالة انكفاء على نفسه وتفرغ لإدارة المشروعات الخدمية والاستثمارية التي أصبحت تجلب دخلا كبيراً للجيش يتصرف فيه بعيداً عن أي رقابة، وبالتبعية زادت دخول القيادات العليا فيه لدرجة جعلتهم ينظرون إلى الأمور بعين رجال الأعمال.
بعد 11 فبراير 2011 أصبح الجيش هو صاحب السلطة الفعلية في البلاد، ولم يتغير الأمر كثيراً عندما تم انتخاب محمد
مرسي أول رئيس مدني لمصر، حيث حافظ الرئيس المعزول على امتيازات الجيش وقياداته كما هي، في محاولة لمنعهم من الانقلاب عليه، وبعد 3 يوليو قبض الجيش على السلطة كلها دون منازع، فبينما كان يحكم في الفترة الانتقالية الأولى بمضايقات من شباب الثورة والقوى السياسية، وبينما كان يحكم في عصر مرسي بمشاركة نسبية من
الإخوان، أصبح يحكم وحده بتأييد شعبي مطلق ومصنوع بأيادٍ مخابراتية وأجهزة إعلامية.
أنْ تمْلك المال، فهذا يكفي لتغترّ، أن تملك السلطة، فهذا يكفي لتفسد، أن تملكهما معاً، فهذا يكفي لأن ترى نفسك سيداً للجميع، ولأن ترى الآخرين، مهما علا قدرهم ومقامهم، مجرد أقزام.
3-
كلما زاد احتقار العسكر للمواطنين كانت النكسة وشيكة.
حدث ذلك أيام
عبد الناصر عندما تفرغ الجنرالات لشهواتهم وبيزنسهم الخاص، ونشروا ممثليهم في كل المؤسسات الحيوية حتى في الأزهر والإعلام، وظنوا أنهم قد ملكوا الأرض ومن عليها، وأنهم مانعتهم حصونهم وأذرعهم وعيونهم، فجاءتهم الهزيمة الساحقة من حيث لا يحتسبون.
الآن تطور طموح العسكر، فهم لا يريدون فقط السيطرة على مفاصل الدولة، بل يرغبون في إقامة دولة موازية تبقى بمنأى عن رقابة أو مساس بامتيازاتها، ولكي يتحقق لهم ذلك نشروا ممثليهم في المواقع الحساسة في الدولة الشقيقة، بدلا من المدنيين الذين لا يقتنعون أصلا بأن طريقتهم في الإدارة تناسب طبيعة المرحلة.
القصر الرئاسي لا تعرف فيه إلا مجموعة من اللواءات السابقين، وعدد من رموز نظام مبارك، وقادة الثورة المضادة، والطرق السريعة يقف على بواباتها من يحصّلون الرسوم لصالح جهاز الخدمة المدنية بالقوات المسلحة، وكان إنجازهم الأول رفع التعريفة نحو خمسة أضعاف، فدولة الجيش تحتاج إلى موارد.
هذا الوضع لا يبشر بخير، ليس من مصلحة أحد انشغال الجيش عن دوره الأساسي في حماية حدود مصر وتأمين أهلها، بأدوار أخرى فرعية وفئوية تتعلق برفع معاش الضباط المتعاقدين أسبوعيًا، والاستحواذ على أسهم الشركات التجارية، ومنافسة شركات المقاولات.
4-
هل نكره جيشنا؟
هذا جنون، ما الذي يدفعنا لكراهية المؤسسة التي تصبح حياتنا ذاتها مهددة إذا ضعفت أو انهزمت؟
ما الذي يجعلنا نتمنى سقوط الجيش إذا كان بناؤه سيُعاد من جيوبنا؟
ما الذي يجبرنا على قول كلام قد يتخذنا قياداته من بعده أعداء إلا كوننا صادقين في الخوف عليه وراغبين في إبعاده عن كل مواطن الشبهات؟
الطريقة التي يتحدث بها المنتسبون إلى الجيش عن المدنيين لا تُرضينا، طموحهم الواضح في الحكم والسيطرة يزعجنا، رفضهم الدائم لأي رقابة مالية على مؤسساته الربحية يقلقنا، لكن يبقى وقوفنا خلفه في أي حرب يخوضها أو أي تحدٍ يواجهه فرض عين علينا، ويبقى الأب والأخ والصديق والجار الذي يرتدي سترته رابطًا أبديًا بيننا وبينه.
لكن هل يتعامل معنا قيادات الجيش بالاحترام ذاته؟ هل يمنعون نفسهم عن كراهية أي منتقد لسياساتهم أو متخوف من طموحهم؟ هل يفرّقون بين الاختلاف من أجل الوطن والخلاف عليه؟ هل يفترضون مرة أنهم أخطأوا الحسابات أو راهنوا على جواد خاسر؟
إذا كانت الإجابة على كل ما سبق "لا"، فهم في حاجة فعلية لوقفة يتذكرون فيها دورهم الحقيقي، وينأون بأنفسهم عن الدخول في خصومة مع أي فصيل في الشعب، ويعيدون توجيه مدافع انتقامهم إلى الشرق لا إلى الداخل.