ترى صحيفة "فايننشال تايمز" أن
الهجوم على المجلة الفرنسية الساخرة "
شارلي إيبدو" يمثل تحولا في تصرفات الجهاديين وطريقة إعدادهم للعمليات.
وكتب سام جونز، محرر الشؤون الدفاعية في الصحيفة، مشيرا إلى التحضير والتنفيذ الذي يرى فيه الخبراء نوعا متقدما في العمليات، وهو ما دعا مدير المخابرات البريطانية الداخلية "إم إي فايف" للقول يوم الخميس إن هجمات مثل الهجوم على "شارلي إيبدو"، تزداد تعقيدا وتفرض تحديات على الشرطة البريطانية.
وتنقل الصحيفة عن خبير مكافحة
الإرهاب السابق في "سي آي إيه" قوله: "هناك الكثير من الأسئلة الكبيرة التي طرحتها العملية في داخل مجتمع مكافحة الإرهاب".
ويضيف الخبير، الذي يعمل في مؤسسة صوفان للاستشارات الأمنية، أن الأسئلة "تتحدى المفهوم والأساليب التي اعتمدنا عليها بشكل مستمر، والتي ثبت أنها غير مكتملة ولا تدعو للطمأنينة"، وفق الصحيفة.
وتقول الصحيفة إنه مع بروز
الدولة الإسلامية في العراق والشام يرى المحللون أن شكل الهجمات القادم سيكون مختلفا عن
القاعدة وتلك التي تنظمها الدولة الإسلامية.
ويشير جونز إلى أنه في الوقت الذي يركز فيه تنظيم القاعدة على العمليات الكبيرة والصعبة، مثل الهجوم على الطائرات المدنية، إلا أن الدولة الإسلامية ستركز على العمليات الأصغر، والهجمات التي يقوم بها الهواة، وستعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي الموجهة إلى الشبان القابلين للتشدد وتلقي رسالتها، وهذه لا تحتاج إلى حضور جسدي للمجندين ولا لكوادر التنظيم.
ويجد الكاتب أن هجوم باريس قلب المعايير كلها، فهو لا يشبه أيا من الأسلوبين، بل هو مزيج منهما؛ فقد تم التخطيط للهجوم بطريقة حرفية ونفذ بدقة عالية، وأدى إلى اهتمام عالمي، وأصبح مدار حديث الناس كلهم، فهو "أسلوب القاعدة"، وفي الوقت نفسه لم يحتج إلا إلى مصادر قليلة، ونفذه أفراد "بأسلوب الدولة الإسلامية".
ومن هنا، ترى الصحيفة أن الهجوم يقدم صورة عن تهديد إرهابي "مهجن"، فهي تهديدات لا يمكن في النهاية تتبع أثرها وتحديد مصدر واحد لها، أو أنها تتبع قيادة لها، كما حدث في هجمات 11/9 في أمريكا أو 7/7 في لندن أو تفجيرات مدريد.
ويعلق جونز بأن الهجوم سواء كان "بيضة نعامة" أم محاولة نجحت، أم أنه يعكس ظروفا عاشها الشقيقان كواشي، أم أنه إعلان مرحلة جديدة.. فإن هذا كله ليس واضحا.
ويضيف الكاتب أنه ليس لدى المخابرات الأمنية أدنى شك في علاقة الشقيقين بتنظيم القاعدة، التي اعترفا بها على التلفاز الفرنسي، وهما في عمر الثلاثين، أي من الجيل الذي كان يرى في أسامة بن لادن صوتا للجهاد العالمي، وليس في الدولة الإسلامية.
وتلاحظ الصحيفة ملمحا آخر في تصرف سعيد وشريف كواشي، وهو أنهما استهدفا رسامي كاريكاتير متهمين بالتجديف والكفر وإهانة نبي الإسلام ورجال شرطة، ولم يقتلوا بشكل عشوائي كما تفعل الدولة الإسلامية.
وتنقل الصحيفة عن أحد المسؤولين الأمنيين قوله إن السلطات الأمنية لديها "ثقة عالية" من أن سعيد كواشي أقام صلات مع القاعدة، خاصة الفرع اليمني، حيث تلقى تدريبات في اليمن عام 2011. ويعلق المسؤول الأمني بأن أي شخص تلقى تدريبا على يد القاعدة من غير المحتمل أن يفقد صلاته به.
ويؤكد التقرير أن هذا كله لا يعني أن القاعدة هي التي طلبت تنفيذ الهجوم وأمرت به، أو أنها تخطط لهجمات جديدة.
وتورد الصحيفة قول مسؤول مكافحة إرهاب أمريكي سابق، إنه "ليس مدهشا لو علمنا أن هؤلاء الأشخاص أقاموا علاقات مع جماعة جهادية أخرى، ولكن لم يكونوا يتصرفون نيابة عن جهة معينة".
ويذكر التقرير أن الاستخبارات الأمريكية أشارت إلى أن تنظيم القاعدة ينشط في سوريا، ويحاول بناء علاقات مع المتطوعين القادمين من دول أوروبية، من خلال المجموعة التي أطلقت الولايات المتحدة عليها اسم "خلية خراسان". وقامت الطائرات الأمريكية باستهداف مواقعها في سوريا مع توسيع حملتها ضد الدولة الإسلامية في أيلول/ سبتمبر عام 2014.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى ما قاله نائب مدير المخابرات الخارجية البريطانية (إم إي-6) السابق نايجل إنكستر: "علينا ألا ننسى مجلة (إنسباير) الناطقة بالإنجليزية في اليمن، التي كانت مسؤولة عما عرف باسم إرهاب نايك: أي افعلها". مضيفا أنه مهما كان الأمر، أي سواء كانت القاعدة ملهمة لأنجح عملية في أوروبا منذ عقد أم لا، فالقاعدة، التي "دفعت للظل" بسبب بروز الدولة الإسلامية، لديها الأسباب كلها للمحاولة وعمل الشيء ذاته.