كتبت إيما غراهام هاريسون حول تصوير ورسم صورة نبي الإسلام، التي كانت وراء الهجوم على المجلة الفرنسية "
شارلي إيبدو".
وتقول هاريسون بمقال لها في صحيفة "أوبزيرفر" إن المسلمين يعدّون تصوير
النبي رجسا، لكن المنع لم يكن دائما مطلقا، فهناك في التاريخ الإسلامي فن نشأ وعلى مدى سبعة قرون، وإنْ على قاعدة مصغرة، لتبجيل النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ويشير التقرير إلى أن هذا الفن بدأ بمنمنمات جميلة في القرن الثالث عشر، حسبما يقول بعض العلماء، وهي أعمال فنية طلبها الحكام والأثرياء من الفنانين. وقدمت هذه الأعمال الحوادث التي ذكرها القرآن الكريم وغيره من النصوص الدينية المتعلقة بحياة النبي محمد كلها. وهي صور تحكي حياة النبي من الميلاد إلى الوفاة. وصور كهذه صنعت من أجل تعزيز ذكرى النبي وللصلاة والدعاء، وهي مشاهد مفصلة صنعها المسلمون السنة والشيعة، والأمثلة عنها موجودة في عدد من متاحف العالم ومكتباته.
وترى الكاتبة أن فنا كهذا أسس لنوع من التقاليد الذكرية والتبجيلية الشعبية، وإن كانت تمثل أقلية، ولا يزال هذا الفن قائما حتى اليوم، من الصور المصغرة المحفوظة والمحاطة بالعناية إلى لوحات جدارية دعمتها حكومات، كما في طهران العاصمة الإيرانية، إلى شوارع الثورة في القاهرة، مع أن وجه النبي غير ظاهر في هذه الرسوم العامة كلها.
ويلفت التقرير إلى أن موضوع
رسم وتصوير النبي ذكر في سياق الهجوم على المجلة الساخرة "شارلي إيبدو"، حيث ناقش الكتاب والعلماء منع الإسلام للتصوير وأي تمثيل للرسول؛ بسبب تحذيرات القرآن والنصوص الدينية ضد أي شكل من أشكال التذكير بعبادة الأصنام.
وتعلق هاريسون بأنه لم يناقش أحد هذا الموقف؛ لأن الصور الموجودة للنبي غير معروفة للرأي العام، ولا يتم تداولها إلا من فئة صغيرة تملكها وتبيعها أو تدرسها.
وتبين الصحيفة أن الباحثين يشعرون بحالة من الإحباط؛ لأن غياب هذا الفن يخفي جانبا ثريا من التراث الفني الإسلامي، ويشعرون بالنقمة لأن الصور الموجودة للنبي هي فقط تلك التي يقوم الرسامون الكاريكاتيريون بنشرها للسخرية منه ولدواع عنصرية.
وتنقل الكاتبة عن عوميد صافي، مدير مركز الدراسات الإسلامية في جامعة ديوك الأمريكية في نورث كارولينا، قوله: "من المهم أن يفرق الجمهور الذي لم ير أبدا صور النبي محمد بين الصور الصوفية والجميلة، التي أنتجت خلال ألف عام ورسمها فنانون مسلمون ولجمهور مسلم، وبين الصور العدائية وأحيانا الإباحية، التي يتداولها الإعلام.
ويذكر التقرير أن صافي كتب كتابا بعنوان "ذكرى محمد" ويحتفظ في بيته بصورة أحضرها معه من إيران، التي هرب منها مع عائلته. ويقول إن "الناس سينظرون لهذا، بالنسبة لي كوني باحثا مسلما ملتزما أنه نابع من تقليد هو أن رؤية هذه الصورة تذكرني بالنبي محمد، والتفكير به يذكرني بالله، إنها من أجل الوصول إلى الله".
وتكشف الكاتبة أن صافي لا يخبر زواره عن الصور، مع أنه يقول لهم إنها لرجل صالح، خاصة أن الكثير من العلماء المسلمين يتعاملون مع
التصوير على أنه فعل تجديف بحق الرسول.
