انتقد القائم بأعمال رئيس مخابرات الاحتلال
الإسرائيلي، آريه فلمان، عدم وجود فكر أمني شامل في الكيان. ووصف الساسة الإسرائيليين بأنّهم لا يتعلمون من أخطاء الماضي، ويتصرفون مثل "الغبي الذي يقع المرة تلو الأخرى في ذات الحفرة ويتهم الحفرة".
وقال فلمان، في مقال له بصحيفة "معاريف" الأحد، إنّ إسرائيل تمر في مفترق طرق سياسي- أمني، وكان المفترض أن يُعرض في الانتخابات القريبة القادمة أمام الناخب الإسرائيلي فكران متناقضان، كي يختار أحدهما، ولكن شيئا ما تشوش على الطريق، والانتخابات القريبة القادمة تتركز في المجال الاقتصادي- الاجتماعي، بينما يندحر المجال
الأمني- السياسي جانبا، على حد تعبيره.
وحذر من خريطة التهديدات الجديدة على إسرائيل الناتجة عن تغير الواقع الجغرافي- السياسي الذي لم يعد ممكنا التعرف عليه.
ووصف هذه التهديدات بالقول إنّها معروفة: "
الإرهاب الداخلي، تهديد حماس، حزب الله من الشمال والتحول النووي الإيراني، وانضم في السنتين الأخيرتين لاعب جديد: الإسلام المتطرف".
ونوه فلمان إلى أنّ الحديث لا يدور فقط عن عصابات قتلة في العراق أو في سوريا. بل إن هذه أيديولوجيا تُنشر بمعونة تكنولوجيات متطورة، وتضرب الجذور في كل مكان يظهر فيه ضعف سلطوي. هذا أخطبوط يطلق أذرعه الفكرية دون حاجة إلى الجيوش. وقد بات هنا، في
الشرق الأوسط، وكذا في أوروبا المفزوعة والمشوشة، بحسب ما يرى.
وأشار إلى أنّ الحكومة الحالية وسابقاتها اختارت عدم المواجهة مع المشكلة الأمنية، وتبنت فكرة بن غوريون، التي كانت جميلة في حينه، حين قضى بأن سياسة إسرائيل الأمنية ستقوم على الإنذار والردع والحسم.
واستدرك بالقول إنه "مع الأخذ في الحسبان نوع الأعداء الذين نقف أمامهم اليوم، وموقف العالم، وقيود قوتنا، فإن هذا الفكر لم يعد ذا صلة".
وأضاف أن حكومات إسرائيل تبنت هذا الفكر لأنه هو وحده يستوي مع الأفكار القوية لبلاد إسرائيل الكاملة وبناء الهيكل الثالث، في ظل تجاهل مكان العرب، ويرسم سياسة ضم زاحف وتثبيت حقائق على الأرض، على حد تعبيره.
وذهب إلى أنّه حلت محل "اللاسياسة" الأمنية عبارة يفترض أن توفر الوهم بأنه توجد زعما قيادة، وتوجد زعما سياسة، بل إنها تنجح جيدا في الشارع: "إدارة النزاع" التي معناها في اللغة البسيطة "سنرد على الأحداث بالقوة، وإذا لم ينجح هذا فسنرد بمزيد من القوة"، أو "احتواء التهديد"، العبارة التي تعني "لا يوجد لدينا رد على التهديد، وبالتالي سنتعلم كيف نتعايش معه".
وشدد فلمان على أن النهج القائم في إسرائيل اليوم يؤدي إلى نتيجة واحدة واضحة، تتمثل في ما صاغه الجنرال البروسي كلاوزفيتس قبل 200 سنة حين قال: "كل هجوم لا يؤدي بشكل مباشر إلى السلام، يتوجب أن ينتهي بالدفاع".
وقال، إنه حين لا يكون لدينا فكر أمني قومي، فإنه يستبدل بشعارات عليلة، مثل: "عن هذا لن نتنازل" و"في هذا لن نلين" و"حيال هذا سنقف منتصبي القامة" و"سنهزم حماس"، وما شابه.
ويسخر من هذا الأسلوب بالقول إن هذه ليست استراتيجية وليست سياسة.. هذه ضحالة فكرية، تزلف للناس وقنبلة دخان، تستهدف التغطية على انعدام القدرة أو على إخفاء النوايا الحقيقية.
وطالب فلمان باستغلال الواقع الجديد في المنطقة الذي أثمر عن لقاءات مصالح بين الدول العربية المعتدلة وبين إسرائيل، يمكن استغلالها لتسوية إقليمية وحل النزاع مع الفلسطينيين.
وقال إن العالم العربي يتوقع خطوة كهذه وسيمنح مظلة ومساعدة مالية وسياسية وعسكرية. وأوضح أن من ليسوا جديرين بقيادة هذا الشعب هم من يطلقون سيناريوهات الرعب، ويطلقون هتافات "أزعر الحارة"، وأولئك هم الذين يعدون بتغيير اجتماعي اقتصادي، دون أن يشيروا إلى اختراق في المجال السياسي.
وخلص إلى القول، إن الجديرين بقيادة إسرائيل اليوم هم أولئك الشجعان بما يكفي لإجراء "إعادة النظر والتفكير في المسار من جديد".. هم أولئك القادرون على مواجهة مبادرة سياسية إقليمية تتقرر فيها حدود إسرائيل، التي تضمن أمن سكانها مع أغلبية يهودية متماسكة. ورأى ان اتخاذ مثل هذه المبادرة سيعزز المجتمع الإسرائيلي من الداخل ويحقق ثورة في المجال السياسي، وبالتالي في المجال الاقتصادي الاجتماعي أيضا.