ويورد التقرير ما قاله الشيخ إبراهيم مورغا، وهو إمام جامع في مدينة ليستر، والسكرتير المساعد للمجلس الإسلامي البريطاني، في تصريحات لـ "بي بي سي": "بشكل عام يحظر الإسلام استخدام الصور عندما يتعلق الأمر بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فنحن لا يسمح لنا بتصويره في أي شكل أو حجم".
وتوضح هاريسون موقف العرب المسلمين من التصوير، حيث نشأ الإسلام بينهم، وكانوا يريدون قطع الصلة بين ماضيهم الوثني وحاضرهم التوحيدي، ولكن الوضع مختلف بالنسبة للأتراك والفرس، بحسب البروفسورة كريستيان غروبر، الخبيرة في تصوير النبي في الفن الإسلامي في جامعة ميتشغان.
وتقول غروبر إن أقدم صورة من هذه المناطق تعود للقرن الثالث عشر، ولم تكن منحصرة بطائفة معينة، بل طلبها حاكم سني "من أجل مواجهة تشيع والده"، بحسب الصحيفة.
وتجد الكاتبة أنه قد تكون الصور جزءا من تراث كبير، لكن تدمير حفيد جنكيز خان، هولاكو، لبغداد عام 1258، وحرقه لمكتباتها قطع صلتنا بالتاريخ السابق، وجعلنا "لا نعرف الكثير عن كتب الفن الإسلامي قبل ذلك"، كما تقول غروبر. مضيفة أنه "قد تكون هناك إمكانية لوجود تقاليد من هذه قبل، ولكننا لن نعرف أبدا عنه، ولن نكون قادري على سد الفجوة".
ولم يحاول الحكام المسلمون وضع الصور في الأماكن العامة أو المساجد التي قيدت فيها الرسوم بالزخارف.
وتبين الصحيفة أنه لهذا ظلت الصور أمرا خاصا ومخصوصة بجماعات كانت تريد استخدامها لتذكر النبي في بيوتها. وتجد غروبر أنه لهذا السبب "لم يكن هناك نقاش عام حول صور النبي"، مضيفة أنه "علينا ألا نلوم المسلمين العاديين بعدم معرفتهم بوجودها، لأننا لم نقم بوضعها أمامهم. ونشر هذه الصور قد يكون تعويضا أمام عدم الاحترام. وسنشعر بجماليتها أمام أعيننا، وسيشعر المسلمون بالفخر بها، وأنها جزء من تراث فني غني".
ويفيد التقرير بأنه لا يوجد رسم يصور النبي في بريطانيا، لكن متحف الميتروبوليتين في نيويورك وضع صورة تصور معراج النبي في قلب قاعاته للإشارة للفن الإسلامي، وهي موجودة على موقع المتحف في الإنترنت مع معلومات حول التقاليد الفنية وراءها.
وتذكر الصحيفة أن المكتبة الوطنية الفرنسية قد عرضت صورة مقدسة من الفن الإسلامي، وضمت صورة للنبي ولم تؤدّ إلى إثارة الجدل.
وتشير هاريسون إلى أنه منذ عام 1500 بدأ الفنانون الأتراك بتغطية وجه النبي، وفي أحيان أخرى كان يظهر منه نور ذهبي. وفي إيران الشيعية فإن صور النبي المطبوعة على بطاقات المعايدة بل وعلى السجاد معروفة. وفي عام 2008 طلبت الحكومة الإيرانية من فنانين رسم لوحة جدارية تصور النبي محمد على فرسه وهو في طريقه إلى الجنة، وقد استلهم الفنانون الصورة من مخطوطة قديمة. وظهرت صورة النبي في لوحات جدارية رسمت في شارع محمد محمود، حيث بدا النبي على فرس في طريقه للمعركة، وذلك أثناء ثورة يناير 2011.
وتختم الكاتبة تقريرها بالإشارة إلى قول المتحدثة باسم المجلس الإسلامي البريطاني، نسيمة بيغوم، إن الموقف من تصوير النبي لم يتغير، وكون تصويره ظهر في بعض الكتب التي نشرت في القرنين الثاني والثالث عشر، فإن هذا لا يعني الموافقة عليها، فبعض المخطوطات في القرن السادس عشر عبرت عن عدم رضا، ما دفع بالفنانين لتغطية وجهه.